Sunday 27th January,200210713العددالأحد 13 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو
اتفاق الإخفاق! (1 - 2)
د.فارس محمد الغزي

غالباً ما يتفق العرب على ما يختلف فيه على وجه السلب الغربيون، وذلك على النقيض من الغربيين الذين نادراً ما يتفقون أو يختلفون على شيء اختلف فيه أو اتفق عليه العرب.. وثمة على هذه الحقيقة المؤسفة من الشهود والأدلة والأمثلة ما لا تتسع له ثنايا صحف الدنيا وصحائفها، ولهذا السبب فسوف اكتفي هنا بجزئية من كليات لأسألك السؤال التالي:
بافتراض انك أردت للضرورة ان تجرب «الطب الشعبي» فَذُكِر لك ان أمريكيا يقطن في الصحراء ويجيد «الكي!»..، فهل يا ترى سوف تذهب إليه، وتحصل على كم «مطرقة..؟!».. بل دعنا نعكس «الخيال» بالقول: هل تعتقد ان أي غربي سوف يُقْدم على «الكي».. أو يلتهم «الحبة السوداء!» بدون تمحيص أو تساؤل، ودون ان يُعرِّضَها إلى تجربة معملية لاستكناه حقيقتها؟
سوف أتوقع الاجابة بالنفي، حيث له كل العذر في ذلك، فالمرء نتاج لبيئته الثقافية، فهذا الفرد لم يعتد ما اعتدته أنت من حيث إنه لم يترب تربيتك، عليه فما الذي يجعلنا نُطبِّق نتاج وإنتاج ثقافة هذا الفرد الغربي «نفسيا» بكل رحابة صدر «تضيق» الصدر فتمرض النفس والجسد؟ كيف لنا ان نعالج مريضا بما لا يناسب مرضه؟.. أم انه الاستيراد الأعمى.. إنه هو.. إنه ذلك.. لا شيء غير ذلك!
فبدهي القول ان لكل مجال علمي مجاله، وان التخصصات العلمية لها ما يميزها عن بعضها الآخر نظريا ومنهجيا، فلعلم الاجتماع في النظرية والمنهج على سبيل المثال ما يجعله مختلفا عن علم النفس، ولعلم النفس من ذلك ما يفرقه عن «الطب النفسي»، وهكذا «دواليك!» في الاختلاف والتباين، بل ان الأمر يتجاوز مسألة الاختلاف بين التخصصات إلى الاختلاف داخل أطر وحدود التخصص الواحد، فلكل علم من العلوم من ضمنها المذكورة آنفاً مدارس مختلفة ومتباينة بل ومتصارعة.
غير اننا كما ذكرت سابقا لا نفتأ نثبت اننا نختلف عن الغربيين من خلال استيراد والتهام ما يختلفون عليه دون مراعاة لتبعات ذلك. فالعلوم ذات الصلة بالنفس والمجتمع مثلها مثل أي تخصص آخر، وليكن تخصص الأدب، حيث ان جزئية منه، كالشعر أو النقد، لها من المدارس والمناهج ما لا يقدر على احصائها سوى المطلع والملم بتفاصيلها، فثمة في ميادين الشعر والنقد مثلهما مثل غيرهما مدارس متباينة ومتصارعة في الغالب كالبنيوية والبنائية والبنائية السيكولوجية، والشكلانية والحداثية وما قبل وما بعد الحداثية، والعضوية والوضعية والوجودية.. إلخ، ورغم ذلك فالشعر يبدو لمن لا يعرف واقعه هو الشعر، والنقد كذلك هو النقد، غير ان الحقيقة ليست كذلك، حيث تجد من ينتقد مستورد المناهج النقدية الغربية، ولا تضيره في الوقت نفسه ظاهرة الاستيراد الأعمى لمناهج العلاج النفسية الغربية هي الأخرى، مع ان الحقيقة تقول ان الاستيراد الأخير هذا هو الأكثر خطورة، خصوصا حينما نتجاهل حقيقة ان ثمة «اختلافات» علماء، وتباين نظريات، وتناقض مناهج، حتى في «كرة القدم»، حيث ان لها وليغفر لي الاخوة الرياضيون تطفلي هذا مدارس متباينة، فهذه برازيلية، وهذه انجليزية وأخرى هلالية، ونحو ذلك!
والمؤسف حقا ان هذه هي الحال في كافة المجالات والميادين العلمية، حتى في الطب البشري، ولا سيما في قطاع التحليل النفسي، ويكفينا جرأة الغربيين على البراءة من أغلب أفكار «فرويد»، بل يكفينا حقيقة انه رغم موته منذ زمن ليس بالقصير، فلا تزال أفكار العالم النفسي الفرنسي «المجنون!» والشهير كذلك «جاك لاكان» يطالها الكثير من التفنيد بل والهجوم العلمي.
أما نحن فسباقون إلى الاتفاق على ما يختلف عليه الغربيون، دون مراعاة لأدنى حيثيات وأطر وظروف وطبيعة هذه الاختلافات العلمية، فكل المدارس العلمية لديهم في التخصص الواحد هي «مدرسة واحدة» لدينا، بغثها وسمينها ومتقادمها وجديدها ومستجدها، بمعنى آخر «على عماها وربك كريم..!». يتبع

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved