| تحقيقات
*
تحقيق مريم شرف الدين تصوير أحمد قيزان
ويتواصل الحديث اليوم مع قصص جديدة يرويها عدد من الأحداث الذين يقضون عقوبة السجن في دار الملاحظة بجدة نعرضها أمام الملأ ليتعظ الآباء والامهات وليعرف الشباب ماذا ينتظر كل من تسوّل له نفسه الدخول الى عالم المخدرات المهلك.
نقف اليوم أمام مآسٍ جديدة ضحاياها اطفال صغار وقعوا في شراك المخدرات قبل أن يبلغوا الخامسة عشرة من اعمارهم.
أحدهم تعلم شرب المسكر من اصدقاء «الحارة» وآخر على يد عامل عمه الاجنبي وثالث اوقعه المروجون ورابع وقع بسبب الدلال وتحقيق مختلف الرغبات والمطالب من قبل الاسرة.
قصص وقصص واحزان نترك لكم استعراضها عبر السطور التالية:
بداية تحدث الينا الحدث/مأ ع وهو يبلغ من العمر 18 عاماً.. ويدرس بالصف الخامس الابتدائي بمدرسة الدار.. وعن قصته يقول:
أعيش مع والدي ووالدتي واخوتي الذين يبلغ عددهم ستة بالاضافة لي بالطبع ويأتي ترتيبي الثاني بينهم. والدي يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص والحمد لله دخله كان كافيا لتلبية متطلبات الاسرة.. وهذا ما جعلنا نعيش حياة اسرية مستقرة بعيداً عن أي مشاكل..
قبل سنتين من مجيئي للدار كنت اتعاطى الحشيش كان عمري وقتها (16 عاماً) وتعلمت ذلك من أحد الاشخاص الذين يسكنون معنا في الحارة التي نعيش فيها في البداية كان يعطيني بدون أي مقابل.. لكن بعد فترة قصيرة وبعد أن شعر أنني أدمنت تعاطي الحشيش ولم تعد لي المقدرة للاستغناء عنه بدأ في مساومتي على الشراء.. وكما يقول المثل : (المضطر يركب الصعب) وباعتبار أنني في حاجة إلى الحشيش صرت أشتري منه.. وأدفع قيمته من عائد الدباب الذي كنت اعمل عليه على البحر.
مع اندماجي في تعاطي الحشيش بدأت الاسرة تلاحظ علي بعض السلوكيات والتصرفات التي كانت تصدر عني.. تصرفات رعناء وهي عادة ما تصدر عن أي متعاطٍ لاي مادة مخدرة.. وهذا مما جعلهم يقدموا إليَّ النصح والتوجيه لعدم الانزلاق في هذا الطريق وتعاطي هذه المخدرات التي حتما ستقودني إلى النهاية.. إلى ما لا يحمد عقباه.
وبشيء من الحسرة.. لكنني بالطبع لم التفت لاي كلمة أو عبارة من عباراتهم.. تجاهلت كل ما يمكن أن يبلغني طريق السلامة.. ولكن لا اخفيكم بعد أن شعرت بالادمان وتورطي في هذا الطريق والهزال الذي بدأت اتلمسه على جسدي.. فكرت في نصحهم وفي كل المخاطر التي من الممكن أن اجلبها على نفسي وعلى اسرتي وأن هناك عقوبة تنتظرني في حالة اذا ماتم القبض علي الا أنه في المقابل كانت هناك رغبة كبيرة تدفعني للبحث عن الحشيش واستكمال خطئي وسيري في هذا الطريق.. ولهذا أقول ليتني استمعت لعباراتهم ونصحهم.. لكن المشكلة لم تكن في الحال التي كنت عليها في عدم توفر الحشيش.. وانما المشكلة تكمن في عملية أو مسألة الانقياد للآخرين والانصات لاغراءاتهم وعباراتهم المغلفة بالكذب والخداع.. وعباراتهم المعسولة لاغراقنا في بحر هذه السموم.. ولا يهمهم سواء نجونا أو ازهقت ارواحنا أو قبض علينا.
أمام الهزال الذي انتابني فكرت بالتوبة.. ولكن يد العدالة كانت أسرع من ذلك.. وتم القبض علي عندما كنت في طريق الملك وأنا أسير بجوار دوار الكرة الارضية.. وكنت مخدراً تماماً نظراً لتعاطيَّ الحشيش اضافة إلى انه كان بحوزتي 2 جرام من الحشيش.. شعرت بالخوف الشديد.. وصعوبة هذا الموقف الذي واجهني لاول مرة.. في حياتي..
بعد القبض عليَّ حسبت انني سوف احول الى السجن.. باعتباره العقاب الذي استحقه.. لكن بعد التحقيق معي وجدت نفسي قد حولت إلى دار الملاحظة الاجتماعية. التي اجدها من الخطوات الايجابية التي اهتمت الدولة بها جزاها الله عنا خير الجزاء.. لتعديل سلوكياتنا بعيداً من الاختلاط مع ارباب السوابق.. لانه في حالة تواجدنا معهم حتى في حالة اذا كانت هناك نواة حسنة في داخلنا.. الا انه حتما ما ستتغير سلوكياتنا.. سلوكيات تعتريها نزعات الشر والانحراف. بينما هذه الدار سوف تساعدنا على تنمية هذه النواة الخيرة في نفوسنا.. ومن خلال وجودي في الدار اشعر بأنني في حاجة إلى المزيد من التطوير والعناية بخدماتها والمنشآت الموجودة بها.
شكراً للجزيرة
نحن نشكركم على اهتمامكم بقضايانا ومشكلاتنا.. ولكن لابد لي أن أقول.. نحن ندفع حياتنا مقابل نزوة المخدرات.. وضياع الكثير من الارواح.. والاموال.. لكن ليتنا نرتدع من هذه القصص.. لتكون عبرة للآخرين والاستماع لنصح وتوجيه الاخرين حتى اذا كان فيه شيء من الشدة والتعنيف الا انه يبقى أفضل من أن يقع الشخص أسير الادمان.. أو بين يدي العدالة وفي النهاية هذه الضريبة الحقيقية مقابل أي ذنب يرتكبه الانسان.. ويتهاون به.. وربما الاستخفاف بعواقبها الوخيمة.
إهدار للوقت
أما الحدث أ.ع.ع.. يبلغ من العمر 18 سنة..
قبل أن احكي قصتي مع المخدرات.. ينبغي علي أن اقول: بأنني أضعت عامين من عمري.. كم فيها من الساعات والثواني؟.. أهدرتْ بسبب الاهتمام بتعاطي المخدرات اكثر من شؤوني الاخرى.. هذه السنوات كما يمكنني أن أقول فيها اهدار كبير للناحية الانتاجية والاقتصادية وعدم الاستفادة منها في طاعة الله أو التحصيل العلمي وهذا ما أردت توضيحه.
أما عن قصتي.. فوالدي متوفى منذ عشر سنوات.. أعيش حاليا مع والدتي والتي تعمل في مجال التدريس واخوتي وباعتبار لا يوجد أي دخل أو مورد مالي سوى الراتب الذي تتقاضاه الوالدة من عملها. الا انه ساعدنا على ادارة دفة الحياة وتمشية الامور.. ازدادت مسؤولياتها وتضاعف الحمل عليها.. لكنها مع هذا لم تتناسَ مسؤوليتها كأم ودورها في تربيتنا التربية الصالحة.. ارادت تنشئتنا بالصورة التي تجعلها تفخر بتربيتنا.. وحتى ان كنا فقدنا الوالد الا انها كانت أهلاً للمسؤولية.
كانت تخاف علينا من نسمة الهواء الطائر حتى في كل عباراتها كانت تحذرنا من عدم مخالطة اصدقاء السوء.. ومع الاسف حتى مع تكرارها لهذه التحذيرات.. ضربت كل نصائحها بعرض الحائط.. انقدت لاصدقاء السوء وبدأت في مخالطتهم تعلمت منهم تعاطي الحشيش قبل عامين تقريباً.
رغم انني لم اتعاط الحشيش بصورة دائمة الا انني ادمنت هذه المادة الى درجة لم أعد استغني عنها.. كل مبلغ كنت أحصل عليه من الوالدة كنت انفقه في شراء الحشيش لم تبخل علي حتى على الرغم من اننا في حاجة إلى هذه الاموال.
شعوري بثقل الحمل على والدتي جعلني أفكر في التراجع عن الاستمرار في هذا الطريق.. وتأخرت في ذلك.. كنت استمتع بتعاطيها.. لكن في حالة عدم حصولي عليها كنت انام كثيراً وتنتابني حالة من الصداع الشديد.
وبشعور الانسان المذنب يقول: لم أفكر في العقوبة التي من الممكن أن اتعرض لها.. الا ان الشر والانحراف الى هذا الطريق لم يعمر طويلاً.. اثناء تواجدي عند سوق محمود سعيد اوقفتني سيارة الشرطة.. والقت القبض علي بعد تفتيش سيارتي ووجدت بحوزتي جرامين ونصف الجرام من الحشيش.. نعم الكمية قليلة الا أن عليها محكومية.. عندما تجمع الناس من حولي كما هي عادتهم المعهودة.. شعرت بالخجل والخوف والفزع الشديد.. رغم أن نظراتهم كان فيها شيء من الاشمئزاز وفيها شيء من التساؤل عن الاسباب التي دفعتني إلى ذلك.. الا نني كنت اخشى مواجهة والدتي.. ولابد لي من ان اتألم لانها كانت تبذل قصارى جهدها وتوفيرها لكل احتياجاتنا وعدم اشعارها لنا بان هناك اية نواقص او باننا اقل من الآخرين.. كانت كل طموحاتها بأن ترانا كبارا لمساعدتها في حمل هذه المسؤولية.
لكنني بهذا التهور بددت كافة احلامها.. وتمزقت تلك الصورة الجميلة التي كانت تتطلع اليها لتعويضها عن قسوة هذه السنوات العصيبة.. صدقوني لم أنس عمق الجرح الغائر الذي سببته لها.. وتلك الدموع التي ذرفتها عند مشاهدتها لي وانا على هذا الحال بعد التحقيق معي تم تحويلي الى الدار التي انا فيها.. بعد شهرين من وجودي بها تحررت من الصداع والدوخة والرعشة التي كنت اعاني منها.. جعلتني أنسى تعاطي هذه السموم أو التفكير في العودة إليها.. استفدت من كافة البرامج الدينية والثقافية والاجتماعية.. التي سيكون لها ابلغ الاثر بمشيئة الله في عزمي على التوبة.
ربما اطلت في الحديث عن معاناتي او قصتي.. الا اننني احملكم مسؤولية نشر رسالتي التي اوجهها الى كل اب وام.. وأقول لهم فيها: ارجوكم عدم الانقياد لرغبات ابنائكم وعدم اعطائهم مبالغ كثيرة تفوق احتياجاتهم.. ومراقبتهم.. والتعرف على اصدقائهم وما اذا كانوا أصدقاء سوء او صالحين. لان اي اهمال قبل ان يسيء لسمعتكم سوف يقضي على حياة ابنائكم ومستقبلهم.. هل يقبل احدكم سماع بعض العبارات القاسية ومنها كأقل تعبير (ما شفتوا ولد العيلة الفلانية قبضت عليه الشرطة لانه مدمن). بل والكثير الكثير من العبارات التي ستخلف جروحاً غائرة.. اضافة إلى نظرة المجتمع للفرد المدمن وتلك العقبات التي سيواجهها حتى بعد التوبة.. والابواب التي سترصد امامه.
أنا والمدينة الصاخبة
اما هذا الحدث فرفض ان يعرفنا باسمه ليقول من جانبه اعتقد ان الاحرف الاولى من اسمي لن تفيدكم في شيء.. بقدر ما أن قصتي أو حكايتي تعتبر هي بيت القصيد الذي يمكنكم الاستفادة منه في ايصال رسالتكم من اعدادكم لهذا التحقيق..
انا ابلغ من العمر 18 سنة وادرس حاليا بالصف الاول المتوسط.. كنت اعيش مع اسرتي في احدى قرى المملكة الا اننا نظراً لبعض الظروف انتقلت للعيش مع عمي في مدينة جدة.
بعد قدومي إلى جدة .. وجدتها مدينة صاخبة تحيط بها الكثير من المتغيرات التي اضافتها لها تلك الجنسيات الكثيرة من العمالة الوافدة.. بعكس تلك القرية الهادئة التي كنت اعيش فيها.
وباعتبار انني متواجد مع عمي لم يكن يوجد هناك من يحكم سلوكياتي وتصرفاتي.. وعدم وجود الرقابة الرصينة التي تحسب خطواتي.. وبما أن عمي كان مشغولا عني بعمله.. اتجهت إلى المخدرات.. وتعاطي الحبوب المنشطة والحشيش.. كان ذلك عن طريق شخص من الجنسية اليمنية يعمل لدى عمي.. اغراني بالمخدرات وكل ما اطلبه منها كان يوفره لي هذا العامل.. لكنه مع هذا كان يتمنع احياناً وعدم توفيرها لي.. ورغم الفترة البسيطة التي ادمنت فيها هذه المخدرات كانت تنتابني حالة من الطفش والزعل والاحساس بالضيقة.
كل هذا وعمي لا يدري بأنني اتعاطى المخدرات بعد ستة اشهر من اندماجي في هذا العالم المليء بالمفاجآت كما يمكنني أن اطلق عليه.. اثناء عودتي انا واحد الاشخاص من البحر وعند نقطة التفتيش.. تم توقيفنا حسبنا ان الامر سيمضي على خير.. على الرغم من كمية الحشيش التي كانت بحوزة الشخص الذي انا برفقته.. لكن نظراً لارتباكه والخوف من ان يفتضح امره.. مما ضاعف شكوك رجل الشرطة الموجود عند نقطة التفتيش.. وبعد أن تأكدت هذه الشكوك بالحصول على كمية الحشيش.. القي القبض علينا..
وبعد برهة من السكوت عاد ليواصل حديثه.. آنذاك وفي هذه اللحظة بالتحديد لم اتمكن من نفي عدم مشاركتي له في هذا الجرم.. لان وجودي معه في السيارة وضبط كمية الحشيش معه لن يسقط عني هذه التهمة بعد الانتهاء من المحاكمة والاجراءات التي تعقبها.. تم تحويلي إلى دار الملاحظة الاجتماعية التي أنا فيها الآن.
من الحارة
الحدثث.م.أ.. يبلغ من العمر (15 عاماً) ويدرس بالصف الثاني متوسط بمدرسة الدار.. يعيش مع والديه.. ويأتي ترتيبه السابع من بين اخوته البالغ عددهم (13 من الذكور) يقول: على الرغم من أن مواردنا المالية قليلة للغاية التي تتوفر لنا من بيع والدي لبعض الاغنام التي يقوم بتربيتها ومع هذا الوضع الاسري البسيط المتواضع وامام العدد الكبير من الانفس ما شاء الله تضاعفت الاعباء على والدي لاننا اصبحنا في عصر يصعب فيه تلبية طلبات هذا العدد لاعتباره يفوق امكانيات وقدرات والدي المادية.
طلبات بسيطة ولكنها تحتاج إلى المال الكافي لاطعام هذه الافواه.. وتوفير الملابس اللازمة.. لا أرغب في أن اخوض في الحديث عن هذه المشكلة باعتبارها تمثل معاناتنا الخاصة.لكن شأني شأن أي طفل أو صبي في مثل سني كان لي عدد من الاصدقاء في الحارة كنا نلعب سويا ونتجاذب الحديث مع بعضنا البعض في وقت الفراغ.. من خلال معاشرتي لهم وعلاقتي بهم كنت اشاهدهم يتعاطون الكالونيا المسكرة واجدهم يستمتعون بشربها.. لم أفكر يوماً بأنني سوف انساق معهم في هذا الطريق.. لكن كما يقول المثل من عاشر القوم اربعين يوما صار منهم، وباعتبار أنني كنت من اصدقائهم المقربين تعلمت منهم تعاطي الكالونيا لم أكن اتعب في الحصول عليها لانها كانت تتوفر لي عن طريقهم..
اسمتررت لمدة 6 شهور معهم بدون أن يكون للاسرة أي دراية أو علم باتجاهي لهذا السلوك المشين كما اعتبره وعن كيفية القبض عليه يقول:
لم اعمر طويلا في هذا الطريق معهم لانه في احدى الليالي بعد عودتي من اصدقائي وبدلاً من الذهاب إلى منزلنا ذهبت لبيت جدتي.. الا انني مع الاسف كنت في حالة سكر تام وفاقد للتوازن.. وعلى الرغم من انني كنت احرص دائما على عدم اتاحة الفرصة لاي احد لمشاهدتي وانا على هذه الحالة.. الا ان احد اقاربي بعد مشاهدته لي وانا على هذا الوضع ابلغ عني.. ولم أعِ الا ورجال الشرطة وهم يلقون القبض علي.
وقبل انتقالي إلى قسم الشرطة تجمع اهل الحارة وافراد اسرتي من حولي انتابهم شيء من الذهول وجدت منهم من يؤنبني.. ومن يطرح علي تساؤلاته عن اسباب هذا التصرف.. ومنهم من يصرخ باعتبار انها المرة الأولى التي اتعرض فيها لمثل هذا الموقف.. شعرت بالخوف.. وارتعدت اوصالي.. بعد ذهابي إلى قسم الشرطة افقت من الوضع الذي كنت عليه.. احسست كم انني مستهتر لمجاراتي هؤلاء الاصدقاء لفتني سحابة من الحزن لانني اسأت لسمعة اسرتي وخصوصاً أمام ظروفنا الصعبة التي نعيشها.. حتى تطلعاتها لم تتجاوز حدود الدخل الذي كان يوفره والدي لنا.
الفصل الاخير
بعد اسدال الفصل الاخير من انحرافي الى هذا الطريق رافقني والدي وبعض الاقارب إلى الشرطة للتحري عن الوضع ومعرفة نتيجة التحقيق.. الذي تم تحويلي بموجبة بعد ذلك إلى هذه الدار.. وكانت هي بمثابة تجربة بالخير لتعديل سلوكياتي.. والتعود على الانضباط خاصة مع وجود المدرسة الموجودة بداخلها.. وستمكننا من مواصلة تعليمنا.. الى جانب الانشطة الرياضية والخدمات التي تقدمها لنا.
وهذا مما يجعلني عازم على عدم العودة إلى تعاطي الكالونيا أو أي نوع من المسكرات أو المخدرات أو مجاراة هؤلاء الاصدقاء أو غيرهم.. وانما ينبغي تخير الاصدقاء الذين يعينونني على الخير.. والابتعاد عن الشر وهنا تبرز القيمة والمعنى الحقيقي لهذه الصداقة.
ظروفنا قاسية
الحدث م.أ.ب.. كان يمثل آخر نموذج من هذه القضايا يبلغ من العمر 17 سنة.. ويدرس بالصف السادس الابتدائي وهو يعيش مع والده ووالدته وزوجة والده.. ويأتي ترتيبه الرابع بين اخوته الذكور والاناث البالغ عددهم 12.
والده يعمل سائق في احدى الشركات الوطنية الا أن وضعه الاقتصادي والمادي لا يكفي لإعالة هذه الاسرة الكبيرة.
يقول الحدث: ظروفنا القاسية التي شرحتها لكم بدأت بالبحث عن مورد آخر يعينني على المساهمة في تغطية جزء من طلبات واحتياجات اسرتنا الكبيرة.. بعد التقصي عرفت من خلال بعض الاشخاص في الحارة التي نعيش فيها أن (بيع العرق المسكر) يدر الكثير من الارباح اغراني هذا الطريق وبدأت في المتاجرة فعلاً في العرق كان ذلك قبل عام تقريباً عندما كنت في السادسة عشرة من عمري..
في البداية كنت اشتري (العرق) من بعض الاموال التي سبق وان وفرتها من عملي كحارس للامن في احدى الشركات.. وبعد انهاء خدماتي كان لابد لي من البحث عن عمل آخر.. ولم أجد سوى بيع هذه المادة.
كنت اتعامل مع الباعة الكبار.. وشراء القارورة منهم بقيمة خمسين ريالا.. وبيعها على الطريق العام في شارع غليل بقيمة 100 ريال للقارورة الواحدة.. كان يتردد علي زبائن كثار وباعمار مختلفة.. لم افكر بالتحقق من هوياتهم أو جنسياتهم.. لان كل ما كان يهمني من عملية البيع هو الربح. تضاعف عدد زبائني.. وهذا مما جعل كل تفكيري منصباً في المزيد والمزيد من الارباح.. لم افكر اذا كانت هناك عقوبة تنتظرني أو غيرها.. كنت اخطط في المستقبل لكن تبددت كل هذه الاحلام وطارت الطيور بأرزاقها. عندما القي القبض علي في شارع غليل.. لان احد الزبائن الذين قمت بالبيع لهم كان من افراد البحث ربما كانت هي قارورة واحدة.. الا ان ثمنها كان باهظاً يفوق كافة الارباح التي جلبتها من بيع العرق. صدر الحكم بحقي لمدة 6 اشهر وتم تحويلي إلى الدار شعرت في هذه اللحظة بالندم والاسف لان هذه المحكومية لها تبعات. وكما شعرت بالندم شعرت انني في حاجة ايضا لمن أسند رأسي على صدره.. ولكنني لم اجد امامي سوى رجال البحث الجنائي.
انني اتوجع لان دخولي ولو حتى الى الدار سيكون بصمة سوداء في حياتنا.. وسيكون له الكثير من الآثار السلبية.
لهذا ينبغي علي أن اقول.. يجب علينا معشر الشباب تجنب المزالق الخطرة والممنوعة.. وعدم الانقياد الى تلك الارباح المادية أو حتى تعاطيها.. علينا المحافظة على الصلوات وشعائرنا الدينية وهذه هي الحياة الحقيقية التي ينبغي أن نشعر بقيمتها ونتذوق حلاوتها.. والبحث عن الربح الحلال.
والدار كانت بمثابة بارقة أمل منحتني الفرصة لمواصلة دراستي واعطتني القدرة للتفكير بالتوبة والبحث عن عمل شريف بعد خروجي منها.
|
|
|
|
|