Sunday 27th January,200210713العددالأحد 13 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تقنيات الدعوة ووزارة الشؤون الإسلامية!
إبراهيم بن عبدالله السماري

الدعوة بالنسبة للمسلم ضرورة حاضرة في كل وقت وعصر، فلا يصح أن تغيب شمسها من ذهنه في أي ظرف لأن المادة التي تستقي منها هي تعاليم الإسلام التي تراعي كل مكان وزمان وتستجيب لتطلعات الإنسان بيسرها وشمولها.
وفي عصرنا الحاضر عصر التقنيات أصبح من الضرورات الملحة البحث في تخصص تقنيات الدعوة في ضوء المعطيات العلمية لهذا المجال المهم من مجالات الحياة المعاصرة.. وحين نتحدث عن تقنيات الدعوة فإن أول ما يقفز إلى الذهن هو كيفية الاستفادة من تقنيات الإعلام، ذلك ان العلاقة بين الدعوة والإعلام علاقة وثيقة جداً إلى درجة قد تصل إلى حد التشابك كثيراً!!.
في مبتدأ القول أشير إلى ان الشؤون الإسلامية في بلادنا ذات حضور قوي نظرا لخصوصيتها الدينية مكانا وتاريخا وأشخاصا.. ولذا برغم انه توجد وزارة مستقلة للشؤون الإسلامية إلا انها ليست المسؤولة عن جميع الشؤون الإسلامية في بلادنا فهناك البحوث العلمية والافتاء وهيئة كبار العلماء من أهم عناصر الشؤون الإسلامية وليست وزارة الشؤون الإسلامية مسؤولة عنها لوجود رئاسة إدارات البحوث العلمية والافتاء التي تتبعها هيئة كبار العلماء وترتبط الرئاسة برئيس مجلس الوزراء مباشرة.
وهناك القضاء والمحاكم والبت في القضايا بموجب الأحكام الشرعية من أهم الشؤون الإسلامية وليست وزارة الشؤون الإسلامية مسؤولة عنها، لأنها مسؤولية وزارة العدل وهي وزارة ممثلة في مجلس الوزراء.
وهناك التعليم الديني المتخصص هو من الشؤون الإسلامية وليست وزارة الشؤون الإسلامية مسؤولة عنه، لأن هذا التعليم المتخصص مسؤولية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التابعة لوزارة التعليم العالي.
وهناك خدمة الحرمين الشريفين من أهم الشؤون الإسلامية وليست وزارة الشؤون الإسلامية مسؤولة عنها، إذ تختص بها رئاسة الحرم المكي والحرم النبوي المرتبطة برئيس مجلس الوزراء مباشرة.
وهناك الإشراف على الحج من أهم الشؤون الإسلامية وليست وزارة الشؤون الإسلامية مسؤولة عنه، إذ يتبع وزارة مستقلة هي وزارة الحج، وهناك لجنة عليا للحج لا تتبع وزارة الشؤون الإسلامية كما ان مشروعات المشاعر المقدسة تتبع لجنة مستقلة برئاسة سمو وزير الأشغال العامة. وهناك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الشؤون الإسلامية وليست وزارة الشؤون الإسلامية مسؤولة عنه، لأن هذه المسؤولية منوطة برئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المرتبطة برئيس مجلس الوزراء مباشرة. وقد يتبادر إلى الذهن سؤال عن السبب في عدم قدرة وزارة واحدة على رعاية الشؤون الإسلامية كلها في بلادنا؟ والجواب ان هذا ممكن في البلاد العربية والإسلامية الأخرى ففيها يمكن لوزارة واحدة ان تضطلع بالشؤون الإسلامية كلها لأنها محدودة في نطاق محدود، أما في هذه البلاد فيستحيل ان تقوم وزارة واحدة بالشؤون الإسلامية كلها والسبب يعود إلى أمور ثلاثة مهمة جداً.
أولها: الخصوصية الدينية لهذه البلاد، ولوجود الأماكن المقدسة فيها ولا سيما الحرمان الشريفان وما يتبع ذلك من مسؤوليات جسيمة تجاه العالم الإسلامي كله.
