| الاقتصادية
في المقال السابق، انتهينا الى ان نظام الوكالات التجارية واللائحة التنفيذية تضمنتا نصوصا واضحة تكفل حماية المستهلكين وتحقيق الصالح العام، من حيث الزام الوكيل بالصيانة والامداد بقطع الغيار في السلع التي تحتاج لذلك، وضمان جودة هذه القطع، مع تنفيذ ذلك في المدة القانونية، وضرورة ان يكون ذلك بالأسعار المعقولة، وطبع بيانات الوكالة التجارية على كافة أوراقها ومستنداتها مع ضرورة بيان التزامات الوكيل والأصيل المتبادلة، وبالنسبة للمستهلكين،
وبالنسبة للوكالات الحصرية، وهي جائزة طبقا للنظام، فقد أقمنا الدليل على ان المنافسة مكفولة مع وجودها، حيث من الجائز قانونا ان يشتري أي مستورد نفس البضاعة موضوع الوكالة الحصرية ويبيعها في السوق، حيث لا يوجد أي نص يحظر التعامل في هذه السلعة وقصره على الوكيل الحصري، وبالتالي، فلا وجود للاحتكار، ولا ابرام «عقود إذعان» يبرمها الوكيل الحصري بشروط لا تخضع للتفاوض،
وفي هذا المقال، نعالج علاقة الوكالة التجارية بالاقتصاد الوطني،
أثر الوكالات التجارية في الاقتصاد الوطني:
تبرم الوكالة التجارية بهدف ادخال سلعة أو خدمة في سوق معين، وإما لتنشيط وترويج سلعة معينة موجودة أصلا في السوق، وبذلك تساهم الوكالات التجارية في تنشيط الاقتصاد الوطني، والاضافة الى الدخل الوطني، وخلق فرص عمل جديدة بإنشاء الفروع والمراكز والفروع وورش الصيانة، ومخازن لقطع الغيار،
ومن ناحية أخرى، فإن الوكالات التجارية من شأنها تشجيع المنافسة المشروعة، حتى لو كانت وكالات حصرية، وإذا نظرنا الى السوق، نجد ان هناك عشرات ومئات الأنواع من الأجهزة الالكترونية والمعدات والسيارات وأجهزة الاتصالات والبضائع المختلفة، فكل سلعة يوجد مثلها في السوق بالعشرات مصنعة في دول ومناطق مختلفة، وانشاء وكالة تجارية جديدة ولو كانت وكالة حصرية، يوجد مجالا أكبر أمام المستهلكين لاختيار الأجود والأرخص من السلع المتماثلة المطروحة في السوق، وبالتالي تتنافس الوكالات التجارية في تقديم السلع والخدمات بأفضل جودة وأقل الأسعار لجذب المستهلكين وكلما كانت الوكالة الحصرية ذات مركز اقتصادي قوي، افتتحت الورش وانشأت المحال والفروع في أنحاء المملكة، وهو ما من شأنه اتاحة فرص عمل لآلاف العاملين من مختلف التخصصات المهنية والحرفية، ويشمل ذلك الاقتصاديين والقانونيين والمحاسبين الذين تحتاجهم هذه الوكالات في أعمالها الداخلية والدولية،
وهناك نوع آخر من الوكالات الخاصة بالتكنولوجيا المتقدمة (High Tec، ) تحتاج لها البلاد في مجال الانشاءات الكبرى وفي مجال الاتصالات والمعلومات ولا تصلح لها إلا الوكالات الحصرية الكبرى، التي تكون لها قدرة فنية ومالية كبيرة، ويؤيد ذلك اتجاه الدولة الى اسهام القطاع الخاص في الجزء الأكبر من التنمية، حتى تتفرغ الحكومة للشأن العام والمصلحة العليا،
وطبقا لقانون العرض والطلب في الاقتصاد، كلما زاد العرض مالت الأسعار الى الانخفاض، وهو في مصلحة المستهلكين، مما يدعو الى تشجيع انشاء الوكالات الكبرى، فكلما زاد عددها، زاد تنافسها لصالح المستهلكين، وبالنظر الى الوكالات الكبرى العاملة في المملكة منذ عشرات السنين في مجال السيارات ومركبات النقل الثقيل، ومجال الاتصالات، والأجهزة الالكترونية، ومضخات المياه وغيرها، لو توفرت لنا احصائية دقيقة عنها، لتبين لنا عدد فرص العمل التي اتاحتها للعاملين، والاضافة التي حققتها للدخل الوطني المتمثل في أجور العاملين، وهو ما ينسجم مع خطة الدولة في مكافحة البطالة، وهو هدف له الأولوية في الاقتصاد الوطني،
والوكالات الكبرى تساهم في زيادة التعاون بين المملكة والدول الأخرى ورجال الأعمال من الجانبين، فرجال الأعمال الأجانب يحتاجون الى خبرة رجال الأعمال السعوديين في السوق ولا يستطيعون التعامل مع السوق مباشرة، ورجال الأعمال السعوديون يتيحون الفرصة أمام آلاف الوظائف بالمملكة من خلال الوكالات، ويحققون الأرباح المشروعة الناجمة عن اجتهادهم وعملهم الدائب على ترويج السلع والخدمات الحديثة في السوق، وكل هذه منافع متبادلة تعود بالفائدة على رجال الأعمال وعلى العاملين وعلى الدخل الوطني في مجموعه،
وتتطور الوكالات التجارية على مدار السنين، حيث تبدأ وكالة في بيع وترويج صناعات معينة تستوردها، ثم في مراحل لاحقة، يبدأ انشاء مشروعات مشتركة صناعية، حيث تنشأ المصانع الوطنية، وهو هدف ممتاز فيه تشجيع لإنشاء المصانع الحديثة، مما من شأنه استفادة الخبرة الوطنية من الاخصائيين الصناعيين الأجانب، واتاحة المزيد من فرص العمل للمهندسين والعمال السعوديين، وزيادة الدخل الوطني، والانتقال من مرحلة بيع السلع المصنعة في الخارج الى مرحلة صناعتها في المملكة، وهو ما من شأنه ايجاد نهضة صناعية، وموارد اقتصادية مضافة الى موارد البترول، وهو هدف تسعى لتحقيقه المملكة ودول الخليج عامة،
وما دامت الوكالات التجارية بعيدة عن الاحتكار، وهو الوضع حاليا طبقا لنظام الوكالات التجارية واللائحة التنفيذية، فالأفضل تشجيع انشائها، لما تحققه من مزايا اقتصادية عامة، علما بأن هذا النظام نص على قواعد تنظيم عمل الوكالات تنظيما دقيقا، ربما يكون فريداً بالنسبة للقوانين النظيرة الأجنبية الأخرى، حيث يخضع عقد الوكالة لمراجعة دقيقة من المسؤولين في سجل الوكالات التجارية بوزارة التجارة، للتحقق من استيفائه للشروط التفصيلية التي نص عليها النظام حماية للصالح العام وللمستهلكين،
وقد نصت اللائحة التنفيذية على عدم جواز العمل كوكيل تجاري إلا لمن قيد في سجل الوكالات، حيث تدوّن معلومات العقد في السجل، ونصت اللائحة التنفيذية على إلزام الوكيل بعد القيد في سجل الوكالات التجارية بالتقدم الى السجل التجاري الأصلي بشهادة قيده في سجل الوكالات، للتأشير بذلك في موقعه بالسجل التجاري،
وبذلك يكون من حق كل شخص ان يتقدم الى السجل بطلب شهادة تفيد قيد الشركة أو المؤسسة كوكيل تجاري، كضمان للمستهلكين والتجار بالتأكد من الوكلاء المسجلين والتمييز بينهم وبين من يدعون انهم وكلاء دون القيد في السجل، وفي ذلك ضمانة أكيدة لصالح المستهلكين ولصالح التجارة عامة،
وتتيح الوكالات التجارية الفرصة أمام استعمال العلامات التجارية المشهورة في البضائع والخدمات موضوع الوكالات، حيث ينص عقد الوكالة عادة على ترخيص يمنح للوكيل باستعمال العلامة التجارية للشركة الأصلية، وعلى التزام الوكيل بتسجيل هذا الترخيص في سجل العلامات التجارية، وفي ذلك ضمانة أخرى للمستهلكين، بالتمييز بين البضائع التي توضع عليها علامات تجارية مزيفة، وبين تلك التي توضع عليها العلامات الأصلية، وهو ما من شأنه مكافحة الغش وتزييف العلامات التجارية، وهو أمر منتشر عالميا،
والخلاصة ان للوكالات التجارية عامة وللوكالات الحصرية فوائد متعددة، وتحقق صالح المستهلكين ورجال الأعمال والدخل الوطني، وتتيح فرص العمل لآلاف الشباب،
ونتوقع بعد انضمام المملكة الى اتفاقية منظمة التجارة العالمية، ان تستمر أهمية الوكالات التجارية وليس الى كسادها، حيث ستستمر حاجة الشركات والمصانع الأجنبية للوكلاء الوطنيين الذين لديهم الخبرة الدقيقة بالأسواق، وهو أمر لا يتوفر لهذه الشركات الأجنبية، فكل من الجانبين يحتاج للآخر بما يحقق مصلحة لكليهما،
|
|
|
|
|