Friday 25th January,200210711العددالجمعة 11 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

آداب المرأة المسلمة
د. محمد بن سعد الشويعر

علاوة ما جاء في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، من حثّ للمرأة المسلمة بأن تتأدب به، من الآداب الحسنة، وأن تتخلّق به من صفات حميدة، فإن كثيراً من علماء الاسلام، قد ألّفوا كتباً، تتعرض لسير النساء: سيرهن ومناقبهن الحسنة، وما يجب أن يأخذن به من خلق حسن، هو زينة المرأة، وجمالها، حتى لا تتعرض المرأة للعقاب، الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة روايات، بأنهن اكثر أهل النار، وأنهن أقل أهل الجنة.
ومن ذلك: ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة: «إنكن أكثر أهل النار» قلن: «ولم ذاك يا رسول الله؟». قال: «لأنكنّ إذا ابتليتنّ لم تصبرن، وإذا أعطيتنّ لم تشكرن، وإذا أؤتمنتنّ أفشيتنّ».
وأنه صلى الله عليه وسلم قال: «اكثرن من الصدقة، فإنكنّ أهل النار». فقالت إحداهن: «ولم يا رسول الله؟» قال: «إنكنّ أنكر الناس لنعمة، وإنى لم أر ناقصات عقل ودين، وأصرف لقلوب الرجال، ذوي الأحلام منكنّ، فاتّقين الله، فاتقين الله». فقال رجل: وما بهنّ من النقص يا رسول الله؟. قال: يحضن ولا يصلين، وشهادة اثنتين منهن كشهادة الرجل الواحد». قال الرجل: وما بهنّ من الكفر للنعمة يا رسول الله؟ . قال: «يتزوّج الرجل إحداهن، ولم تملك شيئاً، فيحسن إليها حتى يطعمها ويلبسها، فإن كان بينهما تحاور قالت: «ما رأيت منك خيراً قطّ، ولذلك هنّ حطب السّعير، وعسى أن تكون قد ولدت منه أولاداً».
وقد كان حرص علماء على التأليف في شؤون النساء، وحقوق الزوجة على زوجها، والزوج على زوجته، من حرصهم على تطهير نصف المجتمع الإسلامي، وهن النساء، حتى يتأدبن بآداب هذا الدين، وحتى يفزن بالحياة السعيدة، في كنف الزوج وتربية الأولاد، وفي الأخرى بالجزاء الأوفى، وذلك يسير على من يسّره الله عليهن، من النساء العاملات، والمهتمات بآداب الاسلام تستراً واحتشاماً، مع التطبيق العمليّ لتلك الآداب..
وكان ممن الف: ابن الجوزي في كتابه أحكام النساء، وعبدالله بن حبيب في كتابه أدب النساء، ومن المتأخرين الألباني في كتابه آداب الزفاف، ومحمود الأستنبولي في كتابه تحفة العروس، وقد حرص عمر رضا كحالة في كتابه: أعلام النساء، المكون من خمسة أجزاء، أن يشير إلى بعض الكتب التي استقى منها معلوماته عن النساء الواردة في كتابه هذا..
ويروى عن داود عليه السلام أنه كان يدعو ربّه بهذا الدعاء: «اللهم لا تجعل أهلي أهل سوء فأكون رجل سوء» ولذا نرى لقمان الحكيم فيما يروى عنه أنه قال: «يا بنيّ أول ما تتخذه في الدنيا امرأة صالحة، وصاحب صالح، تستريح إلى المرأة الصالحة إذا دخلت، وتستريح إلى الصاحب الصالح إذا خرجت إليه، واعلم أنك يوم تكسب واحداً منهما فقد كسبت حسنة واتق المرأة السوء، والصاحب السوء، لا تستريح إليها إذا دخلت عليها، ولا تستريح إلى الصاحب السوء إذا خرجت إليه، واعلم أنك يوم تكسب واحداً منهما، فقد كسبت سيئة».
والمرأة لا تكون صالحة، إلاّ بتخلّقها بخصال الإسلام، التي تأدب بها نساء الصحابة، ثم من بعدهم، فهما وتطبيقاً، إذ في سورة الممتحنة آداب، كانت تعطى للمرأة المسلمة، عند دخولها الإسلام يقول سبحان ه: {يّا أّيٍَهّا النَّبٌيٍَ إذّا جّاءّكّ المٍؤًمٌنّاتٍ يٍبّايٌعًنّكّ عّلّى أّن لاَّ يٍشًرٌكًنّ بٌاللَّهٌ شّيًئْا ولا يّسًرٌقًنّ ولا يّزًنٌينّ ولا يّقًتٍلًنّ أّوًلادّهٍنَّ ولا يّأًتٌينّ بٌبٍهًتّانُ يّفًتّرٌينّهٍ بّيًنّ أّيًدٌيهٌنَّ وأّرًجٍلٌهٌنَّ ولا يّعًصٌينّكّ فٌي مّعًرٍوفُ فّبّايٌعًهٍنَّ واسًتّغًفٌرً لّهٍنَّ الله إنَّ الله غّفٍورِ رَّحٌيمِ } [الممتحنة: 12]
ولما كانت النساء شقائق الرجال، فإن حياة احدهما لا تستقيم بدون الآخر، ولا يهنأ لأحدهما عيش، بدون ارتباطه بنصفه الآخر، لحكمة أرادها الله في إعمار هذا الكون الدنيويّ، وفي تواصل النّسل حتى يأتي أمر الله في يومه الموعود، ويكتمل الأمد المحدّد..
تمعّن في قول الله جل وعلا في واحدة من آياته العظيمة، التي تَمثُل أمام كل فرد: رجلاً أو امرأة، ولا يتعمق في دلالتها وأثرها، حيث يقول سبحانه: {ومٌنً آيّاتٌهٌ أّنً خّلّقّ لّكٍم مٌَنً أّنفٍسٌكٍمً أّزًوّاجْا لٌَتّسًكٍنٍوا إلّيًهّا وجّعّلّ بّيًنّكٍم مَّوّدَّةْ ورّحًمّةْ إنَّ فٌي ذّلٌكّ لآيّاتُ لٌَقّوًمُ يّتّفّكَّرٍونّ} الروم: 21
ولتكتمل هذه الصفات في المرأة، حتى تخيم على بيت الزوجيّة السعادة، وتجاذب الإخاء، الذي ينعكس عليهما صحياً ونفسياً، وعلى أولادهما طمأنينة وحسن تربية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل هذه الفائدة العظيمة في المرأة، لأدبها وصلاحها، فقد روى عطاء بن أبي رباح مرفوعاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خير فائدة يفيدها المرء المسلم، بعد الأخ المسلم، المرأة الصالحة، التي إن نظر إليها سرّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وفي ماله». رواه ابن ماجة في باب أفضل النساء.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالنساء خيراً، ويوصيهن بأزواجهن خيراً، وجعل خير الرجال، من كان خيراً لأهله، لأنه هو خيرهم لأهله، فقد روى يحيى بن أبى كثير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير نسائكم، الودود الولود، العون المواسية المواتية، وشرّ نسائكم اللّجوج العاقر العاصية».
وقد أدرك هذه الخيرية في المرأة كثير من علماء الإسلام والحكماء، فهذا صفوان بن سليم يروي أثراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيه: «النساء أربع امرأة مواسيه مواتية، محبّة مجنّة تفيد معنى الستر يفوّض إليها زوجها، فهي تمسك وتنفق بقدر، فتلك عامل من عمّال الله عز وجل، وامرأة مواسية ومواتية، محبّة مجنّة، يفوّض إليها زوجها، فهي لا تنفق ولا تدبّر فتلك الماحق، وامرأة بارك الله فيها، ولا يردّها عن زوجها، إلاّ الله عز وجل والإسلام، فهي تحفظه في غيبةٍ، وتؤدي إليه حقّه من نفسها، فتلك من أشراف النساء، وأرفعهن عند الله منزلة، وامرأة حسنٌ منظرها، عجيب مخبرها، حسنٌ حالها، طيب طعامها، محبّة لزوجها مواتية له، فتلك سيدة النساء».
فالمرأة الصالحة من سعادة ابن آدم، والمرأة السوء من شقاوته.. ويكفي للمرأة أدباً مجملاً هذا الحديث المختصر في لفظه العميق في معناه، وجزالة ثوابه، حيث يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ايّما امرأة صلّتْ خمسها، وصامت شهرها، وحفظت زوجها، وأطاعت رّبها، تدخل من أي أبواب الجنة شاءت».
والغيرة خصلة جبلت عليها النساء، وحثّ على علاجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنها ذميمة بالصبر، لأن بالصبر والتحمل مع احتساب ما عندالله، تغلّباً على المكاره، فقد روى الأوزاعي رحمه الله: أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده قوم فقالت: يا رسول الله، إني زنيت وإني محصنة، وزوجها في المجلس جالس فقام فقال: يارسول الله إنها امرأة غيراء، وإنما قالت هذا من الغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أقسمت لبرّتْ، ماتدري الغيراء، أعلى الوادي من أسفله» أخرجه أبو يعلى بسند لا بأس به.
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شدّد في أحاديث كثيرة، على حقّ الرجل على امرأته، منها ما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، لما بعثه الى اليمن، فقال: يا رسول الله إني رأيت أهل الكتاب يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، أفلا أسجد لك؟. فقال: لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حقّ زوجها عليها، حتى لو سألها نفسها، وهي على قتب أعطته نفسها» وكان يوصي النساء بأزواجهن خيراً، وبالحنوّ على أولادهن وصلاتهن، وبعدم هجر المرأة لفراش زوجها، أو الغضب عليه بدون مبرّر، أو طلب الطلاق بدون ما سبب..
ولهذا فإن نساء الصحابة كنّ حريصات على السؤال حتى لا يقعن في محظور، وهذا من الأدب الذي يجب أن تأخذ به المرأة المسلمة في كل زمان ومكان، لان الله أمر من لا يعلم أن يسأل من يعلم، فقد قال عبدالملك بن حبيب في كتابه أدب النساء: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما هو جالس في ملأ من أصحابه، إذْ أقبلت امرأة من الأنصار يقال لها: أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، وكانت من ذوات العقل والدين، فسلّمت عليه ثم قالت: يا رسول الله إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، كلهن يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي، إن الله أرسلك إلى الناس كافّة: إلى الرجال والنساء، فآمنّا بك واتّبعناك وصدّقنا بما أنزل عليك، ثم إن الله فضلكم يا معشر الرجال على النساء، بفضائل شتّى، فجعل لكم الجمعة والجماعة، وعيادة المرضى واتّباع الجنائز، والحج والعمرة بعد الحج، وخصكم بأفضل من هذا، الرباط والجهاد في سبيل الله، فما لنا معشر النساء ونحن مقصورات مخدّرات، حواضن أولادكم، ومنتهى شهواتكم، وقواعد في دياركم، نربِّي لكم صبيانكم، وننسج لكم ملابسكم، ولا نوطىء فرشكم غيركم، فما لنا من الأجر يارسول الله؟.
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: «هل سمعتم مثل منطق هذه المرأة؟»، وفي رواية: هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟؟.
قالوا: لا والذي بعثك بالحق يا رسول الله، ما كنّا نرى أن في النساء من يبلغ عقلها، ومنتهى مسألتها مثل هذه وما بلغت؟.
ثم أقبل عليها فقال لها صلى الله عليه وسلم: «أيتها المرأة اعلمي وأعلمي نساء حيّك، ومن لقيت عن نساء الأنصار، والمهاجرين وجميع نساء المسلمين، أن حسن تبعّل إحداكن لزوجها، ورضاه عنها ساعة من النهار، يعدل الجهاد والرّباط، والحج والعمرة، واتباع الجنائز وعيادة المرضى، وشهود الجمعة والجماعة، فهذا للمرأة من الثواب».
فانصرفت المرأة أسماء وهي تهلّل وتكبر، استبشاراً بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منزلة الزوج من المرأة، بمنزلة الرأس من الجسد، لا خير في جسد من غير رأس، وكذلك المرأة لا خير فيها من غير زوج».
وكما أن للرجل على المرأة حقوقاً، فإن منها زيادة على ما مرّ: فإنه لا يحل لها أن تنفق من ماله إلاّ بإذنه، ولا تأذن في بيت زوجها وهو كاره، ولا تضيف فيه أحداً، ولا تحسن فيه بغير موافقته، ولا تعتزل فراشه، حتى لا تلعنها الملائكة حتى ترجع، ولا تؤذيه في الدنيا، إلاّ نادت زوجته من الحور العين: ويحك لا تؤذيه، فإنما هو عندك أياماً قليلة..
وكذلك للمرأة على زوجها حقوق، هي من آداب الإسلام، وحسن تعاليمه، حيث احتلّت المرأة في منهج الإسلام مكانة عظيمة، لم تحتلها فيه امرأة قبل ولا بعد، رغم ما يدعونه في الحضارة الغربية، من حقوق لها، وحرية يجب أن تمنحها المرأة، فإن هذا الادعاء من وضع البشر، وما جاء عن الله وعن رسوله أبلغ وأمكن، والبشر دائماً في نظرتهم قصور، ولا يدخل في حسبانهم الجزاء الأخرويّ، ولا ماجاء في الأوامر الشرعية: عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنهم يعلمون ظواهر الحياة الدنيا وقشورها، ويغيب عنهم الجوهر والجزاء الأخرويّ، بل إن المرأة الغربية في ديارهم، الذين يتحدثون عنها، وما وصلت إليه من حضارة، تمقت بهارج هذه الحضارة، وتنفي ما أوصلوها إليه، وتتمنى أن تسعد بما سعدت به المرأة في تعاليم الإسلام من مكانة رفيعة، وحقوق وواجبات.
وأهم ذلك مخاطبتها بالأوامر والتشريعات المتعلقة بالرابطة الروحانية مع الله سبحانه، مع الرجل على حدّ سواء، وما صانتها تعاليم الإسلام من حشمة ووقار، لأن المرأة في مجتمعاتهم كالزهرة عند تفتحها تشم. فإذا ذبلت رميت، وضاعت مكانتها.. وما أكثر ما تتحدث نساء الملاجئ بما وقعن فيه من مآسٍ وجحود من طبقات المجتمع حتى من أقرب قريب كالآباء والأبناء وغيرهم.
ونخشى على المجتمع الإسلامي أن تدبّ إليه العدوى، عندما يتراخى الجميع، عن المحافظة والفهم العميق، ثم العمل بآداب الإسلام، وإيثار المادة، التي تجذب إلى اتّباع سنن من قبلنا حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخل المسلمون معهم.. وأعظم ذلك حقّ الأمهات، والتهاون في برّهن، حيث عظم الله سبحانه حق الوالدين، ومكن النبي حق الأم.. وأول ما يبدأ هذا عندما يتأثر المجتمع الإسلامي بالأمم الأخرى ثقافياً وإعلامياً، بالعادات والتقاليد في شئون الحياة المختلفة.
وأول ما بدأ الأمر عندهم بضياع حقّ الزوج على زوجته، وضياع حق الزوجة على زوجها.. والذي تضيع معه الأوامر الشرعية التعبديّة، وحفظ النسل.. ولا يزال المسلمون ما داموا حريصين على أداء الحقوق فيما بينهم، وفق شرع الله طيّبة بها نفوسهم، وخاصة فيما بين الزوجين، وما يجب على كل منهما.. مع اهتمام المرأة ومحافظتها على آداب دينها التي حدّدت لها... وسؤالها عمّا لا تعلمه، لتحرص على التّطبيق امتثالاً للأوامر وحرصاً على التعليمات. فكما أن عليها واجبا، فإن لها حقوقاً ، فقد جاء في الحديث الصحيح، الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً سأله عليه الصلاة والسلام فقال: يارسول الله، ما حق امرأتي عليّ؟، قال: «تطعمها مما تأكل، وتلبسها مما تلبس». قال: فما حق جاري عليّ؟. قال: تنيله معروفك، وتكفّ عنه أذاك». قال: فما حقّ خادمي علىّ؟. قال: «هو أشدّ الثلاثة عليك يوم القيامة». وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حق المرأة على زوجها، أن يشبع بطنها، ويكسو ظهرها، ويعلمها كتاب الله تعالى»، وجاء رجل من قيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله: ما حقّ زوجتي عليّ؟. قال: تطعمها إذا طِعمْتَ، وتكسوها إذا كُسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلاّ في البيت».
