Sunday 27th January,200210713العددالأحد 13 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رسوم (بلدية).. وهموم (قروية)..؟!
حماد بن حامد السالمي

من كلام للإمام الشافعي رحمه الله:
(رأيي صواب يحتمل الخطأ. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
رسوم.. أم (لا رسوم) يا معالي الوزير..؟!
قرأت تصريحاً لوزير البلديات، الدكتور محمد بن ابراهيم الجار الله، منشوراً في صحيفة (الاقتصادية)، عدد يوم الخميس الموافق لليوم السابع عشر من شهر يناير 2002م، جاء تحت عنوان :(الجار الله، لا رسوم جديدة على الخدمات).
أما النص الذي قدمته الصحيفة تحت هذا العنوان، فكان على النحو التالي: (.. وعن مقترح فرض رسوم متدنية على المواطنين، مقابل الخدمات المقدمة لهم، اشار الوزير، إلى أن لائحة الرسوم، حددت وصدرت في مجلس الوزراء، وما زالت تنفذ الآن بوضعها الجديد).. انتهى.
اقول وبالله التوفيق، بأنه اذا كان الأمر مثلما جاء في عنوان الخبر اعلاه : (لا رسوم جديدة على الخدمات) مع أن كلام الوزير لا يفيد هذا قطعاً وأن وزير البلديات، قصد هذا النفي في عنوان الخبر، أي نفي فرض رسوم جديدة على المواطنين، من خلال خدمات تقدم لهم من البلديات، وذلك نزولاً عند نصوص لائحة الرسوم الصادرة عن مجلس الوزراء، اقول: بأن هذا الأمر، هو خلاف الواقع الذي نلمسه، على الاقل من طرف جهة تمثل وزارة البلديات، وهي (بلدية محافظة الطائف) تحديداً. فإدارتها الجديدة، بادرت منذ أكثر من عام، إلى ما يشبه (تنفيع) المكاتب الهندسية، على حساب المواطنين..! تلك التي يحلو لبعض المتضررين من (رسومها) عليهم، نسبتها إلى (متنفذين)، هم اصحابها كما يقولون، وعلى المتضررين من هذه الرسوم الصمت..!
لا أدري هنا، هل معالي الوزير يدري بهذا أم لا..؟ وإذا كان يدري به، فماذا يسميه على ضوء تصريحه أعلاه..؟! واذا كانت هذه في واقعها، رسوماً (جديدة غير نظامية)، قامت على اجتهاد بلدية واحدة في المملكة، فماذا يقول معاليه اذن، في شكاوى المتضررين من هذا (الاجتهاد) غير النظامي؟ وما هو موقفه منه؟ وما هو جزاء من يتسبب، في ابتزاز اموال الآخرين بدون وجه حق؟!!
اقول هذا، وقد درست ملفاً كاملاً، قدمه لي بعض المتضررين، يشتمل على استمارات (رسمية)، مطبوعة من قبل بلدية الطائف، وهذه الاستمارات، تمثل قائمة عريضة من خدمات الترخيص التي تتولاها عادة البلديات، وتتقاضى مقابلها رسوماً معروفة من مثل: (طلب ترخيص تجديد ترخيص نقل ملكية تغيير نشاط تغيير موقع نشاط الغاء ترخيص..) إلى غير ذلك. لكن الجديد في هذه الخدمات، انها محالة اليوم إلى: (مكاتب هندسية اهلية)، تقوم بما كانت تقوم به الادارة الهندسية ومسَّاحوها، الذين اصبحوا يقبعون على مكاتبهم بعد هذا الاجراء..! ألا ما أحلى الجلوس على الكراسي..!
هذا الاجراء الفريد، الذي لم أسمع أنه مماً تأخذ به امانة أو بلدية في المملكة غير بلدية الطائف وهذا أحد أهم ادلة عدم شرعيته اضاف رسماً جديداً على ما يدفعه المواطنون في الطائف، الى صندوق بلديتهم الموقرة، فهم بهذا الاجراء، اصبحوا يدفعون ثلاثة رسوم لا رسماً واحداً.
الرسم الاول: هو مبلغ (50 ريالاً)، يدفع فوراً ليد (مصوراتي) خاص، يأخذ (صورة فوتغرافية)، لواجهة المكان المراد ترخيصه. وهذه بدعة لطيفة..!
الرسم الثاني: هو مايدفع من قبل طالبي التراخيص، إلى صناديق المكاتب الهندسية الاهلية..! بل إن هذه المكاتب، هي التي تستوفي حقوقها قبل البلدية..!
الرسم الثالث: هو الرسم المعتاد لصندوق البلدية مقابل تراخيص تمنح من قبلها.. وهذا أمر معروف من قبل.
فما هو ذنب ابناء الطائف..؟ ما هذا التمييز في المعاملة يا ترى..؟! ان الرسوم التي تستوفيها البلديات كثيرة، وقد يغالى في اقيامها احيانا، فكل ما هو أمام الأعين في المدن والقرى، له رسم يذهب الى البلديات، (انشطة تجارية مباني0 لوحات مباسط حفر دفن ترميم تجديد.. وحتى الديكورات داخل المحلات لها رسم، والمباسط في رمضان والعيد، لها رسوم بالآلاف، رغم أنها منحة من الدولة.). ونحن لا نعترض ما دام هذا يتم وفق اللوائح المنظمة، وان هذه البلديات التي تجتهد في (ترسيم) الناس وتغريمهم، عند كل صغيرة وكبيرة، تجتهد في توفير ما هو افضل لهم من الخدمات، فليس من العدل أن ادفع رسماً سنوياً لمحل تجاري، على شارع ترابي غير مضاء وغير نظيف، ومثل ذلك من يدفع رسوماً دورية لسيارة تسير على شوارع غير جيدة.
هذه فحوى شكاوى عدد من الذين تضرروا من رسوم اضافية فرضتها بلدية الطائف عليهم، فهي رسوم لا نعلم لها أي مسوغ نظامي، لان الدولة سنت من الانظمة واللوائح، ما هو صريح واضح، وكفيل بحماية حقوقها، وحفظ حقوق مواطنيها ايضاً، فلا مجال بعد ذلك لمجتهد مع النص.
ومن شكاوى البعض الاخر، ارهاق العاملين في القطاع الخاص، بما ترى ادارة البلدية، انها (غرامات لتنمية موارد البلدية).. فهي تتم على صور منها: مصادرة البضائع بشكل عشوائي، دون جرد موافق عليه من قبل اصحابها..! هذا اولاً. ثم ثانياً: تغريم صاحب البضاعة المصادرة مالياً، على ما يحسب عليه من مخالفة. ثم ثالثاً: التصرف في البضائع المصادرة بالمزاد العلني، وتوريد الاقيام الى صندوق البلدية.
بودي أن أسأل معالي وزير البلديات: هل في انظمة البلديات، ما يجيز هذه التصرفات، بهذا الشكل الذي أقل ما يقال عنه، انه هضم لحقوق الآخرين..؟ اذا كان الأمر كذلك، فهل ترى أن المواطن المستثمر يستحق هذه العقوبة الثلاثية: (مصادرة تغريم تغييب حق)..؟ واذا لم يوجد ما يجيز هذا، فما جزاء البلديات التي تتصرف بهذا الشكل..؟
وهذه (هموم) من القرى..؟!
كتب الى الاستاذ عبدالله المالكي من جنوبي الطائف، رسالة يعرض فيها لقضية بلدية، ولكنها من الشق الثاني للبلديات، أعني (القروية).
ان فحوى الامر، فيما ذهب إليه الاستاذ المالكي، ان مكاتب البلدية في قرى جنوبي الطائف، لا عمل لها سوى ملاحقة المواطنين، والتشدد في تراخيص البناء، ومقابلة المخالفين بالهدم، او التوقيف، او السجن، او التغريم، ويتساءل الاخ المالكي قائلا:
كيف تطلب البلدية تراخيص من ابناء القرى، وهي لم تخطط الاراضي..؟
وهي لم تشق الشوارع والطرق بما يكفي، ولم تزفتها، ولم ترصفها، ولم تضئها بالكهرباء.؟
وهي لم تشمل كل القرى بالنظافة، او الخدمات الصحية والبيئية، رغم وجود فروع لها.. الى آخر ما اورد من ملاحظات مهمة.
أقول هنا: بأني في مرات كثيرة، تكلمت على ظاهرة الهجرة من القرى إلى المدن بشكل ملفت، وأوردت من الاسباب، ما هو (في ظني المتواضع)، واقع وخطير، مثل ندرة مياه الشرب، وعدم توفير ما يكفي من المؤسسات التعليمية والعلمية خلاف التعليم العام، وما يكفي من الخدمات البلدية والصحية والرياضية والترفيهية، وشيوع الامراض الزراعية والحيوانية وغيرها، لكني اليوم، وبعد ان هيئ لي زيارة كافة قرى وهجر محافظة الطائف، والوقوف على حياة الناس فيها، وما رأيت امامي (بأم عيني)، من قرى مهجورة، ومدارس مقفلة، ومزارع يباس، استطيع ان اضيف سبباً رئيساً الى اسباب هذه الهجرة الخطيرة، هو التنغيص الواقع على سكان القرى، من قبل اجهزة مثل البلدية، حيث لا مراعاة على ما يبدو لخصوصية القرى والارياف، ولا فهم صحيح، للاساليب القديمة في التملك والبنيان.
ان التملك والبناء في القرى، خاصة حول الطائف، يشكل اليوم هماً كبيراً لدى كافة الناس، حتى الجهات المختصة، ومنها البلدية، اعرف انها جميعها تعاني من هذه الوضعية الشائكة، ولكن.. دون التعمق في جذور المشكلة، والبحث عن حلول تريح المسؤولين، وتحقق للناس طموحاتهم وآمالهم، التي لا تتجاوز، الرغبة في تعمير ديارهم، وبناء دورهم، والعيش فيها بسلام، دون تدخل من احد.
ان لهذه المشكلة (القروية)، جذوراً تمتد إلى مئات السنين، فمعظم الحيازات حول الطائف، غير محدد أو معرف بصكوك ملكية، ولكن كثيراً من الناس منذ القدم، متهادنين فيما بينهم، ومتوافقين على حيازات خاصة بهم، من بلاد زراعية، أو دور سكنية، أو حجر رعوية.. أو غيرها. ولان من الشروط التنظيمية للبناء الجديد، أو حتى تجديد القديم، أو ترميم ما خرب وتهدم منه، توفر المالك على صكوك ملكية، ومن ثم تراخيص بلدية، فاذا تعذر ذلك، تتشدد البلدية، ويكثر (الملغوصون)، وينشط الكيديون، ويصبح كثير من الناس، عاجزاً عن التصرف حتى في داره، وفي مزرعته الخاصة، التي ورثها عن ابيه عن جده عمن قبله..! فهو بين امرين احلاهما مر، اما ان يسلك الطرق الملتوية، او يزهد في داره وقريته واملاكه، ويبحث عن بيت شعبي، في حي عشوائي، بطرف المدينة..! وكثير من الناس،، يختار (المر) الثاني.
حدثني اكثر من واحد، عن اضطراره الى الهجرة، والسكن على اطراف المدن مكرهاً، بعيداً عن قريته التي ولد وتربى فيها، وعن داره ومزرعته وصحبته القديمة، لان البلدية، تقف حجر عثرة امامه، فهو لا يستطيع وضع حجر على آخر، في ارض هي ملك له...!
وهناك في (الهدا)، على سبيل المثال، من زوج ابناءه، فلم يجد لهم مكاناً للسكن، الا بعيداً عنه.. في الطائف في شقق مستأجرة، لانه حاول ان يتوسع في داره، او يبني لهم بجواره، فلم تتركه البلدية يفعل ذلك..!
ماذا تريد (البلدية) من (القروية)..؟
بمعنى آخر: ماذا تعني (القروية) ، في مسمى (وزارة الشؤون البلدية والقروية)..؟
اذا كانت تعني (حسب فهمي المتواضع)، توفير الخدمة البلدية المعروفة لهذه القرى، والعمل على تنميتها بكل الوسائل المدنية المتوجبة لهؤلاء المواطنين فيها، لان قرية اليوم هي مدينة الغد.. فإني اسأل معالي وزير البلديات: ماذا قدمت (البلدية) ل(القروية) اذن، طيلة هذه السنوات الطوال التي مضت..؟
اذا كان دور البلديات فيما يختص بالقرى، هو مثلما يرى سكانها مراقبة التجاوزات في البناء، والتشدد في تحصيل الرسوم والغرامات، والحد من تصرف الناس فيما هو تحت ايديهم من عقارات، بقوة النظام.. اذا كان هذا هو فقط، فقد احسنت بلدياتكم واجادت يا معالي الوزير..!
وعليها في الوقت نفسه، ان تستعد لملايين الناس، من القرويين المهاجرين الى المدن.. ونحن نرى كيف تحولت اطراف المدن اليوم، الى صنادق وعشش، واحياء شعبية عشوائية، نتيجة التعديات التي يضطر لها القادمون من القرى، وهم خلو من كل شيء، الا من الرغبة في سقوف آمنة تحميهم وأطفالهم. وهذه ظاهرة معروفة غير خافية.
اما اذا كانت هناك رسالة (عملية)، ارادتها الدولة، من ربط (القروية) ب(البلدية) في هذه الوزارة، فهي لن تكون بحال من الاحوال، اقل من تقديم خدمات بلدية حقيقية لهذه القرى، وفق خطة جلية واضحة، توفر النمو الطبيعي لهذه القرى، حتى تسير في اتجاه النمو نحو المدن مستقبلاً، دون الحاق الضرر بسكانها، او دفعهم الى النزوح والهجرة مرغمين، ومن ثم، إرباك الخطط التنموية والخدمية للمدن.
أنا لا أقول بأن يترك الحبل على الغارب، ولكن.. خططوا القرى، وملكوها لأهلها، بوثائق تحقق مطالبكم في العمل على التنظيم، وتقديم ما يحتاجون إليه من خدمات بلدية هي من حقهم. ثم اتركوهم وشأنهم.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved