| مقـالات
الإرهاب إفساد في الأرض وشر لابد للبشرية من التعامل معه ومعايشته كظاهرة تتمثل في العنف الخارج من اطار الشرع والأنظمة المرعية التي تحكم حياة الناس، والعنف صفة لأشرار الخلق وهو رافد دائم للصراع الأزلي بين الخير والشر، وستكون الغلبة للخير لأن الباطل زهوق والحق ابلج وقد ورد في الآية الكريمة من سورة المائدة «من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».
ولقد عاصرتْ مسيرة الاسلام الخالدة منذ بواكير عهدها صراعات الفتن والارهاب وتجاوزات الخوارج والمنافقين والردة حتى أدت لإزهاق أرواح بريئة من خيار المسلمين عندما كانت الخلافة الاسلامية ترفل في مجد ايامها وعنفوانها فراح ضحية العنف والارهاب كل من الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه.
واذا كان تعريف الارهاب شرعا هو القتل والتخويف والترويع وسلب ممتلكات الآمنين دون وجه حق فهذا يعني انه لامبرر لاعتماد العنف وسيلة لبلوغ غاية مهما كانت الدوافع والاهداف.
ولا مجال لممارسة عنف يلحق الضرر بالآخرين دون وجه حق.
ان الاحتكام للشرع في تعريف الارهاب وتوقيع مايردع من عقوبات لمقترفي العنف هو الخير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو غاية العدل لإشاعة الأمن في المجتمع.
ان تبني البعض وسائل التعامل باساليب الغدر وقوانين الغاب التي يتحكم عبرها القوي على الضعيف هضما للحقوق يمثل العوده بالبشرية التي كرمها الله بين سائر مخلوقاته الى العصور الحجرية الوسطى وعهود التخلف التي تجاوزها التاريخ وعفا عنها الزمن ولايقر ذلك شرع ولا تسنده قوانين وضعية في عصرنا الراهن حيث حلت بديلا عنها للتعايش السلمي والتعامل بالحسنى كمحاور انسانية ومضامين ومعاني سامية تعلو ولا يعلى عليها والله جلت قدرته يقول في محكم تنزيله «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم» ويقول اصدق القائلين «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان» والرسول الكريم يقول في الحديث الشريف «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه» واستنادا لما ورد فان إلصاق وتوأمة الارهاب بالاسلام جزافا لايستقيم وعراقة العقيدة الاسلامية وستظل تمثل نظرة قاصرة لان الامة الاسلامية خير امة اخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر والقوانين الالهية هي التي امرت بالقصاص والحدود الشرعية التي شرعت لردع القاتل والمفسد في الارض لتأمين الحياة والاستقرار وصون الحقوق للآخرين، والغرب لم يتمكن حتى الآن من بسط العدالة بين سكان العالم رغم قوانين حقوق الانسان التي ترعاها المنظمات الدولية.
ان تسمية ماتعرضت لها الولايات المتحدة الامريكية في سبتمبر الماضي بانها صراع حضارات افتراءات جائرة وتجن فاضح يمس سماحة الاسلام التي تحتم الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن لان الله جعل المسلمين امة وسطا ليكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيداً فالقيادة الرسالية والقدوة الروحانية تتمثل في علماء المسلمين قدرا ومصيرا لن يحيدوا عنه الى ان يرث الله الارض ومن عليها وهي العقيدة الاسلامية الصالحة ومواكبة لكل زمان بالقيم الرفيعة التي تسمو فوق الضغائن والاحقاد والغل المقيت ولن تكون معايير الغرب عبر قلة نشاز من مجتمع متصارع ومتنافر بالتظالم في غياب العدل ارتكبوا فظاعة التفجيرات التي اودت بارواح الآلاف لن تكون مبررا لاتهام المشرق المسلم باعتبارها صراع حضارات بل ان منحى الغرب يؤكد بما لايدع مجالا للشك أنها مناهضة للمسلمين سعيا لاستغلال ظروف الاحداث المتلاحقة لنشر الاحقاد الدفينة وبث السموم وكشف نوايا الغرب الحقيقية والنيل من مجتمع الفضيلة الاسلامية لتحقيق مآربه والمضي قدما لبسط مصالحه على العالم.
