| أفاق اسلامية
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل الدين، فهو شغل الأنبياء، وقد خلفهم فيه خلفاؤهم ولولاه لشاع الجهل وبطل العلم، فقد أخرج البزار بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:«لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم». وقد ضرب رسول الله عليه الصلاة والسلام مثلاً للمنكر والساكت عن الإنكار، فقال عليه الصلاة والسلام:«إن مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، والمداهن فيها مثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقاً، واستقينا منه، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً». متفق عليه.
وقال مالك بن دينار: قرأت في التوراة: من كان له جار يعمل بالمعاصي، فلم ينهه فهو شريكه.
وقال مسعر: أمر ملك أن يخسف بقرية فقال: يا رب فيها فلان العابد. فأوحى الله تعالى إليه: أن به فابدأ، فإنه لم يتمعر وجهه في ساعة قط.
وهناك صفات يجب أن يتحلى بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ومن أعظم هذه الصفات هي صفة الإخلاص لله تعالى وذلك بلزوم إصلاح السريرة،. إن الواجب على العاقل الحازم أن يعلم أن للعقل شعبا من المأمورات والمزجورات لا بد له من معرفتها واستعمالها في أوقاتها لمباينة العامة، إن أول شعب العقل هو لزوم تقوى الله عز وجل وصلاح السريرة ولقد أحسن الذي يقول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولاتحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب وأن غداً للناظرين قريب |
قال مالك بن دينار: اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الأرباح من غير بضاعة.
وينبغي للآمر بالمعروف أن يلطف، فقد قال الله تعالى:«فقولا له قولا ليّنا». ومر أبو الدرداء برجل قد أصاب ذنباً، وكانوا يسبونه فقال لهم: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي. ورأى محمد بن المنكدر رجلاً يكلم امرأة في موضوع خرب فقال: إن الله تعالى يراكما، سترنا الله وإياكم.
كما ينبغي أيضاً للآمر بالمعروف أن يحذر من فعل ما نهى عنه، وترك ما أمر به، فقد جاء في الحديث عن أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه. متفق عليه.
وإذا هذب الآمر نفسه آثر قوله إما في زوال المنكر أو في انكسار المذنب أو إلقاء الهيبة له في القلوب. خرج إبراهيم الخواص لإنكار منكر فنبح عليه كلب فما قدر الوصول إلى مكان المنكر فرجع إلى مسجده وتفكر ساعة ثم قام فجعل الكلب يتبصبص حوله ولا يؤذيه حتى زال المنكر فسئل عما جرى له فقال إنما نبح علي لفساد دخل علي في عقد بيني وبين الله عز وجل فلما رجعت ذكرته فاستغفرت.
والصبر هو من الصفات الهامة التي يجب أن يتحلى بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. فالصبر قرين اليقين وبهما تنال الإمامة في الدين قال تعالى:« { وًجًعّلًنّا مٌنًهٍمً أّئٌمَّةْ يّهًدٍونّ بٌأّمًرٌنّا لّمَّا صّبّرٍوا وًًكًاًنٍوا بٌآيّاتٌنّا يٍوقٌنٍونّ }(السجدة: 24) كذا قال أئمة الدين كسفيان وابن تيمية. فطريق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مفروشاً بالورود ولا محاطاً بالأزهار والأطياب، بل هو مقرون بالابتلاء، قال عز وجل:«{يّا بٍنّيَّ أّقٌمٌ پصَّلاةّ وّأًمٍرً بٌالًمّعًرٍوفٌ وًانًهّ عّنٌ المٍنكّرٌ ّوأًصًبٌرً
|
|
|
|
|