Sunday 27th January,200210713العددالأحد 13 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إلى رحمة الله أيها الشيخ الجليل
د. سليمان بن عبدالرحمن العنقري

قضى الحق سبحانه وتعالى بالموت على جميع خلقه صغيرهم وكبيرهم عالمهم وجاهلهم ذكرهم وانثاهم مسلمهم وكافرهم.. فالموت حق لا مفر منه ولا محيص عنه كما قال جل وعلا مخاطبا نبيه وخاتم رسله (إنك ميت وإنهم ميتون).. فالموت مشروع لابد مورود وكلنا وإن طال المدى مفقود.. وبين لحظة وأخرى يخطف الموت عزيزاً علينا فنرضى بقضاء الله وبقدره وبحكمه، فقضاؤه ماض وهو عدل قاض يولي ويبتلي ويسلب ويعطي له الخلق وفعله الحق فأمر الله لابد وأن يقبل بالرضا والصبر على ما قضى ومضى.
ولقد كان آخر لقاء لي بمعاليه في العشر الأواخر من رمضان هذا العام في مكة المكرمة وبجوار بيت الله الحرام في قصر الضيافة حيث سعدت بالجلوس معه والاستئناس بحديثه الشيق حتى وقت صلاة التهجد وكان رحمه الله يصر على أن يضيفني بنفسه.
لقد كان معالي الشيخ من العلماء الأفذاذ بثاقب بصره وبعد نظره.. استشهدت بدعوته لجميع المهتمين بالدعوة الإسلامية في مقالة كتبتها بهذه الجريدة يوم الثلاثاء 18/12/1421ه تحت عنوان (علماؤنا.. والفضائيات) دعا فيها معاليه العلماء والمهتمين بالدعوة ومن لهم قدرة على نشر هذا العلم أن يستغلوا وجود هذه الفضائيات لأنها تكاد تكون هي أسهل الطرق وأيسرها في نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة. إن العلم الذي به قوام الحياة لا يرفع نزعاً من صدور الخلق ولكن رفعه بقبض العلماء وفقدان الفقهاء كما قال الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام (إن الله لا ينتزع العلم إنتزاعاً من صدور العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
إن موت العلماء والهداة المخلصين ردية عظيمة وفادحة كبيرة.. والعلماء وإن ذهبوا بذواتهم وأجسادهم فعلومهم ومعارفهم موجودة.. وهكذا خطفت يد المنون وغيب الموت أحد علماء هذه البلاد وأحد أركان هذه الدولة معالي الشيخ الجليل محمد بن إبراهيم بن جبير رئيس مجلس الشورى وعضو هيئة كبار العلماء صباح يوم الخميس 10/11/1422ه حيث أبلغني ابنه الدكتور جبير بعد صلاة فجر ذلك اليوم في المسجد بنبأ الوفاة فتكدرت لذلك وخيم الوجوم والحزن على جميع المصلين.
إن معرفتي بمعالي الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير بدأت حينما سعدت بمجاورته بمنزله العامر بحي الملك فهد منذ عقد من الزمن أو تزيد قليلاً وكنت أسعد برؤيته يومياً في المسجد الذي يحمل اسمه كما كنت أزوره بين الفينة والأخرى في منزله بعد مغرب كل يوم حيث يستقبل معاليه رحمه الله الكثير من محبيه ومعارفه ببساطة متناهية غير متكلفة.
وحينما كلفت بالعمل ملحقاً ثقافياً بجمهورية مصر العربية لم ينقطع تواصلي بمعالي الشيخ رحمه الله بل كان تواصلاً من نوع آخر وذلك عبر تزويد معاليه بالملف الصحفي الاسبوعي وكان رحمه الله مقدرا لذلك عبر خطاباته التي كانت تصلني تباعاً والتي أحتفظ بها حتى تاريخه والتي كانت تنم عن كرم أخلاقه ونبل مشاعره ومعدنه الكريم.
وقد أشار معاليه إلى أنه يخشى أن أي تقصير في استغلالنا هذه الوسائل الحديثة الاستغلال الأمثل ان نكون قد ارتكبنا إثماً لأنه قد هيئت لنا هذه الفرص وهذه الوسائل لنقل دعوة الله سبحانه وتعالى وايصالها إلى البشرية جمعاء تخوفاً رحمه الله من أن أي عزوف عن استغلال هذه الفضائيات فإنها سوف تملأ بالشيء الضار غير المفيد..
لقد كان رحمه الله عالماً في أمور الدين.. وفاهماً لمجريات الأحداث.. مدركا لشؤون الحياة والناس.. جامعاً لأمور الدنيا والآخرة.. قدوة حسنة لمن عرفه ولمن سمع به.. لقد رأيت آثار المصيبة بادية على وجوه مشيعيه والمصلين عليه.. رحم الله شيخنا رحمة واسعة وأمطر عليه شآبيب رحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته وأخص بالعزاء عمه العميد عثمان وأخاه اللواء عبدالله وأبناءه الدكتور خالد طبيب العيون المعروف والمعروف فعلا بمساعدته للفقراء والمحتاجين والأستاذ ساعد والدكتور جبير والملازم إبراهيم ووالدتهم واخاوتهم وكافة أسرة الجبير الكريمة وزملاء معالي الشيخ بمجلس الشورى وكل معارفه ومحبيه و(إنا لله وإنا إليه راجعون).

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved