| متابعة
* القاهرة مكتب الجزيرة محمد حسن:
شهدت الفترة الأخيرة توترات متصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حيث تبادل كل منهما الاتهامات وصلت لذروتها حيال ما أثارته أمريكا حول سفينة الأسلحة واتهامات اسرائيل لإيران بتهريبها للفلسطينيين وقبل ذلك اتهامات أمريكا لإيران بتطوير أسلحة نووية ودعمها للإرهاب ويأتي هذا التصعيد الأخير في توتر العلاقات في ظل انتهاء طالبان وما يتردد حول امتداد الضربات الأمريكية لدول أخرى، فإلى أي مدى يمكن ان يصل الخلاف القائم بين واشنطن وطهران؟ وهل كانت واشنطن تنتظر إسفين اسرائيل الخاص بسفينة الأسلحة حتى تنقلب على طهران؟ وما تداعيات ذلك وسط الأحداث التي يشهدها العالم حالياً؟
* تأزم العلاقات
التوتر بين البلدين ليس وليد اللحظة ولكنه يعود لبداية الثورة الإيرانية حيث بدأت مرحلة جديدة وطويلة من الخلاف بين واشنطن وطهران، وخاصة بعد أزمة الرهائن الأمريكية 1979م والتي كانت بمثابة إعلان صريح لقطع اي علاقة مع أمريكا التي طالما كانت الحليف القوي للشاه رضا بهلوي قبل اندلاع الثورة الإيرانية، وطوال حقبتين من الزمان مرت العلاقات الإيرانية الأمريكية بمراحل متأزمة كان من بينها سعي أمريكا في تشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية على إيران، وحاولت واشنطن حشد القوى الغربية والأوروبية لمناهضة سياسة طهران، فأصدر الكونجرس الأمريكي في يونيو 1996 إجراءات تتضمن حرمان الشركات التي تتعاون مع إيران من دخول السوق الأمريكية، كذلك حرمانها من الحصول على ضمانات تزيد على عشرة ملايين دولار في السنة من بنك الاستيراد أو التصدير الأمريكي، وحظر الاشتراك بالعقود الحكومية، أو الاتجار بالسندات التي تصدرها الخزانة الأمريكية، فضلاً عن منع مسؤولي هذه الشركات من دخول الأراضي الأمريكية.
وحاولت الولايات المتحدة طيلة عقد التسعينيات إضعاف القوة العسكرية الإيرانية وقدرتها على الاستمرار في برنامجها لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وخاصة الصواريخ والأسلحة النووية، لأنه من شأنه تهديد اسرائيل والتواجد الأمريكي في الشرق الأوسط، وحاولت واشنطن إحكام الحلقات لاحتواء وعزل إيران في المنطقة، مما يحول دون تحقيق تطلعاتها في السيطرة على المنطقة عسكرياً أو سياسياً أو اقتصادياً بما يهدد المصالح الأمريكية، ولذلك حاولت الولايات المتحدة الضغط على اليابان وأوروبا وروسيا عن توقف مساعداتها الاقتصادية والعسكرية لإيران طوال الفترة السابقة.
* 11 سبتمبر والتقاء المصالح
بهذا الوضع من الصراع الشديد بين البلدين مضت حقبتان تاريخيتان لم تنفرج فيهما الأزمة، بل أخذت أمريكا تغتنم كافة الفرص لضرب إيران اقتصادياً وسياسياً، ومازالت على حالها هذا، حتى جاءت أحداث سبتمبر لترسم خطوطاً من الوفاق المؤقت في العلاقات بين البلدين وعن طريق واسطة سويسرية حاولت أمريكا مغازلة طهران لتحقيق مصالح مشتركة في أفغانستان، أهمها إسقاط طالبان وتولي حكومة تضمن الاستقرار في المنطقة.
وبدأ تناغم بين البلدين مشوباً بالحذر وأعلنت طهران انضمامها في التحالف ضد الإرهاب، وقبلت واشنطن هذا الاعلان بشيء من التفاؤل، وقدمت طهران معلومات استخباراتية عن مواقع القاعدة وفتحت حدودها لمزيد من اللاجئين الأفغان، وقدمت مساعدات عسكرية لتحالف الشمالي، وحتى بعد سقوط طالبان مارست إيران ضغوطاً على القوى المتسارعة في تحالف الشمال للقبول بالانضمام لمفاوضات بون، ولعبت طهران دوراً أساسياً في قبول الحكومة المؤقتة من قبل أنصارها في أفغانستان.
وحاولت إيران من جانبها إنجاح الحكومة المؤقتة، ودعمت اللاجئين بمساعدات إنسانية داخل الحدود الأفغانية، وحاولت فتح الحوار من جديد مع واشنطن، لتكون حليفا في حربها على الإرهاب، خشية ان تلصق بها تهمة إيواء الإرهابيين، ولكن بعد سقوط طالبان، تغير مجرى السياسة الأمريكية، وعاد التوتر في علاقتها مع طهران.
* دور إسرائيل في عودة التوتر
لم يكن يستمر التناغم بين طهران وواشنطن بهذه الصيغة فإما ان يتحول لتعاون كلي وهو مستبعد تماما وإما أن يرجع الصراع كما كان، فلم تكن اسرائيل راضية عن إرهاصات التوافق بين مجريات السياسة الأمريكية والإيرانية في الفترة الأخيرة ولم تكن أمريكا راغبة في فتح باب الحوار كما أعتقد الساسة في طهران لكن واشنطن كانت في حاجة الى تأمين وضعها العسكري في الحرب ضد طالبان فما كان لها إلا ان تلجأ لإيران وروسيا وباكستان كقوى إقليمية أكثر إدراكاً للوضع الأفغاني، هذا بجانب وجود أقلية شيعية في أفغانستان والعلاقة الوثيقة بين تحالف الشمال وطهران كلها عوامل أدت للتحالف المؤقت بين أعداء الأمس.
وكانت الشرارة التي أطلقتها اسرائيل، كفيلة بإنهاء ساعات الوفاق بين واشنطن وطهران، ووفرت على البيت الأبيض خلق أي مبررات تخرج طهران من تحالفها حتى تعود سنوات الصراع أشد اشتعالاً من ذي قبل، فوجهت اسرائيل اتهامات مباشرة لايران في ارسال السفينة «كارين أيه» محملة بالأسلحة للفلسطينيين.
ورأت تل أبيب ان ايران توغلت في المنطقة من خلال ثلاث أذرع من شأنها ان تجر اسرائيل إلى حرب في المنطقة، فالذراع الأولى عبر «حزب الله» حيث زودته بالصواريخ الكاتيوشا، والثانية عبر السلطة الفلسطينية وتزويدها بأسلحة، والذراع الثالثة عبر صفوف المواطنين العرب في اسرائيل، واعتبرت اسرائيل إيران الدولة الكبرى التي تمول الإرهاب ضد أمريكا واسرائيل.
وانتهزت أمريكا الفرصة، واتهمت ايران بتسترها على مجموعة من أعضاء القاعدة الفارين من أفغانستان، وأصدر تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية C.I.A أعربت فيه عن قلقها من محاولات ايران الانتهاء من تطوير صاروخ «شهاب3» الذي يصل مداه إلى 1300كلم وقد تستخدمه ضد اسرائيل في حال نشوب حرب بالمنطقة، وأضاف التقرير ان ايران لاتمتلك بعد أسلحة نووية لكن هيئة الاستخبارات الأمريكية تعتقد انها ستكون بحوزتها بحلول نهاية العقد الحالي، أو قبل ذلك في حال تلقت مساعدة خارجية وتحديدا من كوريا الشمالية أو روسيا، وفي الوقت نفسه أثارت الحكومة الأمريكية تقريراً آخر جاء فيه ان إيران اشترت «صواريخ ستنغر» الأمريكية الصنع من أفغانستان عام 1994 وسلمتها لحركة «الجهاد الإسلامي» في لبنان واتهم مسؤولون أمريكيون حركة «الجهاد الإسلامي بتنفيذ سلسلة من العمليات ضد الولايات المتحدة واسرائيل منذ الثمانينات بدعم من إيران.
الموقف الإيراني يواجه صعوبات أكثر من ذي قبل خاصة في ظل محاصرتها أمنياً بقوات أمريكية أو مؤيدة لها، فتقبع قوات أمريكية على حدودها الشرقية في أفغانستان، وتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي تمتد على حدودها الشمالية الغربية، وكذلك تواجد قواعد امريكية في أوزبكستان على حدودها الشمالية الشرقية، وتزداد صعوبة الموقف الإيراني، في حال ضرب العراق، وما قد يتسبب لها من زيادة التوترات على حدودها، واهتزاز قدراتها كقوة إقليمية في المنطقة.
كما ان أمريكا تراقب بحذر شديد البرنامج النووي الإيراني، وتغلق على إيران شتى طرق التعاون مع أي قوى نووية خاصة روسيا والصين وكوريا الشمالية، حتى لايكتمل البرنامج النووي وتظهر على الساحة قوة نووية إسلامية ثانية، إضافة إلى رغبة أمريكا في فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران حتى تقلل من قوتها الإقليمية التي طالما تعارض التواجد الأمريكي في المنطقة، ويبقى المستقبل شاهداً على ماتصل إليه الخلافات والتوترات.
|
|
|
|
|