بعد أن ذهب الملك:
قال المسعودي في مروج الذهب، كانت الخيزران أم الهادي والرشيد في دارها، وعندها أمهات أولاد الخلفاء، وغيرهن من بنات بني هاشم. فبينما هن كذلك، إذ دخلت عليها جارية من جواريها، فقالت: أعز الله السيدة، بالباب امرأة ذات حسن وجمال، في أطمار بالية، وليس وراء ما هي عليه من سوء الحال غاية، تأبى أن تخبر باسمها، وهي تروم الدخول.
فقالت الخيزران للجارية: أدخليها، فإنه لا بد من فائدة أو ثواب، فدخلت امرأة ذات بهاء وجمال، في أطمار رثّة، فوقفت بجنب عضادة الباب، ثم سلّمت متضائلة، وتكلمت فأوضحت عن بيان ولسان، فقالت من أنت؟
قالت: أنا مزنة زوج مروان بن محمد، وقد أصار في الدهر إلى ما ترين، ووالله ما الأطمار البالية التي عليّ إلاّ عارية، وانكم لما غلبتونا على هذا الأمر، وصار لكم دوننا، لم نأمن مخالطة العامة، على ما فيه من الضرر، على بادرة إلينا تزيل موضع الشرف، فقصدناكم لنكون في حجابكم على أي حال كانت، حتى تأتي دعوة من له الدعوة.
فاغرورقت عينا الخيزران بالدموع، ونظرت إليها زينب بنت سليمان بن علي فقالت: لا خفّف الله عنك يا مزنة أتذكرين وقد دخلت إليك وأنت على هذا البساط بعينه، فكلمتك في جثّة إبراهيم الإمام، فانتهرتني، وأمرت بإخراجي، وقلتِ: ما للنساء والدخول على الرجال في آرائهم، فقالت مزنة: والله ماكانت حالنا الآن كما ترين، إلاّ بتلك الفعال، وإنما كان يجب ان تمضي الخيزران على فعل الخير، وترك المقابلة بالشرّ. ثم قالت لزينب: كيف رأيت صنيع الله بنا في العقوق، فأحببت التأسي بنا، ثم ولّت باكية.. وأشارت الخيزران إلى جارية من جواريها فعدلت بها إلى بعض المقاصير، وأمرت بتغيير حالها.
فلما دخل المهدي عليها وقد انصرفت زينب قصّت الخيزران عليه قصتها وما أمرت به من الإحسان إليها وتغيير حالها.
فقال للخيزران: والله لو لم تفعلي بها ما فعلت ما كلمتك أبداً، وبكى كثيراً وقال: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك.
ثم بعث جارية إلى مقصورة مزنة، التي أخليت لها، وقال للجارية: اقرئي عليها السلام، وقولي لها: يا بنت عم، إن أخواتك قد اجتمعن. عندي، ولولا أني ابن عمك لجئناك.
فلما سمعت الرسالة. علمت مراد المهدي، فجاءت تسحب أذيالها، فأمرها بالجلوس، ورحّب بها، ورفع منزلتها.
ثم تذكروا أخبار أسلافهم، وأيام الناس والدولة وتنقّلها، فما تركت لأحد في المجلس كلاماً.
فقال لها المهدي: يا بنت عمّ، والله لولا أني لا أحب، أن أجعل لقوم أنت منهم في أمرنا شيئاً لتزوّجتك ولكني لا شيء أصون لك من حجابي..
فكوني مع أخواتك في قصري ، لك ما لهّن، وعليك ما عليهن، إلى أن يأتي أمر من له الأمر، فيما حكم به على الخلق، وأمر زوجته الخيزران بالإحسان اليها..
ثم أخدمها وأحسن إليها، وأجازها، فأقامت في قصره إلى أن توفي المهدي، ثم توفي ابنه الهادي، ومضى صدر من أيام ابنه هارون الرشيد، وماتت في خلافته، فجزع عليها، جزعاً شديداً.
(مروج الذهب للمسعودي 2:249).

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved