| محليــات
حكمة مخاطبة النَّاس على قدْر عقولهم... حكمة بليغة ليست فقط الدَّليل الأول على النَّهج التَّربوي المبكِّر الذي جاء على يد خير خلق الله محمّد بن عبدالله صلى الله وسلَّم عليه وعلى آل بيته وصحابته ومن تبعهم واهتدى بهديهم، بل إنَّها الدَّليل الأقوى على أسبقية التَّربية الإسلامية للعلوم التَّربوية الحديثة، التي يعوج لها العرب ألسنتهم، ويتباهون... «فالفروق الفردية» مصطلح تربوي لا يخفى، بل لا يغيب عن ألسنة التَّربويين في كلِّ مرَّة يقفون فيها إلى تلاميذهم، أو يلقون فيه أنشطتهم البحثية، أو يؤكِّدون على العناية بها لبلوغ أهداف التَّعليم للإنسان على اختلاف قدراته، وإمكاناته، ومؤهلاته الفطرية... والإ...، والإ...، ...
فمخاطبة النَّاس على قدْر عقولهم،
وعقول النَّاس ما كان الحد بين ما يعْقله المرء مقتدراً على الإلمام به، والتَّعامل معه، أو ما لا يعْقله، عاجزاً عن ذلك...
و«القدْر» في ذلك يعيِّنه من يخاطِب...، ومن يخاطَب هو أيضاً له قدْر «لعقله»، ومن ثمَّ فله قدرة محدودة بحدود ما هيأها لها خالقها...، فهو الذي يخلق... وهو الذي يوزِّع الأرزاق، والأرزاق ليست وحدها ما يأكله، وما يشربه، ما يلبسه، وما يملكه، ما... وما... وإنَّما الأرزاق أيضاً: هي العقل، والشِّعور، والإحساس، والقدرة على التفكير، وما يرتبط بمهارات الإنسان الذاتية...، ومن ضمن الأرزاق: قدْر العقل...، وبقدْر العقل يكون نصيب الإنسان من الحياة في الجانب الذي يملك فيه زمام الأخذ بأسباب النَّجاح فيها...
من هنا... فإنَّ من يخاطِب ليس هو فقط من يتحدَّث قولاً، بل هو أيضاً من يتحدَّث فعلاً، ومن يعمل، ومن يكتب، ومن يرسم، ومن... ومن... حتى ذلك الذي يشير... فالمخاطبة هي في الحدِّ الأدنى من الدلالة «الإيصال»... والإيصال لمعنى أياً كان هذا المعنى... هو تواصل مع الآخر...، وليس الآخر هو الآخر، فكلُّ آخر له قدر من العقل يتعيَّن معرفته كي يتمَّ التَّواصل في ضوء هذه القدرة...، وإتمام التَّواصل في ضوء القدرة يعني «الانتقاء» لكيفية، ونوعية أساليب التَّواصل، وعمق، وحجم، وبُعْد الدلالة المراد إيصالها...، بالطريقة المناسبة لقدْر العقل لدى المخاطَب... وهي ليست عملية صعبة، أو مستحيلة...، وإنَّما هي تتطلَّب وعياً بها، وقدرةً عليها، وأوَّل درجات الوعي بها، معرفة «حجم» قَدْرِ عَقْلِ مَنْ يُراد خطابه.
كما أنَّ أوَّل مستويات القدرة عليها، معرفة الأسلوب، أو الوسيلة المناسبة، للوصول إلى ذلك القَدْر من عقل المخاطَب، وهذا لعمري ما يفعله المربُّون الآن...، مع أنَّهم يتفاوتون في وعيهم، وقدراتهم في المعرفة، وفي الوسيلة...، تلك المعرفة بأقدار عقول النَّاس، وبالوسيلة المناسبة، للوصول إليهم، عن قَدْر عقولهم...
لذا... نجد أنَّ كلَّ من يخاطب الآخر...، بأيِّ نوع، من أنواع الخطاب...، يفشل في تحقيق الهدف من خطابه...، إن لم يُخاطب الآخر على قَدْر عَقْله، وإنْ لم يكن هو ذاته، يعي، ويدرك قَدْر عقله الخاص...، كي يحسب خطواته، في معرفة قَدْر عقل غيره...
إنَّها عملية تحتاج إلى تأمَّل...، في عمق، ومستوى حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم...، ومن ثمَّ هي إثبات، له حجَّته، على من يدَّعي أسبقية علماء التَّربية المعاصرين من «الأجانب» الذين توسم بهم كافَّة «أمور» «حقائب التربية»!!!...،
وإنَّها من بعد، ومن قبل...
تتطلَّب التَّفكُّر، في الهدف منها...
فعلى كلِّ مخاطِب،
بالقول... بالفعل... بالإشارة...
قبل أن ينطق شفاهةً، أو كتابةً، أو حركةً...
وقبل أن يتحرَّك،... أداءً...، على أيِّ نوع منه...
وقبل أن يُشير، بأيِّ نوع من الإشارة...، صمتاً، أو نطقاً،
أو حركة
أن يسأل: ما هو قَدْر عقول من أخاطبهم...
وإنْ هو استأنس في نفسه قدرةً، ووعياً، بهذا الحكم...
فليخاطِب... ولسوف يكون له صدى...، حين تتناسق منظومة الإرسال، والاستقبال...، ويتحقَّق من نجاح مقاصدَه عن قوله، أو فعله، أو إشارته... وإلاّ... فإنَّ انفصاماً سوف يظلُّ...، كما هو قائم...، في حياة النَّاس...، غالبية النَّاس
لأنَّهم...، لا يخاطبون بعضهم على قدر «العقول»...، عقولهم...!.
|
|
|
|
|