وثانيها: قيام الدولة السعودية ذاتها على أساس ديني، يضاف إلى ذلك ما حباها الله به من الأمن ووفرة الخيرات، مما رتب عليها مسؤوليات أكبر وأكثر تجاه الالتزام بالأساس الديني ورعاية شؤون اخوانها المسلمين.
وثالثها: ما يتميز به المجتمع السعودي في العموم من فطرته الدينية الصافية.
وبرغم ذلك فإن على وزارة الشؤون الإسلامية مسؤولية عظيمة لأن هذه البلاد وقيادتها تنهض بمسؤولية مضاعفة تجاه المسلمين بحكم انها محط تطلعات كل مسلم وآماله.. والدولة وفقها الله حريصة كل الحرص على الوفاء بهذه التطلعات والآمال انطلاقاً من عقيدة راسخة الجذور بواجبها الديني وهدفها الدعوي النبيل.
وانطلاقاً من ترحيب وزارة الشؤون الإسلامية بالمشاركة الهادفة للإسهام في بيان المسالك النافعة والتصورات المفيدة مما هو داخل في دائرة اختصاصها تعاونا على البر والتقوى، ومساعدة لها على اختصار الوقت والجهد للوصول إلى الهدف النبيل والغاية الشريفة والمصلحة العامة التي أنشئت الوزارة من أجلها.
من هذا المنطلق فإن الرسالة التي أوجهها اليوم لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لا تخرج عن هذا النطاق، فهي تتحرى تحصيل النفع وتنوير السبل تعاونا على تحقيق المصلحة العامة.
رسالتي تدور حول محور الإعلام الدعوي فالإعلام اليوم سلاح خطير ومؤثر بليغ في النفوس والقلوب والعقول، ولذا فواجب الوزارة في هذا المجال مثقل بالأعباء والمطالب. وفي هذا المجال فإن الذي ظهر لي ان البرامج الدينية في الإذاعة والتلفاز صوت مبحوح، وتأثيرها وأثرها ضعيف جداً، إذ كيف لمبحوح الصوت ان يكون مبلِّغاً لجمع غفير؟! وبُحَّةُ الصوت هذه أصيبت بها تلك البرامج من ذاتها نتيجة ضعف أو تكاسل معدي ومقدمي هذه البرامج، والقيام بها على انها تكليف أو واجب يجب القيام به بأية طريقة، ولذا تجدها تسير بنمط واحد بعيد عن الحيوية وعن التشويق وعن الجاذبية وغير ذلك من عناصر النجاح الإعلامي وأجنحة تفوقه التي من فقدها فَقَدَ حظاً كبيراً من حظوظ التأثير الإعلامي، وبالتالي فإن المتلقي يعرض عن ذلك البرنامج، وربما وهنا مكمن الخطر عن البرامج الدينية كلها ظنا منه ان هذا هو منهجها.وضعف البرامج الدينية جعل بث غالبها يتم في الأوقات التي يمكن وصفها بأنها «الأوقات الميتة» أي تلك التي لا تحظى بمتابعة غالب الناس، ثم قد يسأل سائل ومعه كل الحق: ما سر التركيز في البرامج الدينية عن طريق التلفاز أو الإذاعة على الحوار أو الإلقاء المباشر؟ ألأنه الأسهل إعداداً؟ وهل تصعب عملية إعداد التمثيليات أو المسلسلات الدينية المشوقة والمنوعة والجذابة؟ وهل تصعب عملية إعداد برامج المسابقات الدينية المشوقة والمنوعة والجذابة؟ أذكر ان المعهد العلمي بالرياض التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كان يقدم مثل هذه البرامج والتمثيليات في ناديه الشهري، وكان هذا النادي يحظى بحضور كثيف يملأ القاعة الكبرى بكلية الشريعة من المشاهدين والمتابعين، كما ان قوة ما يقدمه من تمثيليات هادفة ومسرحيات شجعت بعض مخرجي التلفزيون على اخراجها وأذكر منهم المخرج التلفزيوني الدكتور الثنيان.
وكان هذا النادي يجري مقابلات مع كبار المسؤولين وأذكر من ضيوف هذا النادي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية بالإضافة إلى عدد من أصحاب المعالي الوزراء وكبار المسؤولين، فلماذا لا يستفاد من الطاقات الموجودة في مثل هذه المنتديات الفكرية والتعليمية وهي كثيرة في مدارس التعليم العام وفي الكليات المختلفة عند إعداد وتقديم البرامج الدينية المشوقة، الهادفة؟ إن المأمول ان يكون لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد حضور إعلامي قوي وفاعل من خلال البرامج الدينية في الإذاعة والتلفاز، بحكم اختصاصها بموضوع هذه البرامج وهو الدعوة والإرشاد، وضرورة إشرافها على ما يقدم فيها، تماما كما تشرف وزارة الداخلية على برامج الأمن والسلامة، وكما تشرف وزارة المعارف على البرامج التعليمية،
وكما تشرف وزارة الزراعة على البرامج الزراعية. وهذا معمول به في التلفزيون فلماذا تتقاعس وزارة الشؤون الإسلامية عن الإشراف على البرامج الدينية؟
ووزارة الإعلام من الجهات المتعاونة بدليل تنوع البرامج التعليمية بعد إثبات نجاحها، والمؤكد انها على استعداد لفتح الأبواب مشرعة أمام وزارة الشؤون الإسلامية إذا طلبت الإشراف على البرامج الدينية من أجل تنشيطها واعطائها حظها من العناية التي تستحقها وحين نجاحها سوف نجد البرامج الدينية تبث فيما يسمى «أوقات الذروة» لأن التلفزيون يبحث عن رضا المشاهد والإذاعة تبحث عن رضا المستمع بالدرجة الأولى.
والدعوة في بلادنا الحبيبة في كل صورها ليست محجوزة في دائرة البرامج الدينية والصفحات الدينية فحسب، وإنما هي منثورة في كل مواد الوسائل الإعلامية المختلفة، وإنما تلك البرامج الدينية والصفحات الإسلامية من باب التخصيص للأهمية، كما تخصص صفحات أو برامج للزراعة، وأخرى للطب، وثالثة للتعليم وهكذا، وهذا لا يمنع من المطالبة بالارتقاء بهذه البرامج والصفحات وانتقاء الأوقات الملائمة لها، لأن هذا لا يناقض ذاك.
والمأمول أكثر ألا تتكرر تجربة وزارة الشؤون الإسلامية في الصحافة المحلية من خلال الصفحات الإسلامية التي تشرف عليها، لأن هذه الصفحات للأسف الشديد ليست في المستوى المأمول حيث تتكرر الأسماء والموضوعات، مع اكثارها من الثناء على كبار مسؤولي الوزارة مما يفقدها الحيادية المطلوبة. ولعله من الضروري لتجنب هذا الخلل ان يتم التخطيط وفق أسس علمية عن طريق الاستعانة بأساتذة الجامعات المتخصصين ولا سيما المبرزون منهم كي تعطى هذه البرامج حقها من التطوير إلى الأحسن باستقلال تام عن الروتين الرسمي وبروتوكلاته المحنطة.
كما أرى ان تمد وزارة الشؤون الإسلامية رسالة الدعوة والتثقيف والتوعية إلى الطلاب والطالبات في مدارسهم ومدارسهن بواسطة المتخصصين والمتخصصات، خصوصاً الاستفادة من خريجي وخريجات أقسام الدعوة والاحتساب في عملية التوعية، والاستفادة من دوائر التلفاز المغلقة في الأماكن التي توجد فيها مثل هذه الدوائر لإقامة محاضرات دعوية خارج وقت الدوام الرسمي تدعى لها عامة النساء من غير منسوبات التعليم كي تعم الفائدة أكبر قطاع من الناس.وعمادات خدمة المجتمع في جامعاتنا ستكون رداء قوياً وعاملاً مساعداً للوزارة، فهل نسمع عن خطوات عملية في هذا المجال؟.. نأمل ذلك.. وبالله التوفيق.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved