Sunday 27th January,200210713العددالأحد 13 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الحرب ضد الإرهاب وتداعياتها
ماذا يطبخ الأمريكيون للمنطقة..؟!!

* عمان الجزيرة شحادة العبادي:
ثمة سؤال كبير يدور الآن في اذهان السياسيين والمراقبين والمعنيين في منطقة الشرق الأوسط، حيال ما يجري الحديث عنه تلميحاً تارة، وهمساً تارة أخرى، من استراتيجية جديدة تعكف الدوائر الرسمية الأمريكية على نسخ خيوطها ازاء هذه المنطقة الحيوية من العالم. وهي استراتيجية بات واضحاً أن أمريكا الجديدة التي ولدت بعد احداث الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر / الماضي، «ان جاز التعبير» وجدت نفسها بحاجة ملحة لتحديد ملامحها ومن ثم الدخول عملياً في بنائها، على أساس قناعة مطلقة جديدة مضمونها أن لا مجال لأمن أو سلام أو استقرار في الشرق الأوسط، إلا بالقضاء التام على سائر الحركات والتنظيمات والفصائل التي كانت الادارة الأمريكية قد صنفتها رسمياً بعد الحادي عشر من ايلول، على أنها منظمات ارهابية.
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي لم تولد رسمياً بعد، تستند، بحسب مصادر المراقبين والمحللين إلى قاعدة المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وتقضي بالتالي إلى أن تكون مبنية على مراجعة شاملة للعلاقات التقليدية الأمريكية مع سائر دول المنطقة، وتثبيت بعض الحلفاء أو الأصدقاء التقليديين لأمريكا، والذين اثبتت احداث 11 سبتمبر، انهم حلفاء يوثق بهم، والبحث عن حلفاء جدد في الوقت ذاته.
مصادر المراقبين ترى أن المنهجية الأمريكية الراهنة ازاء الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، ومباركة واشنطن الضمنية لاجراءات الحكومة الاسرائيلية ضد السلطة الرسمية الفلسطينية التي كانت الادارة الأمريكية السابقة، ذهبت إلى أبعد حد في تعاملها الايجابي والمنفتح معها... تشير بوضوح إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية ليست بعيدة أبداً عن نفض يدها من أي تعامل مع هذه السلطة، ان لم يستثمر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الوقت المتاح له حالياً، لاثبات ما تريده واشنطن من نية حسنة، من خلال احكام قبضته على سائر الفصائل الفلسطينية، وكبح جماح عملياتها ضد اسرائيل، لا بل والدخول في مواجهة معها «ان اقتضى الأمر ذلك» وحلها وانهاء أي وجود عملي أو حتى نظري لها على الساحة، باعتبارها منظمات عنف وارهاب من وجهة النظر الأمريكية.
مصادر المراقبين ذاتها، ترى أن موضوع سفينة الأسلحة التي اعترضتها القوات الإسرائيلية في عرض البحر الأحمر وصادرتها مؤخراً، فتحت عيون الادارة الأمريكية، وفقاً للمعلومات الاستخباراتية ربما على ما يمكن وصفه بتعاون استراتيجي بين ايران والسلطة الفلسطينية، تمتد منافذه إلى حزب الله في لبنان، وحركة حماس الفلسطينية ذات الامتدادات شبه العلنية إلى بعض الحركات الإسلامية في دول عربية أخرى، وهو تعاون إذا ما كانت الادارة الأمريكية واثقة منه رسمياً وبناء على معلومات وليس مجرد تكهنات، لابد وأن يكون من بين أقوى الأسباب التي تقف وراء التوجه الأمريكي الجاد لبناء استراتيجية جديدة حيال الشرق الأوسط.
المصادر ذاتها تربط بين هذا الاستنتاج، وبين الاعلان المبكر من جانب ادارة الرئيس بوش، وعقب احداث الحادي عشر من ايلول مباشرة من ان الولايات المتحدة ستخوض حرباً طويلة الأمد ضد الارهاب والمنظمات الارهابية في جميع انحاءالعالم، هذا فضلاً عن الأموال الطائلة التي عملت ادارة الرئيس بوش على تخصيصها من أجل الحرب ضد الارهاب، لا بل وتطوير تقنيات حربية وأسلحة جديدة أعلن عنها الرئيس بوش نفسه للتو، وكذلك الشكوك الهامة من جانب الولايات المتحدة ازاء امكانية هروب بن لادن إلى ايران، ومطالبتها لايران بالتأكد من هذه المسألة وشكوكها غير المعلنة كذلك، حيال من يقف عملياً وراء العمليات الاستشهادية داخل اسرائيل ومدى رفض أو قبول السلطة الفلسطينية لها، أو حتى ارتباطها بها.
مصادر المحللين والمراقبين تذهب إلى القول إن الولايات المتحدة وبالذات الادارة الحالية التي أخذت على سابقتها انها «دللت» الجانب الفلسطيني كثيراً ابان فترة ولايتها، باتت على ما يبدو متيقنة تماماً من أن تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين بات يشكل ضرورة قصوى تقتضيها المصالح الاستراتيجية الأمريكية، إلا أن هذا السلام لا يمكن له أن يتحقق وفقا للقناعة الأمريكية ذاتها، إلا بعد تمهيد الارضية والبنى السياسية والعسكرية في المنطقة، وبصورة تجعل مولود السلام «ان جاز التعبير» يتشكل على طريقة «الحمل على نظاف» أي لابد من انهاء أي وجود فاعل لحركات المقاومة التي تصنفها واشنطن بالارهابية.
وعلى أساس من هذا الفهم، فان واشنطن لا تمانع مطلقاً من أحداث التغييرات والترتيبات التي تضمن أجواء مطلوبة كهذه، وستكون البداية على صعيد الجانب الفلسطيني الذي عليه أن يختار بحسب واشنطن، بين أمرين لا ثالث لهما، الأول، سلطة بقيادة عرفات قادرة على احكام سلطتها على سائر الخارطة السياسية والعسكرية الفلسطينية بداية، ومن ثم الدخول في مفاوضات تكفل لها قيام دولة ذات صبغة مدنية أو سلطة بقيادة أخرى غير قيادة عرفات، بامكانها تحقيق هذا الهدف الذي يبدو أنه بات شرطاً لا عودة عنه أمريكياً واسرائيلياً معاً.
هذا على الصعيد الفلسطيني المباشر، أما على الصعيد غير المباشر والمرتبط بشكل أو بآخر بمخرجات الصراع في منطقة الشرق الأوسط، فكان الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، لابد وان تأخذ في الحسبان المهم، وفقاً للمراقبين والمهتمين، أربعة محاور متشابكة أخرى هي، لبنان، سورية، العراق، وايران، وهي محاور قد تتقارب بينها المصالح تارة وتتباعد تارة أخرى، خاصة بالنسبة لايران التي ترى الولايات المتحدة أن لها اهدفاً استراتيجية أبعد من مجرد تقديم الدعم للفلسطينيين أو لحزب الله أو لسورية.المراقبون يجمعون على أن هذه المعادلة غاية في التعقيد بحيث تضطر الادارة الأمريكية الى اعادة قراءة المعلومات والقرائن والأدلة، بصورة تجعل المشهد واضحاً تماماً أمامها، لتقرر في أي اتجاه تسير من حيث بناء تحالف ايجابي يخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية، أو بناء حالة من العداء والدخول في مواجهة عسكرية تخدم المصالح الأمريكية ذاتها.
ويرى المراقبون كذلك، ان دول المنطقة العربية المعنية، تعي هذه الحقائق الجديدة، ومن هنا فان النابهين وحدهم، ممن اكتسبوا الخبرات من دروس الماضي، والذين لا ينخدعون أبداً بامكانية وقوف أية قوة اقليمية أخرى في وجه المارد الأمريكي «الجديد» هم وحدهم الذين سيكون بمقدورهم تجنيب دولهم وشعوبهم أية مخاطر قد تترتب أو هي ستترتب على ما هو قادم في وقت غير بعيد.
ويشدد المراقبون على أن «أمريكا الجديدة» مصممة تماماً على انهاء تاريخي لكل بؤر النزاع والتوتر في المناطق الحيوية من العالم، وبالذات الشرق الأوسط وشرق آسيا، ولن يضيرها في سبيل هذا الهدف الاستراتيجي العميق ان تضرب حيث يلزم، وان تتصرف كذلك بما لا يكون في حسبان الكثيرين.
ويخلص المراقبون إلى ان موازين الأمور أخذت منحى آخر بعد آخر زيارة للمبعوثين الأمريكيين للتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكشف موضوع سفينة الأسلحة، وظهور ايران كطرف فيها بعد أن كانت الادارة الأمريكية قبل الحادي عشر من ايلول الماضي اعدت فعلياً مبادرة رسمية تطرحها كحل امريكي للنزاع الشرق أوسطي، الا أن تفجر زلزال الحادي عشر من ايلول الغى مفاهيم امريكية كانت سائدة، وأوجد بدلاً منها مفاهيم غاية في الاختلاف. وهي مفاهيم تتمحور بالضرورة حول الرؤى السياسية السائدة في الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وشرق آسيا بالذات، نفاذاً إلى دول أخرى، مما يعزز المقولة الأمريكية الجديدة، والتي وردت غير مرة على لسان أكثر من مسؤول أمريكي من «ان العالم يولد من جديد» وهي مقولة يبدو أن الولايات المتحدة، تعد لها عدة هائلة قد لا تخطر على بال الكثيرين في هذا العالم، بحيث تكون النتيجة سلاماً عالمياً يصنع ولو بالقوة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved