Sunday 27th January,200210713العددالأحد 13 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العَزاءُ للوطن.. ثم لكم آلَ جُبير!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

فُجعتُ، كما فُجِعَ سواي، برحيل فقيد البلاد، معالي الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير إلى الدار الآخرة فجر الخميس الماضي، وتشكّلت في خاطري يومئذٍ، بفقده الفادح، مشاعر يعجز اللسَانُ عن البوْح بها، وسأختزل عبر السطور التالية بعضاً من تلك الخواطر، فأقول:
ما أجمع الناس على محبّة إنسان فيما يرضي الله، وهم قَلَّ ما يُجمِعُون، إلا كان ذلك دليلَ محبةِ الله له، ورضَاه عنه، ورحمته عليه بإذنه تعالى، وقد كان فقيدُ الشورى وأهلها وفقيدُ هذه البلاد، فضيلة العالم الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير أحدَ الرجال القلائل الذين سلكُوا درب المحبّة لله أولاً، ثم للناس، فأحبّه الناس القاصُون منه والدانُون، ودعوا له بالتوفيق والسداد حياً، وهم اليوم يدّعُون له بالرحمة والرضوان بعد أن رحل إلى دار الخلود بإذن الله، وإنه إن شاء الله لمن الصالحين دنيا وآخرة، يشفع له صلاحُ السيرة والأداء، خدمةً لدينه وبلاده.
**
عرفتُ معالي الشيخ محمد بن جبير رحمه الله عن قُربٍ عقب تولّيه قيادةَ مجلس الشورى، فكان فقيهاً في علمه، حليماً في طرحه، هادئاً في طبعه، متواضعاً بلا تكلّف، حازماً بلا صَلف ولا اكراه، وكان رحمه الله وأرضاه، قدوةً صالحة للعمل الصالح، وما تولّى عملاً إلا كان فيه صالحاً ومُصّلحاً وناصحاً أميناً، تولّى ديوان المظالم، وحمل حقيبة العدل حتى تمّ اختيارُه قبل نحو عشر سنوات أولَ رئيسٍ لمجلس الشورى بعد إعادة تشكيله وتحديثه بإلهامٍ ومبادرةٍ من الملك الصالح المصلح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أيده الله، وتحققت للممارسة الشورية في عهد ابن جبير وبقيادته نقلةٌ نوعيةٌ في الإدارة والأداء، شهدَ بذلك كلُّ من عاصر ذلك المجلس سنين، سواء مَنْ عمل تحت قُبّة المجلس أو كان من المراقبين أو المتابعين له في أجهزة أخرى.
**
وأحسبُ أنّ من أبرز مآثر الفقيد الكبير ابن جبير أنه نقل رسالة تجربة الشورى السعودية في إطارها الإسلامي والحضاري والتنموي إلى معظم أصْقاع الدنيا، فقاد بنفسه وفوداً رسمية من بين زملائه في المجلس إلى عدد كبير من الدول الإسلامية والعربية والدولية تُعرِّف بالشورى الإسلامية، مبدأً وممارسةً وإنجازاً كان رحمه الله خلال تلك الجولات المضنية المتعددة يُسمِعُ ويَستَمعُ، ويُحاور ويُجادل بالتي هي أحسن، ليَعلمَ الناسُ أن الشورى مضموناً وممارسة، ليست عملية صورية ولا احتفالية ولا ترفاً بل جهد مضنٍ يقوم على شفافية الطرح، وجدِّية الحوار، وتعدّدية الجَدل، أراءً واتجاهات، ابتغاءَ الحقِّ والحقيقة، ووصولاً إلى ما يخدم البلاد والعباد.
**
وقد قاد الشيخ ابن جبير ومَنْ معه من نُخب الخبرة والمعرفة والرأي من أبناء هذه البلاد هذه العملية بكفاءةٍ وعزم وإخلاص. وكان رحمه الله خطيباً حليماً ومتحدثاً حكيماً حين يترافع عن تجربة الشورى السعودية، داخل المملكة وخارجها، موضحاً في كل مناسبة أن فلسَفة العمل الشُّوري الذي أرّسته هذه البلاد انفاذاً لأمر الله، تعتمد على منطلقين هامّين:
1 اختيارُ أهل الخبرة العلمية والتجربة العملية والرأي الصائب لتشكيل المجلس، ومن ثمّ، ابعادُه عن مزاد المساومات الفردية أو الجماعية التي لا تخدم مصلحة الوطن ولا حاجة المواطن.
2 تركيزُ عمل المجلس مجتمعاً، أو عبْر لجانه العديدة المتخصصة، على هموم الوطن وطموحات المواطن، عَبْر ما يحال إليه، أو ما قد ينشأ عنه من مبادرات كيّفها نظامُه، آليةً وغايةً!
**
رحم الله الشيخ محمد بن جبير، فقد كان علماً في الفقه والشريعة، وكان رائداً في الفكر والإدارة، وكان في هذه وتلك صوتاً من الحكمة وسراجاً منيراً!
(إنا لله وإنا إليه راجعون).

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved