|
| مقـالات
دخل العالم مرحلة جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق اصطلح على تسميتها العولمة وكان من أهم مفرداتها منظمة التجارة الدولية وأصبحت الولايات المتحدة الامريكية هي اللاعب الرئيسي في رسم السياسة الدولية. وأخذنا نسمع كثيرا عن إعادة رسم الخارطة السياسية والتي تعني ضرورة إجراء تغيير حقيقي في المواقف والتحالفات والأنظمة والسيادة وغيرها لكثير من الدول حسب رؤية اللاعب الرئيس. ولا شك أن اللاعب الرئيس كانت تنقصه المبررات والذرائع الكافية لإرغام بعض الدول على تغيير سياساتها وتوجهاتها .
وقد جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م بمثابة الفرصة التي كان يبحث عنها هذا اللاعب لتطويع العالم وفق توجهاته وسياسته. ولم يتطلب الأمر كثير عناء من اللاعب الرئيس في استصدار قرار مكافحة الإرهاب من مجلس الأمن الدولي فأغلب أعضائه مستفيدون من هذا القرار أو هم على الأقل لا يتضررون من تطبيقه في الوهلة الأولى.
فأعلن الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان ونجح في إخضاع العالم في دخول حلف معه ضد الإرهاب بالرغم من عدم وضوح معنى الإرهاب لكثير من الدول أو عدم موافقتها للرؤية الأمريكية حول الإرهاب. حيث لم يفرق اللاعب الرئيس بين مصطلح الإرهاب ومصطلح المقاومة المشروعة وهي حق تقرير المصير عن طريق مقاومة المحتل.
ولا شك أن هذا القرار قد شجع إسرائيل الحليف الإستراتيجي الأول للولايات المتحدة ممثلة برئيس وزرائها الإرهابي شارون بممارسة هوايته المفضلة في القتل والتدمير للشعب الفلسطيني الأعزل على مرأى ومشهد من مجلس الأمن الذي لم يحرك ساكنا وكأنه أوكل مهمته للاعبه الرئيس. حيث لم يتردد هذا اللاعب في وصف الإرهاب الشاروني بعد تدميره 120 منزلا في مخيم رفح الفلسطيني وبقاء الأهالي في العراء بأنه دفاع عن النفس. كما لم يكتف هذا الحليف بتدمير الشعب الفلسطيني بل انتقل بعيداً إلى الهند الحليف الإستراتيجي الثالث لإسرائيل بعد تركيا الفتاة لصب الوقود على النار بين الهند وباكستان بدعوى الحرب ضد الإرهاب.
إنني أعتقد أن اللاعب الرئيس قد استهوته حرب الإرهاب التي بدأها في أفغانستان والتي لا نعرف متى نهايتها وأين حدودها وأعتقد أنه يشاطرنا الرأي حول هذه المسألة فهي حرب جديدة بدأت قبل أن تتحدد أهدافها بشكل كامل وصريح . لذا نجده تارة يمتدح دور إيران في الحرب ضد الإرهاب ثم يغير رأيه بعد ذلك وتارة يعلن أن المرحلة الثانية هي ضرب العراق بعد أفغانستان ويرسم مخططاً لذلك وتارة أخرى يهدد سوريا ولبنان وحزب الله ثم يمتدح دور سوريا في الحملة ضد الإرهاب وأخيراً وليس آخراً يرسل أساطيله وطائراتها تجوب المياه والأجواء الصومالية محذرا الحكومة الصومالية من مغبة إيواء الإرهابيين . إن اللاعب الرئيس لا يجد مضاضة في توجيه الاتهامات والتهديدات في كل الاتجاهات ما دامت تصب في دائرة العرب والمسلمين. كما أن العالم أيضاً لم يعد تهمه هذه التهديدات ما دامت غير موجهة نحوه.
إن النتائج الأولية لحرب الإرهاب بدأت تؤتي ثمارها للاعب الرئيس فالمعطيات على الأرض في أفغانستان وباكستان وفلسطين بدأت تقترب من رؤيته. كما أن دول العالم أصبحت تتسابق في تقديم المعلومات له مع توقيف وتجميد الأرصدة للأشخاص والمنظمات التي يقرر انها إرهابية، بالإضافة إلى تهميش دور هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ولا يخالجني أدنى شك بأن هذا اللاعب قد استمرأ الحرب ضد الإرهاب ولسان حاله يقول إن اللعبة سهلة وعملية.
إن هذه الحرب أصبحت إرهاباً بحد ذاتها، فكثير من الدول والشعوب يعيشون في قلق ورعب منذ انطلاقتها ، فهي حرب بدون ضوابط ولا مرجعية وأهدافها غير واضحة وغير محددة. ولا يحتاج اللاعب الرئيس لتنفيذ مخططاته في أي مكان في العالم أكثر من أن يقول إنها حرب موجهة ضد الإرهاب أو أنها تدخل ضمن مكافحة الإرهاب . كما أن اللاعب الرئيس استفاد من أسلوب الصهيونية العالمية بإلحاق تهمة «معاداة السامية» لكل من ينتقدها فإن اللاعب الرئيس لا يتردد في اتهام الآخرين بعدم دعمهم لمكافحة الإرهاب إذا حاولوا الخروج عن طوعه وإرادته.
لقد بدأت آثار هذه الحرب تظهر على السطح فقد صرح رئيس البرلمان الروسي أن بلاده تعارض إقامة قواعد عسكرية لحلف شمال الأطلسي بالجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا والتي كانت تشكل مع روسيا وبعض الدول الأخرى ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي، نظراً لقربها من حدود روسيا الجنوبية، كما نتوقع أن تزداد هذه الانتقادات في حال توسيع دائرة مكافحة الإرهاب لتشمل دولاً أخرى . ولا شك أن الصين الدولة العظمى في آسيا تراقب الموقف عن كثب لتنضم إلى معارضة التواجد الغربي في آسيا لذلك فقد حاولت تقريب وجهات النظر بين الهند وباكستان لتكسب ود الهند بالرغم من إعلان باكستان عن وقوف الصين لجانبها. ويبدو أن اللاعب الرئيس قد سبق الصين في استمالة الهند حيث أيدها في مطالبها في كبح جماح حركات التحرير في كشمير . والحمد للّه والصلاة والسلام على رسول اللّه.
عضو هيئة التدريس بمعهد الإدارة
|
|
|
|
|