إن الذي يحز في النفس هو الجمود والفتور والتباين المحير الذي صاحب ردود الفعل الاسلامية التي تعاملت مع الظاهرة بعد الاحداث الاخيرة من شجب واستنكار ومواساة وتعازي وادانة وهي ردود فعل لم تعبر عن اجماع امة المسلمين في التعريف وكيفية المكافحة لظاهرة الارهاب وهي تمثل اتجاهات نابعة من تباين مواقف الانظمة والدول الاسلامية حسب الرؤى والمقاصد الخفية والمعلنة مما حال دون بروز موقف اسلامي موحد من الاحداث والتعاطي معها في ظروف نكتنفها التعقيدات والضبابية المعتمة و الامة الاسلامية تعيش مفترق طرق في مسيرتها الخالدة، وكان الامر يستدعي حضورا قويا وفاعلا للثقل الاسلامي العالمي فتفرق المسلمون بدلا عن ذلك.. وبعض الدول والانظمة الاسلامية هرعت لامريكا وبعضها ايد وبعضها وافق وقلة طالبت بتوحيد المعايير لتعريف ظاهرة العنف والارهاب في العالم واخرى وجدتها سانحة لتصفية حسابات او تحقيق اطماع ذاتية ومكاسب اقتصادية او مادية وغيرها حاولت طمس بعض نزاعاتها الداخلية المزمنة في خضم الصراع العالمي المتأجج في حالة فقدان تام لتوازن القوي على الساحة الدولية.
في غياب التوحد والثقل الاسلامي وجدت امريكا المكلومة ضالتها المنشودة لتفرق وتسود العالم فأعلنت في غمرة ذهولها وجنونها من التفجيرات المدمرة على ارضها التي هزت وعصفت باركانها وأصابتها في مقتل وباغتت العالم بقيام تحالف بزعامتها لمحاربة الارهاب وخلع جذوره من العالم باكمله وعرفت الارهاب على هواها وحددت وسائل استئصاله كظاهرة افزعتها حسب مايروق لها ويرسخ هيمنتها ثم انقضت على فريستها افغانستان المنهكة بصراعاتها المزمنة واقتلعت الطالبان من معاقلها وشتتت شمل القاعدة في رابعة النهار والعالم يسمع ويرى فسقط الابرياء صرعى ولازالوا والعالم الاسلامي منقسم في سبات دون ان يعير المستجدات المحتملة في افغانستان وما حولها والعالم من بعدها وغابت القراءة الصحيحة لابعاد للاحداث رغم ان هنالك انظمة اسلامية كانت على علم مسبقا بما تنوي امريكا في مستقبل مابعد الطالبان.
وتدرك ان حملة بهذه الضخامة وماتترتب عليها من الانفاق على العتاد الحربي والخسائر المادية المصاحبة للحملة ليست بغرض اسقاط الطالبان وابادة القاعدة فقط، بل وراءها مقاصد تعنيها امريكا ومن داروا في فلكها تماما، والتلميحات بانتقال المعارك ضد الارهاب لدول ومواقع اخرى بالعالم ربما تكون عربية او اسلامية تؤكد وجود مخطط غربي مبهم ذي ابعاد واهداف ربما تقود العالم بأكمله لمتغيرات جذرية لايعرف مداها إلا الله.
ان توحيد الصف الاسلامي قادة وانظمة وعلماء وفقهاء وتفعيل دوره اصبح ضرورة قصوى لكبح جماح التحركات الغربية التي تطلق يدها في العالم دون معايير محايدة او استقطاب يترجم قناعة العالم وذلك لإحداث توازن يعيد الامور لنصابها حتى لايتمادى الغرب في تجاهل المعسكر الشرقي المسلم كما هو ماثل للعيان في مواقف الغرب عامة وامريكا بصفة خاصة حيال مايجري بفلسطين من عربدة اسرائلية ارهابا بأبشع صوره لأكثر من نصف قرن والدولة العبرية العدوانية المثل والاعراف دأبت على نقض كافة العهود والمواثيق الدولية والثنائية تحت مظلة الفيتو الامريكي تغتال الابرياء غدرا وتزهق الارواح وهي تعيث ترويعا وسلبا وتخريبا وتدمر حتى مقرات وادارات السلطة الفلسطينية و كوادرها..
إنه ارهاب الدولة القادرة على البطش و العنف برعاية امريكية معلنة وبآلة امريكا الحربية المتطورة.
ان مايدور بالعالم اليوم يتطلب موقفا قويا وفاعلا من الامة الاسلامية لان فلسطين جزء من جسدها واذا تداعى له عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي.
واصبح واجباً مقدسا التصدي لمعايير امريكا الجائرة التي تبيح الارهاب في فلسطين وتحرمه فيما سواها من العالم ان الدول الاسلامية والعربية هي التي عانت وما انفكت من ظاهرة الارهاب ودفعت الثمن الغالي من الانفس ومن مواردها حتى تعطلت مسيرة بعضها بسبب الارهاب، اذا كيف يقف المسلمون مكتوفي الايدي حائرين عاجزين عن تقديم شيء وشريعتهم السمحاء هي التي تحرم العنف والارهاب ووضعت العقوبات الرادعة الكفيلة بالحد منها ومكافحتها بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
المسلمون واجمون يتفرجون والغرب غير المسلم يبادر لتعريف الارهاب ومكافحته رميا بالاسلام في حين تتعرض المملكة العربية السعودية مهبط الوحي ومعقل المسلمين للهجوم الاعلامي الغث غير المبرر بل للنيل من المملكة العربية السعودية دولة الاسلام التي تتمسك بثوابت العقيدة التي اسست عليها ولانها جاهرت بمطالبة امريكا لتوحيد معاييرها حول الارهاب بدلا من الازدواجية التي تمارسها حيال نضال الشعب الفلسطيني العادل ضد تسلط اليهود وعدالة القضية الفلسطينية في جلاء اسرائيل عن ارضهم لاقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس هي من ثوابت السعودية دوحة المسلمين وقبلتهم ولن تحيد عنها مهما علا صوت الاعلام الغربي ضدها.
ان العالم الاسلامي لن يجد الاعتبار وينعم بالامن المنشود ويرقى لمدارج الرسالة المحمدية السامية ويلعب دوره كمحور فعال وهام في المسار العالمي الا بنبذ التشرذم وتبني صحوة عارمة للاخذ بزمام الامور تضامنا وتضافرا وتوحدا لمواجهة الارهاب تعريفا ومكافحة وفق المفاهيم الاسلامية خاتمة الرسالات السماوية التي تضمن الامن والسلامة للفرد والجماعة بدلا من ترك الحبل على الغارب للدوائر الغربية التي تعيش ارتباكا في غياب العقلانية والتأني الواجب توفره في مثل هذه الحالات وقد اعتمد الغرب كليا على قوة اعلامه المسيطر في معالجة الحدث في غياب اعلام عربي واسلامي مؤثر حتى تمكن الغرب من تصوير اسرائيل المغتصبة حمامة السلام بينما وصفت منظمة التحرير الفلسطينية بتنظيماتها الاسلامية المجاهدة في سبيل مكتسباتها بانها ارهابية انها بحق الصورة المقلوبة للارهاب في العالم كما ارادها الغرب بينما خمس سكان العالم مسلمون يعتنقون عقيدة سمحاء تحرم العنف والتطرف بغير حق وتبيح الدفاع عن النفس والعقيدة والعرض والارض والممتلكات دفعا للظلم.. لان المعتدي في العرف الاسلامي هو الارهابي.
ان مقررات المنظمة الدولية قد ادانت اسرائيل صراحة وطالبتها بالجلاء التام عن اراضي فلسطين مؤكدة عدالة المطالب الفلسطينية في حين ضربت الدولة العبرية ومن خلفها امريكا بتلك القرارات عرض الحائط وهي الخارجة عن القانون برفضها الإرادة الدولية وهي المعنية بالارهاب.
ان سماحة الدين الاسلامي الحنيف تكمن في تعامله وفق القرآن الكريم والسنة المكملة تفصيلا وهي مراجعها التي تنتشر في كل العالم شرحا وتبيانا بشتى الوسائل واللغات وهي في متناول الجميع ولا مجال لاخفاء جانب منها فلا معنى اذن لاتهام الاسلام بالباطل لان مراجعه لايأتيها الباطل مطلقا.
ان الوضع الراهن يتطلب سرعة التقاء العلماء والفقهاء والراسخون في العلم في ارجاء المعمورة بكل هيئاتهم وتجمعاتهم الاسلامية الفقهية للتفكير حول وضع تعريف حاسم وجلي لظاهرة الارهاب وصياغة الوسائل المستمدة من شريعتهم لمكافحتها واعتماد اجراءات باجماع العالم الاسلامي في مؤتمر عالمي يخصص لهذا الغرض تحت مظلة المنظمة الدولية باعتبار الإرهاب ظاهرة مدمرة للانسانية بترا لدابر المتعاملين معها حتى يضمنوا ذلك الاجراء دستورا للتحكم في الارهاب ودحر للمفسدين في الارض وعليهم يقع العبء كله للتحرك بروح عملية بناءة وجادة حتى يخرسوا ألسنة المرجفين والمتربصين وقطع الطريق امام المواقف الفردية والاجتهادات الجانبية التي لاتصب في اجماع الامة الاسلامية العريقة حتى يلتف المسلمون في مشارق الارض ومغاربها خلف علمائهم وفقهائهم متآزرين صفا واحدا كالبنيان المرصوص ولن ينال منهم كائن من كان مهما عظمت قوته في العالم وسيعم السلام والأمن ارجاء الكون بحول الله وقوته.
|
|
|
|
|