| متابعة
*
* القاهرة مكتب الجزيرة عبدالله الحصري:
لا يعلم أحد أين قد يكون أسامة بن لادن بعد أن اعلنت السلطات الافغانية انه قد غادر افغانستان الى جهة مجهولة.. فالبعض يرجح ان يكون في باكتسان والبعض يرى انه في اليمن والبعض يرى أن يلجأ الى العراق خاصة ان العراق في صدام واضح مع امريكا.. ولكن امريكا ما زال لديها اعتقاد قوي انه لم يغادر افغانستان وهي حجة قوية لامريكا لمواصلة قذف افغانستان.. وبين ترجيحات البعض والبعض الآخر يبرز السؤال: إلى أين غادر اسامة بن لادن؟ هل عاد الى السودان موطنه السابق خاصة ان السودان لن يسلمه إلى الأمريكان. ام تسلل الى باكستان، مختفيا في أحد منازل مدينة بيشاور؟ ام سافر الى جنوب اليمن تحت حماية جيش عدن؟ ام غادر الى إيران، لأن الإيرانيين لن يسلموه الى الأمريكان؟ ام انه لم يغادر أصلا افغانستان وإنما خدعة من طالبان لايهام أمريكا بأنهم ضد الارهاب وأنهم يريدون تحسين علاقاتهم مع الغرب.
كانت مصادر تابعة لحركة طالبان قبل إقصائها عن حكم افغانستان قد اشارت بعد الاتفاق على تسليم سلاح حركة طالبان ان الحركة تفضل عدم تشتيت الجهود وستسعى الى شن حرب عصابات ضد القوات الامريكية عند دخولها الاراضي الافغانية.
وتواجه الولايات المتحدة موقفا شديد الحرج بسبب فشل جهودها العسكرية حتى الآن في اعتقال اسامة بن لادن بسبب اساليب المراوغة الذكية التي يتبعها وبسبب صعوبة المواقع التي يوجد بها وطبيعة التضاريس الجغرافية في افغانستان وانه رغم استخدام اشد القذائف ضراوة واكثر المعدات التكنولوجيا تقدما فإن ابن لادن تمكن من الإفلات من ان يصبح اكبر غنيمة لحكومة الرئيس بوش، التي وصفته بأنه الهدف الاول المطلوب حيا او ميتا من هجومها ضد افغانستان.
ابن لادن حذر جداً
والمعروف عن ابن لادن انه حذر جدا وقد تعلم من خلال تجربته الشخصية ومما اخبره بعض اصحابه من اهل الخبرة السابقة بقضايا الامن فنونا كثيرة في الاحتياطات الامنية، حيث لا يسمح مثلا بوجود أي آلة الكترونية في المكان الذي يقيم فيه حتى لو كانت ساعة كهربائية لان ذلك مما يمكن ان يساعد في الاستدلال عليه من خلال اجهزة خاصة، اضافة لذلك فإن لديه فريقاً للأمن والحراسة لديهم تدريب خاص على ذلك. ويذكر عنه كذلك انه منذ ان اصبح خصما لجهات لها نفوذ ومخابرات قوية لم يعد يثق إلا بالمجموعة التي يعرفها جيدا ولا يقبل بالتزكيات الخارجية. ومن الطبيعي لمثله ان يحيط تحركاته وتنقلاته بسرية تامة ويستخدم وسائل وحيلاً للتضليل عن تحركاته.
فشل المخابرات الأمريكية
وأمام هذا الفشل الذريع الذي واجهته اجهزة الاستخبارات الامريكية في اصطياد ابن لادن حيا او ميتا وفي محاولة ايضا لتبرير فشلها وحماية مناصبها لجأت هذه الاجهزة الى ترويج وتمرير عدة أكاذيب الى مختلف وسائل الاعلام الامريكية والغربية من خلال عدة تقارير مختلفة، زعم احدها ان ابن لادن لقي حتفه في الغارة العسكرية الاخيرة على كابول بعد اربعة ايام من مقتل أبوحفص المصري، وان قيادات طالبان وتنظيم القاعدة تخفي ذلك حتى لا يتسرب اليأس التام الى بقية قواتهما.
أما التقرير الثاني الذي سربته اجهزة الاستخبارات لوسائل الاعلام، فيزعم ان تلك الاجهزة تعلم كل صغيرة وكبيرة عن تحركات ابن لادن وانصاره ، الا انها لا ترغب في اصطياده او قتله، حتى يكون ذلك ذريعة لبقاء عناصر الاستخبارات والكوماندوز والوحدات الخاصة في افغانستان لفترة طويلة، نظرا لان الوجود العسكري الامريكي في افغانستان من الضروري ان يستمر لعدة سنوات لتتمكن القوات الامريكية الخاصة المرابطة على الاراضي الافغانية من القضاء نهائيا على العناصر الإرهابية الفارة وهو ما سيواجه على حد زعم التقرير بمصاعب من الحكومة الافغانية الجديدة في حال تشكيلها!!
