| الاخيــرة
* بدءاً، الزواج مؤسسة إنسانية واجتماعية قويمة سنّها اللّه وباركها ليحفظ بها الإنسانُ أصولَه، ولتنمو من خلاله الأسر والمجتمعات، والزواج وجْهٌ من وجوه الخير، لأنه حجر الأساس في أيّ بنية إنسانية سوية تجمع مخلوقيْن تحت مظلة الحلال والحق والفضيلة.
* *
* وقد كثرت في الآونة الأخيرة منابرُ الحديث حول ما يُعرف بمشكلة «غلاء المهور»، كان آخرها الندوة المغلقة التي نظمها مجلس الشورى لبحث هذا الموضوع بحضور عدد من النساء يمثّلن المشهد الثقافي والاجتماعي.
**
وقد اعتبر بعضُ مَنْ كتب أو تحدث عن هذا الموضوع غلاءَ المهور حجرَ عثرةٍ تحبط إرادة الراغبين في الزواج .. وبسببها ، يزدادُ العازفُون عن الزواج عزُوفاًَ، وأضْحت «العنوسة» بسبب ذلك واقعاً محفوفاً بالقلق والقنوط!
**
* وأود أن أتفاعل مع هذا الموضوع فأقول: إنّ موضوعَ تعثّر فرص الزواج بين شباب المملكة، وربط ذلك بغلاء المهور فحسب أمرٌ يتطلب في تقديري المتواضع تمحيصاً علمياً وميدانياً دقيقاً لقياس أمْرين اثْنين:
1 التعرّف ميدانياً على حجم ظاهرة العنوسة، لتحديد ما إذا كان المجتمع السعودي يعاني فعلاً من تراكماتها بين الجنسين بسبب عزوف أفرادهما عن الزواج.
2 التعرف ميدانياً على حجم «الغلو» في طلب المهور، وهل بلغ هذا الأمر حداً يرقى به إلى مستوى «الظاهرة» التي تستحق سنَّ الأقلام وشحذ الألسن بياناً لها وتحذيراً منها.
**
* ما أودّ أن أقوله هنا هو أن لغةَ الأرقام في مواقفَ عديدة أبلغُ من عزف الكلمات .. التي قد يدّعي صاحبُها المعرفةَ بما يحسبه حقاً، وهو بعضٌ منه، وأكثرُه غلوٌّ مصدرُه الجهلُ بالحقيقة أو التجاهل لها، وكثيرٌ ممّا يُنشر في الصحف حول هذا الموضوع من متابعات وتعليقات ليس بعيداً عن ذلك، وأغلبُه ضربٌ من الظن الذي لا يغني من الحق شيئًا.
**
* لذا، أرى أنّ إخضاعَ هذا الموضوع بشقّيه «غلاء المهور والعنوسة» لآليّة البحث العلمي الدقيق من لدن جهة متخصصة هو المدخلُ السديدُ للتعرّف على جوانب الظاهرة، إنْ سلباً أو إيجاباً، وصولاً إلى ما يلي:
تحديد حجْم «العنوسة» لدى الجنسين، ومعرفةُ أسبابها، وسبلُ علاجها.
معرفة ما إذا كان هناك غلوّْ فعليّ في المهور يُمارس من لدن شريحة اجتماعية كبيرة الحجم، يمكن أن يُعزى إليها سببُ العزوف عن الزواج أم لا، لأنّ تحكيمَ الحالات الفردية العارضة هنا أو هناك لا يمكن أن يكون دليلاً علمياً مقبولاً على وجود الظاهرة، ما لم تدعم ذلك أرقامٌ، هي كالسيف، في حدّه الحدُّ بين الحقيقة والخيال!
**
* وهناك أمرٌ آخر يشترك في سياق الجدل حول الموضوع، وهو ظاهرة «قصور الأفراح» التي تنوءُ بالعبء الثقيل في تلبية رغبات أولياء الأمور لإقامة حفلات الزفاف، وتبلغُ هذه الحفلاتُ ذروتَها بدْءاً من انتهاء العام الدراسي مُروراً بأشهر الصيف كله .. ثم تمتد إلى ما بعد إجازتي العيدين، وكلّما سمعت عن ازدهار خدمة هذه القصور صيفاً وشتاء وربيعاً وخريفاً سألتُ نفسي: إذا كان الأمرُ كذلك، فكيفَ نشكُو من عزُوف الناس عن الزواج، ناهيك بما يُعقد داخل جدران البيوت من مناسبات زواج «محفوفة» الحضور بلا أضواء ولا طبول!
**
* وقبل الختام ، لا أستبعد افتراضاً يقول إن هناك تعثّراً في الإقبال على الزواج، ضمن بعض أفراد الشريحة الشابة في المجتمع، وهي الفئة الغالبة في التركيبة السكانية في بلادنا، لكن مردّ ذلك ليس غلاءَ المهور وحده، كما تزعم بعض أدبيات الطرح السائد في الصحف ووسائل الإعلام، بل يكمن في التبعات المالية التي يتطلّبها الزواج قبل أو بعد إتمامه ، بدءاً بتأمين السكن المناسب، مُروراً بالسيارة، وانتهاء بكماليات العيش الأخرى كالخادمة والسائق ونحو ذلك.
**
* أخيراً، أودُّ أن أشيرَ إلى أن هناكَ العديدَ من العائلات الميسُورة والمستُورة الحال على حدّ سواء، تطمح أن تقترنَ ابنتُها ب «ابن الحلال» المستقيمِ ديناً وخلقاً ومعاشاً ، وأن تكون ثمرةُ زواجِهما نقلةَ خيرٍ وسعادةٍ لهما، لا حفنةً من المال تورِّثُ لهما ولأسرتيْهما العثراتِ والعبراتِ وشماتةَ الشامتين!
|
|
|
|
|