| متابعة
* القاهرة إعداد عوض خليفة
أ ش أ:
عاد اسم قاعدة جوانتانامو البحرية الأمريكية في كوبا «أو جيمتو كما يحلو للعسكريين الأمريكيين تسميتها» للظهور مجددا على مسرح السياسة الدولية بعد وصول أسرى حركة طالبان وتنظيم القاعدة إليها الأمر الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الكوبية والأمريكية بين مؤيد ومعارض حيث تعترض كوبا على وجود القاعدة أصلا،
ويعتبر الرئيس الكوبي فيدل كاسترو هذه القاعدة بمثابة خنجر في قلب كوبا بينما انتقد وزير التعليم العالي الكوبي فيسيتو اليجريت القرار الأمريكي بنقل الأسرى الأفغان إلى جوانتانامو قائلا «إن إقدام الأمريكيين على هذه الخطوة سيكون بمثابة خطأ آخر»، ، ووصفه المدعي العام الكوبي خوان اسكالونا بأنه «استفزاز أمريكى»،
وكانت كوبا قد وصفت الهجوم على أفغانستان بانه «مذبحة بربرية ضد المدنيين تهدف إلى تحقيق أهداف استعمارية،
إلا أن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد أرجع السبب وراء اختيار جوانتانامو لاستقبال أسرى طالبان وتنظيم القاعدة إلى «انها أقل الأماكن سوءا بين الأماكن التي وقع عليها اختيارنا لهذه المهمة»،
وعلى الصعيد الإنساني انتقد رئيس منظمة «هيومان رايتس ووتش» المعنية بحقوق الإنسان «التي تتخذ من نيويورك مقرا لها» المعاملة التي يلقاها الأسرى الأفغان أثناء نقلهم إلى جوانتانامو قائلا «إننى أشعر بالانزعاج» على نحو خاص «من الأنباء التي تشير إلى تعرض الأسرى الأفغان لتأثير مواد مخدرة أو مهدئة طوال الرحلة من أفغانستان إلى جوانتانامو التي تستغرق أربع وعشرين ساعة»،
ومن جانبه قال الجنرال رامون سبينوزا قائد الجناح الشرقي للقوات المسلحة الثورية الكوبية «إن كوبا تتطلع إلى استعادة قاعدة جوانتانامو بالوسائل السلمية في يوم من الأيام»،
ومنطقة خليج جوانتانامو يرجع الفضل في اكتشافه الرحالة العالمى كريستوفر كولومبوس عام 1494 عندما نزل مع عدد من البحارة للبحث عن الذهب هناك وأطلق على هذه المنطقة اسم الميناء الكبير،
وتأسست قاعدة جوانتانامو البحرية الأمريكية عام 1898 عندما نزل مشاة البحرية الأمريكية بها أثناء الحرب الأمريكية الإسبانية وفي عام 1903 وقع الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت «جمهوري» أول عقد ايجار للقاعدة مع الحكومة الكوبية بقيمة 4085 دولارا سنويا إلا أن كوبا ترفض صرف شيكات قيمة ايجار القاعدة منذ وصول الرئيس فيدل كاسترو إلى الحكم عام 1959 الذي اعتبر الوجود الأمريكي بها بمثابة «احتلال غير مشروع» وفي عام 1934 تم توقيع معاهدة بين البلدين تقضي بعدم عودة القاعدة إلى كوبا إلا من خلال التراضي بين الطرفين أو في حالة انسحاب الولايات المتحدة منها طواعية،
تعتبر قاعدة جوانتانامو أقدم قاعدة عسكرية أمريكية في الخارج ويرتبط اسمها عادة بالأزمات حيث طلب الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين ديلاور روزفلت «ديموقراطي» توسيعها عام 1939 قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية وبعد ذلك تردد اسم القاعدة عام 1962 أثناء أزمة خليج الخنازير عندما اكتشفت الولايات المتحدة وجود صواريخ سوفيتية موجهة إلى الأراضي الأمريكية على أرض كوبا لذا سارعت بإرسال التعزيزات إلى قاعدة جوانتانامو تحسبا لوقوع مواجهة مع القطب الشيوعي في ذلك الوقت،
وفي عام 1964 ارتبط اسم قاعدة جوانتانامو بما عرف بأزمة المياه بين الولايات المتحدة وكوبا عندما أمر الرئيس الكوبي فيدل كاسترو بقطع مياه نهر ياتيراس للمرة الأولى عن القاعدة الأمريكية حيث يمر النهر على مسافة أربعة أميال من البوابة الشمالية الشرقية للقاعدة الأمريكية ويعد المصدر الرئيس لإمدادات المياه اللازمة لها،
وكانت حجة كاسترو تقوم على أساس ان الولايات المتحدة تستهلك حصة من المياه «5، 2 مليون جالون يوميا» تفوق ما تدفعه مقابلا لها فضلا عن قيام السلطات الأمريكية باحتجاز ستة وثلاثين بحار كوبيا بزعم قيامهم بالصيد بطريقة غير مشروعة في مياه ولاية فلوريدا الأمريكية،
وردا على ذلك قرر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون في ذلك الوقت طرد العاملين الكوبيين بالقاعدة الذين يحصلون على نحو سبعة ملايين دولار شهريا كما قرر إقامة محطات لتحلية مياه البحر لسد حاجة القاعدة من المياه لتجنب الوقوع تحت الضغوط الكوبية،
وتبلغ مساحة قاعدة جوانتانامو سبعين ميلا مربعا منها 23 ميلا مربعا من المياه والباقي إما أراض قاحلة «35 ميلا» أو مستنقعات «13 ميلا» ويقيم بالقاعدة بصورة دائمة أكثر من سبعة آلاف رجل بينهم ثلاثة آلاف من العسكريين والباقون من عائلاتهم والموظفين تخدمهم طرقا برية بطول 500 ميل ومستشفيات ومراكز شرطة ومحطات إطفاء حريق ومكتبة ومدارس ومطاعم تقدم وجبات ساخنة للمدنيين،
ويوجد على الجانب الأمريكي من قاعدة جوانتانامو أكثر الحقول كثافة بالألغام في العالم تصل مساحته إلى 700 فدان يخفي في جوفه سبعين ألفا من الألغام المضادة للأفراد والدبابات تم زرعها منذ أزمة خليج الخنازير عام 1962 ويتم فحصها بصفة دورية للتأكد من سلامتها وقد أودت هذه الألغام بحياة نحو عشرين شخصا من الكوبيين اللاجئين إلى القاعدة من المعارضين لنظام كاسترو الشيوعي،
ويبدو ان الولايات المتحدة أصبحت على قناعة تامة «في ظل المتغيرات الدولية المتلاحقة خلال الربع الأخير من القرن الماضي» بتراجع أهمية قاعدة جوانتانامو خاصة بعد انهيار منافسها الرئيسي الاتحاد السوفييتي وما ترتب عليه من ضعف شوكة النظام الشيوعي في كوبا بسبب انحسار المساعدات الشيوعية التي كان يحصل عليها أيام العز الشيوعي وآخرها قرار الرئيس الروسي فلادديمير بوتين بإغلاق محطة رادار في كوبا وسحب القوات الروسية من قاعدة «لوربيز» بالقرب من العاصمة الكوبية هافانا التي يبلغ ايجارها السنوى 200 مليون دولار وهو مبلغ يكفي لإطلاق عدة أقمار صناعية،
وفي بداية التسعينات تحولت قاعدة جوانتانامو إلى ملاذ للاجئين والفارين من عمليات الاضطهاد والقمع الداخلي وحدث ذلك عندما توافد عليها أكثر من خمسين ألفا من المهاجرين من هاييتي وكوبا في الفترة من عام 1991 إلى 1996 فيما عرف باسم «الهجرة الكبرى» حينئذ مما استدعى تحويل ملعب جولف بالقاعدة إلى مخيم لإيواء اللاجئين بتكلفة 35 مليون دولار،
وفي عام 1999 أبدت الولايات المتحدة استعدادها لاستقبال أعداد من أبناء ألبان كوسوفا الفارين من عمليات التطهير العرقي الصربية وإذا كانت هذه العملية لم تتم فقد كان ذلك في صالح ألبان كوسوفا حيث تشكك الباحث ماكس كاسترو بمركز الشمال والجنوب بجامعة ميامي في قدرة اللاجئين على تحمل الأجواء السائدة في قاعدة جوانتانامو «سواء من حيث ارتفاع درجة حرارة الطقس أو الاحساس بالملل أو الشعور بالصدمة الحضارية ناهيك عن المشاكل التي قد تثور مع اللاجئين من هاييتي وكوبا المقيمين بالقاعدة»،
أخيرا فانه إذا كانت عملية ترحيل أسرى طالبان وتنظيم القاعدة إلى جوانتانامو في رحلات جوية بمثابة واحدة من المرات القلائل التي يتم فيها نقل أسرى «بأعداد كبيرة» لمسافات طويلة وهم معصوبو الأعين، ، مشدودون إلى المقاعد التي يجلسون عليها بالطائرة، ، مما استدعى قلق جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان، ، فان السؤال الذي سيبقى بدون إجابة «في الوقت الحالي على الأقل» هو هل سيجد أسرى أفغانستان بانتظارهم عندما يهبطون من الطائرات العدالة المطلقة،
|
|
|
|
|