* تغطية سعيد الدحية الزهراني :
تتواصل فعاليات مهرجان الجنادرية الثقافية ليومها الرابع وتأخذ القضية الفلسطينية المرتبة الأولى من حيث الأهمية والتركيز حيث كانت ندوة الأحد اليوم الرابع للمهرجان بعنوان «فلسطين.. والاعلام الغربي». شارك في اعدادها عدد من قامات ثقافتنا المحلية والعربية وهم الأستاذ الدكتور بلال الحسن والأستاذ الدكتور رضا لاري والأستاذ محمد النعماني. وأدارها الأستاذ عبدالرحمن الراشد.
حيث استهل الندوة مباشرة بالترحيب بالضيوف المشاركين في اعداد الندوة وبالحضور لينتقل الحديث الى سعادة الأستاذ الدكتور بلال الحسن الذي ابتدأ الندوة بورقة قائلا: «فلسطين والاعلام الغربي» موضوع كبير ومتعدد ومتنوع، لا يمكن الاحاطة به في بحث ليس لأنه موضوع واسع فقط بل لأننا لا نستطيع ان نتحدث بالمطلق عن «إعلام غربي» واحد فهناك اعلام بريطاني، واعلام فرنسي، واعلام ألماني، واعلام ايطالي، وكل واحد من هذه الأنماط من الاعلام يختلف عن الآخر حين نأخذه بهذا المسمى العام. وحين ننتقل الى التدقيق نجد داخل إعلام كل بلد تيارات واتجاهات بعضها يقف مع اسرائيل ضد القضية الفلسطينية وبعضها يقف مع الشعب الفلسطيني ضد اجراءات اسرائيل. بعضها يهاجم العرب بسبب موقفهم من اسرائيل، وبعضها يؤيد العرب ويرى ان موقفهم من اسرائيل له مبرراته العادلة. النقطة الصحيحة الوحيدة هنا هي غلبة التيارات المؤيدة لاسرائيل على التيارات المؤيدة للشعب الفلسطيني وللعرب، وهنا يصبح مشروعا ان نسأل لماذا؟ لماذا هذه الغلبة؟.
ولقد برز موضوع الاعلام الغربي وموقفه من فلسطين منذ سنوات طويلة ربما منذ الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور ولكننا حين نختار نقطة حديثة من هذا النوع، فسنغرق في سلسلة من التفاصيل قد تحجب عنا رؤية ما يجب ان نراه لتحديد الصورة ورسمها بالشكل الصحيح.
ان موضوع الاعلام الغربي وقضية فلسطين جدير بأن يدرس دراسة ميدانية مفصلة عن إعلام كل بلد غربي على حدة لرسم ملامحه وأسس حججه وآرائه المؤيدة لنا منها أو المعارضة، وهذا عمل بحثي واسع جدير بأن تتفرغ له مؤسسات علمية داخل الجامعات وفي فروع الاعلام والصحافة بشكل خاص حتى تتوفر المادة البحثية اللازمة للمواجهة الاعلامية. ولكن ندوة من هذا النوع الذي نحن فيه لا نستطيع الدخول في بحر هذه المعلومات ومن الأجدى ان نركز على المنطلقات العامة القديمة والحديثة وصولا الى هدفنا.
وقد تجدد البحث في الموضوع نفسه بعد أحداث 11 أيلول «سبتمبر» 2001م في الولايات المتحدة حيث طفا الأمر على سطح الأحداث وطرحت موضوعات عدة منها:
1 الموقف من الارهاب، وفي حين دان الجميع الارهاب إلا ان الجميع أيضا طالبوا بتعريف دقيق للارهاب يميز بين الارهاب الأعمى الذي يقترب من الجريمة وبين حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي.
2 الموقف من الارهاب الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وطرح هذا الموضوع على ضوء أحداث الانتفاضة الفلسطينية كحق مشروع في مقاومة الاحتلال، كما طرح على ضوء الممارسات الاسرائيلية التي تستحق وصف الارهاب وهو هنا ارهاب الدولة الأشد خطرا من ارهاب الأفراد والمنظمات.
3 ارتفعت أصوات كثيرة ومن بينها أصوات أمريكية تطالب بالبحث عن أسباب الارهاب من أجل مقاومته مقاومة ناجعة وبرزت هنا موضوعة السياسة الخارجية الأمريكية على امتداد العالم، ودورها في تغذية فكر الارهاب وبرزت وبشكل خاص موضوعة مواقف الولايات المتحدة من اسرائيل، ودعمها المطلق لها، وأثر ذلك في تغذية المواقف المعادية للولايات المتحدة وبخاصة على امتداد العالم الاسلامي. وقد وجدت هذه القضايا طريقها الى الاعلام الأمريكي بخاصة والى الاعلام الغربي بعامة وطرح الموضوع نفسه علينا كعرب وكمسلمين: كيف نواجه هذه الحملة الاعلامية، وكيف نرد عليها؟ وانعقدت من أجل ذلك ندوات على مستوى الجامعة العربية تبحث وتفكر وتقترح خططا للمواجهة.
وصف عام لمواقف الاعلام بعد «الحدث الأمريكي»
لا نستطيع ان نقدم وصفا واحدا لموقف الاعلام في أي بلد غربي من الموضوع الفلسطيني الاسرائيلي بعد «الحدث الأمريكي» الدامي. ثمة كما قلنا مواقف اتهامية للفلسطينيين ومواقف اتهامية لاسرائيل بعضها كان يتسم بالموضوعية وبعضها خرج عن اطار الموضوعية الى التعميم والى مخاطبة الغرائز.
في اطار الصحافة الفرنسية وإذا أخذنا جريدة اللوموند كمثال باعتبارها الجريدة التي تخاطب النخبة الفرنسية وتميزت في بعض مراحلها بتأييد لاسرائيل فإننا نجد فيها ظواهرلافتة للنظر:
أحدهم وهو شخصية فرنسية مرموقة يكتب منتقدا حكومة شارون، فيرد عليه فرنسي صهيوني متهما إياه باللاسامية ويقوم هذا الكاتب الفرنسي بالرد عليه بقوة، مؤكدا الحق الدائم في نقد سياسة اسرائيل، ومستغربا تهمة اللاسامية حين تربط بهذا النقد، وتقوم اللوموند بنشر الرد كاملا، وهو ما لم تكن تفعله في مناسبات سابقة.
يقوم بعض اليهود الصهيونيين في فرنسا بتنظيم مظاهرة مؤيدة لشارون وسياسته فيقوم صحافي يهودي بكتابة مقال ضد موقف المتظاهرين وضد حكومة شارون وينشر مقالته في صحيفة اللوموند وهو ما لم تكن تفعله في مناسبات سابقة.
وتتحدث وزيرة العمل والتضامن الفرنسية «اليزابيث نمنغو» وتقول:«ان ردة فعل المجتمع الفرنسي اتسمت بالكثيرمن النضج وان الفرنسيين مسلمين وغير مسلمين، كانوا حريصين على تجنب التعميم والخلط، وهو أمر مشجع».
ويتحدث رئيس تحرير مجلة لوموندا دبلوماتيك «آلان غريش» عن مواقف الصحافة الفرنسية «من العرب والاسلام» في الأزمة ويقول: إنها لم تكن سلبية، وانه لم يكن هناك اتجاه واحد، وكان هناك نقاش بين تيارات والحصيلة وجود توازن لدى الصحف ولدى الرأي العام، وهو يرى ان المشكلة تكمن في السياسة الأمريكية وانه يجب مكافحة هذه السياسة.
ولكن الصورة في الاعلام البريطاني تختلف عن الصورة في الاعلام الفرنسي، يختل التوازن في الاعلام البريطاني، وتميل الكفة لصالح اسرائيل، ويعلو صوت الحملات ضد النضال الفلسطيني وضد السلطة الفلسطينية ويتم ابراز الدعوات لاستبدال قيادة الرئيس ياسر عرفات بقيادة فلسطينية بديلة توصف بأنها «براغماتية» وهو وصف يعني استعداد هذه القيادة لقبول شروط اسرائيل وشروط شارون للتسوية السياسية. ويمكن هنا ان نستشهد بالعديد من مقالات جريدة التايمز والهيرالد تريبيون، ولكننا بالمقابل لا نستطيع إلا ان نلاحظ ما تكتبه جريدة الغارديان، وأحيانا جريدة الاندبندنت، ومقالات «ديفيد هيرست» و«روبرت فيسك» فيهما مقالات مميزة منذ فترة طويلة وتدافع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية ظلم وعدل، وتفضح الممارسات الاسرائيلية بحدة ومراسلة الغارديان في اسرائيل وفلسطين «سوزان غولدنبرج» وهي يهودية، ولكنها هوجمت كثيرا لأنها تكتب ضد الممارسات الاسرائيلية، وبرنامج التلفزيون البريطاني الذي أعده «فيرغل كين» باسم THE AQUESE عن شارون ومجزرة صبرا وشاتيلا علامة بارزة في المواقف الاعلامية البريطانية بحيث إننا لا نستطيع ان نتحدث عن موقف بريطاني واحد، وان كانت السمة العامة في بريطانيا تميل نحو اسرائيل.
وهكذا نستطيع ان نلاحظ في اعلام كل بلد عربي، مواقف معادية ومواقف مؤيدة مع غلبة للمواقف المعادية لنضال الشعب الفلسطيني، وتتبع هذه الغلبة من المواقف السياسية للدول، كما ان لها منابع أخرى ثقافية وتاريخية، ولكن ما أريد تأكيده هنا هو خطأ التعميم بالحديث الدائم عن الاعلام الغربي في موقفه من القضية الفلسطينية وضرورة تركيز النظر على الموقف السياسي للدول، لا على الاعلام نفسه فقط. ففي فرنسا حيث يسود موقف سياسي معتدل ينعكس ذلك اعتدالا على الاعلام، وفي بريطانيا حيث الالتحاق بالسياسة الأمريكية والتماهي معها ينعكس ذلك انحيازا الى جانب اسرائيل في الاعلام.
وفي محاولة الانتقال الى استخلاص الملامح العامة للعداء أو للتأييد في مواقف الاعلام الغربي من القضية الفلسطينية فإننا نستطيع ان نسجل الملامح التالية:
1 مرحلة طويلة من التجاهل الغربي للموضوع بدأ منذ العام 1948م واستمر حتى العام 1965م ولم يكن يتم التطرق الى القضية الفلسطينية طوال هذه السنوات إلا باعتبارها قضية انسانية يتم فيها التركيز على اللاجئين الفلسطينيين ومعاناتهم، مقابل صورة روج لها الاعلام الصهيوني عن أرض الصحراء الفلسطينية التي حولها الاسرائيليون الى أرض خضراء.
2 مرحلة من الاعجاب الشديد باسرائيل، تركز على التفوق الاسرائيلي، مقابل صورة العربي الضعيف المهزوم، وهي مرحلة بدأت مع نتائج حرب حزيران 1967. ومع ان هذه الصورة تغيرت نسبيا لصالح العرب.
لينتقل الحديث بعد ذلك الى الأستاذ محمد النعماني الذي أشاد بدور المملكة قادة وشعبا تجاه القضايا العربية والاسلامية. كما أشاد بالمستوى المشرف لمهرجان الجنادرية شاكرا الجهات المسؤولة عن تنظيمه واعداده.
أما عن موضوع الندوة ومحورها الأساسي فقد ذكر الأستاذ النعماني انه لم يكن ضمن المشاركين في اعداد هذه الندوة. لكن أهمية موضوعها هوما دعاه للمشاركة فيها. وعن هذه النقطة ذكر ان القضية الفلسطينية تعد قضية الانسان المسلم على وجه الأرض. فهي تعد نقطة الخطر عربيا واسلاميا فإن سقطت سقطت هويتنا العربية والاسلامية.
الغرب هم الطرف الثاني بالنسبة لهذه القضية. واعلامهم نابع من وجهتهم وانطلاقاتهم تجاه هذه القضية. وفي نقطة أخرى أشار الأستاذ النعماني الى ان المشكلة في اعلامنا العربي تكمن في عدم انفتاحها على الآخر علينا أن نوصل صوتنا الى الغرب علينا ان نحاورهم ونناقشهم. وأشار في نقطة أخرى الى ان نجد أصواتا غربية منصفة. وذكر شواهد على ذلك.
وقبل ان يختم الأستاذ النعماني حديثه أكد على أهمية وجود مجالات للحوار والنقاش مع الآخر.
بعد هذا انتقل الحديث الى سعادة الأستاذ الدكتور رضا لاري الذي قدم ورقة بهذا الخصوص جاء فيها:
يصعب فصل ما حدث من عدوان على الانسان الفلسطيني بالاستيلاء على أرضه، بعد الحرب العالمية الأولى في سنة 1918م بالوصايا البريطانية عليها، وبعد الحرب العالمية الثانية في سنة 1945م باخضاعها للانتداب البريطاني، عن دور الاعلام الغربي الذي بدأ يدعم الفكر الصهيوني الذي جسده مؤتمرهم العام الأول في مدينة بازال السويسرية عام 1897م برئاسة تيدور هرتزل الذي أعلن في نهاية المؤتمر بأن دولة اسرائيل ستقوم على أرض الميعاد فلسطين بعد خمسين سنة. وصدق حدسه بقيامها في سنة 1948م الذي لم يصدق بالصدفة وإنما بالتخطيط المتقن وتسخير الاعلام الغربي في خدمة التوجه الصهيوني الرامي الى اعطاء شعب الله المختار حقهم في أرض الميعاد. واستطاع الدور الاعلامي اقناع حكومة التاج البريطاني بالمنطق الصهيوني فوجهت وزير الخارجية آرثر بلفور الى اصدار وعد لليهود بالوطن القومي لهم في أرض فلسطين يعرف باسم «وعد بلفور» في يوم 2 نوفمبر 1917م بعد عشرين سنة من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول.
لا نريد ان نقفز على التاريخ بتخطي مراحله الزمنية لنصل الى النتائج بدون المرور على المقدمات التي كانت سببا في هذه النتائج ولا نرغب في اغراق أنفسنا في مجرى التاريخ وعواصفه، ونحن نتحدث عن الروابط بين ضياع فلسطين باعطائها لليهود بعد طرد أهلها منها وبين أدوار الاعلام الغربي التي استطاعت تحويل المستحيل الى ممكن، ولكن معرفة حقيقة ما حدث من أدوار الاعلام الغربي في الماضي واستمرار حدوثه في الحاضر يتطلب الاستناد الى التاريخ لنعرف مراحل المؤامرة بين الصهيونية واطماعها في فلسطين وبين أدوار الاعلام الغربي طوال المرحلة الزمنية الممتدة لمائة وأربع سنوات من عام 1897م الى عام 2001م الذي ساعد الصهيونية على الوصول الى أطماعها.
هيأ الاعلام الغربي من خلال تأييده المطلق للوطن القومي اليهودي في فلسطين لقاء بين الزعيم الصهيوني تيدور هرتزل وبين السلطان العثماني عبدالحميد عقد في الباب العالي بالآستانة «اسطنبول» في سنة 1904م رفض السلطان عبدالحميد طلب الزعيم الصهيوني تيدور هرتزل باعطاء فلسطين لليهود باعتبارها وطنا قوميا لهم ووافق على ان يعيش اليهود بها تحت مظلة الدولة العليا العثمانية. واعتبر هذا الموقف للسلطان عبدالحميد معارضا للتفكير الصهيوني ومعيقا لأهدافه في اقامة الوطن القومي اليهودي، خصوصا بعد رفضه لمبلغ 42 مليون جنيه ذهبي ثمنا لفلسطين.
تم التشاور بين أقطاب الصهيونية ورجال الاعلام الغربي في جنيف المدينة السويسرية حول هذا المأزق، والبحث عن مخرج منه واعترف تيدور هرتزل بفضل الدور الاعلامي في اعادة الحياة للوطن القومي اليهودي باقتراحه تشكيل حزب من اليهود الأتراك في اسطنبول يكون هدفه فصل الأقاليم العربية عن الدولة العلية العثمانية عن طريق ايجاد فجوة بينهما. وترتب على هذا الاقتراح قيام «حزب الاتحاد والترقي» في سنة 1906م وأخذ يدعو الى «التتريك» الذي حول الفجوة الى جفوة بين الأتراك والعرب، لما في هذه الدعوة من نتائج تؤدي الى تغييب الهوية العربية بتذويبها في الهوية التركية وأخذ الاعلام الغربي يردد في تلك المرحلة الدور الحضاري ل«حزب الاتحاد والترقي» الرامي الى انقاذ «الرجل المريض» الدولة العثمانية من الترهل السياسي.
أدى هذا التآمر الصهيوني على عروبة العرب بفرض التتريك عليهم في التعليم وكل أنماط السلوك الاجتماعي العام وأساليب التفكير الى قيام النهضة العربية سنة 1916م في أثناء الحرب العالمية الأولى، وجاءت هذه الثورة العربية من خلال مراسلات الحسين/ مكماهون. وتعمد السير مكماهون المندوب السامي البريطاني بمصر في ذلك الوقت ترك وضع فلسطين عائما يبحث وضعها لاحقا. في ظل الوعد بجعل شريف مكة الحسين بن علي الوريث الشرعي للدولة العلية العثمانية بمناداته ملكا على العرب بعد الانتصار في الحرب العالمية الأولى. وبالفعل صك شريف مكة الحسين بن علي بعد ان وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها ألف جنيه ذهبي تحمل اسمه ولقبه «ملك العرب»، غير ان بريطانيا طبعت بالختم الناري على هذه الجنيهات لقبه «ملك الحجاز». وأي جنيه من هذه الجنيهات الألف لا يقدر بثمن اليوم لما له من قيمة تاريخية بالغة الأهمية. في هذه المرحلة الزمنية تكامل البناء النظري للفكر الشيوعي على يد كارل ماركس اليهودي البريطاني ومارتن انجليز اليهودي الألماني، وغاب الدور الألماني في التطبيق للفكر الشيوعي بها لأن قادتها قمعوا التفكير الشيوعي في سنوات الحرب العالمية الأولى وخشيت بريطانيا من تطبيق هذا الفكر الشيوعي بها لأنه نابع من البيئة الاقتصادية البريطانية. فعملت على مقايضة الصهيونية العالمية باعطاء فلسطين وطنا قوميا لليهود في مقابل عدم تطبيق الفكر الشيوعي في داخل بريطانيا وتطبيقه في دولة أخرى وقبلت المقايضة من الصهاينة وتم التنفيذ لها باصدار وعد بلفور في يوم 2 نوفمبر 1917م الذي قابله قيام الثورة البلشفية في روسيا القيصرية بعد خمسة أيام في 7 نوفمبر 1917م وفضحت الثورة الاتفاق السري المعروف باسم «سايكس بيكو» بنشره، وهذه الاتفاقية تثبت بالوثائق اقتسام إرث «الرجل المريض» الدولة العلية العثمانية بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية والعمل على اعطاء فلسطين لليهود لتصبح وطنا قوميا لهم. سارع الاعلام الغربي الى تكذيب «اتفاقية سايكس بيكو» ليس دفاعا عن بريطانيا وفرنسا وإنما مؤازرة للوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، ودلل الاعلام الغربي على بهتان البلشفيك في ادعاءاتهم بأنهم زمرة من الملاحدة الذين يريدون الوقعية بين بريطانيا وفرنسا وحليفهم العربي شريف مكة الحسين بن علي.. لم يستطع الاعلام العربي في تلك المرحلة التاريخية التصدي للاعلام الغربي لغيابه الكامل لأن جريدة «الأهرام» الصادرة من الاسكندرية كانت تمارس صحافة المقالات الأدبية وما يرتبط بها من مساجلات ترتكز على خصومات فكرية بين الأدباء، ولأن جريدة «القبلة» كانت هي الأخرى تمارس صحافة المقالات التي كان يكتبها جميعا شريف مكة الحسين بن علي بأسماء مستعارة مثل أبوفراس الحمداني وأبوالطيب المتنبي وغيرهما من الأدباء والشعراء السابقين والمنتمين الى عهود سحيقة في التاريخ العربي. تلازم دور الاعلام الغربي مع الفكر الصهيوني في كل مراحل النشوء والتكوين لدولة اسرائيل التي أصبحت عندها القناعة التامة بأهمية الدور الاعلامي في تحقيق طموحاتها المتتابعة مع مراحل الزمن لما له من قدرة على تشكيل الرأي العام العالمي من خلال التحكم في العقل الانساني. فعملت الصهيونية على فرض سيطرتها الكاملة على الاعلام الغربي إما بامتلاك وسائله وأدواته وإما بفرض نفوذها عليه وكلاهما الامتلاك له أو النفوذ عليه يؤديان الى خدمة أغراضهم التي لا تنتهي بطموحاتهم المتجددة التي لا تقف عند قيام الوطن القومي اليهودي فوق أرض فلسطين وإنما تمتد هذه الطموحات الى الارتقاء باسرائيل لتكون الدولة القطب في اقليم الشرق الأوسط لتقفز من موقعها الاقليمي المتميز الى فرض سيطرتها الكاملة على العالم. وهذا جعلها تلتصق في مرحلة زمنية ببريطانيا عندما كانت سيدة العالم وتنتقل الى الارتباط بالولايات المتحدة الأمريكية بعد ان أصبحت سيدة العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. بعد هذا تقدم الأستاذ عبدالرحمن الراشد مدير الندوة بالشكر الجزيل للمشاركين في إعداد الندوة وللحضور متمنيا دوام التوفيق للجميع.
|