ومن الواضح ان تلك التقارير ليست إلا محاولة ساذجة لتبرير الاخفاقات المتتالية لاجهزة الاستخبارات الامريكية في اصطياد ابن لادن، خاصة انها طلبت مساعدة العديد من اجهزة الاستخبارات التابعة لدول التحالف الدولي وهو ما اكدته صحيفة واشنطن بوست في هذا السياق (نقلا عن مصادر في المخابرات الباكستانية) بأنه صدرت اوامر للمخابرات الباكستانية ببدء حملة مكثفة لتعقب ابن لادن ومعاونيه، في اعقاب تلقي معلومات عن احتمال فراره الى داخل باكستان عبر خط الحدود الممتد لمسافة 1400 كيلومتر بين البلدين، وان الهدف الرئيسي للحملة هو تحديد مكان ابن لادن والسماح للقوات الامريكية بأن تقوم بالدور القيادي في اعتقاله او قتله؟!
ومن أكبر الادلة على كذب تقارير المخابرات الامريكية، وأنها مجرد محاولة للتغطية على إخفاقاتها المتتالية في الوصول الى ابن لادن، تصريحات وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد عن ان مهمة القوات الخاصة الامريكية هي العثور على ابن لادن والملا عمر وقتلهما والقضاء على تنظيم القاعدة، اضافة الى تأكيدات عدد من مسؤولي المخابرات الباكستانية بأن القوات الامريكية الخاصة فشلت تماما في تجنيد الكثيرين من الأفغان بمن فيهم المعارضون لطالبان والذين يعتقد أنهم يمكن استئجارهم من اجل تقديم اية معلومات عن أماكن اختفاء ابن لادن او تحصيناته أو أية معلومات تفضي للايقاع به.
وجربت المخابرات الامريكية تجنيد عدد من المرتزقة من دول آسيا الوسطى وعملت على ضمان تسللهم داخل الحدود الجنوبية لافغانستان بهدف الوصول الى تنظيم القاعدة، ولكن محاولاتها باءت بالفشل المطلق.. ولم تكتف الاستخبارات الامريكية بكل ذلك وانما لجأت الى تجار المخدرات بوصفهم الاقدر على الإلمام بالطبيعة الجغرافية لافغانستان والدول المجاورة لها، وباعتبار انهم يحفظون جبالها وكهوفها وخنادقها عن ظهر قلب، إلا انهم عادوا يجرون أذيال الخيبة وراءهم.
مهام سرية أمريكية
وكشفت صحيفة واشنطن بوست عن ان المخابرات الامريكية نفذت عمليات إسقاط مظليين في مهام سرية في الجنوب الافغاني منذ عام 1997، وأنهاتعمل بطاقم مكون من 150 فردا من (وحدة الانشطة الخاصة) بينهم مقاتلون وطيارون وخبراء منذ 20 شهرا مع قبائل وتجار حروب، مما يعني انه من المفترض ان تكون هذه القوات على دراية تامة بكل تحصينات ومخابىء ابن لادن وتنظيم القاعدة.
وإذا ما اضفنا الى هذا الاعتراف الصريح لتلك التقارير المتواترة عن قيام القوات الامريكية الخاصة بعمليات مشتركةمع كازاخستان منذ عام 1997 ومع اوزبكستان منذ عام 2000 للتدريب على التدخل في شمال افغانستان، لأدركنا حجم المأزق الحقيقي الذي تعيشه الولايات المتحدة الامريكية دولة وقيادة وأجهزة استخبارات اذا ما فشلت في العثور على ابن لادن إلى جانب كل تلك الاحداث والوقائع المتتالية مما يؤكد حجم تهديد ابن لادن للمستقبل السياسي لمعظم القادة والمسؤولين الامريكيين اذا لم يتم العثور عليه، وبخاصة ان تكاليف هذه المحاولات حتى الآن بلغت 12 مليار دولار تحمل اعباءها دافع الضرائب الامريكي لاصطياد ابن لادن.
استخدام أحدث تكنولوجيا التجسس
وفيما يتعلق بمحاولات امريكا العثور على ابن لادن فإنها حشدت احدث تكنولوجيا التجسس واعقد الاسلحة الخفيفة والثقيلة للقبض عليه هو والملا عمر والقضاء على تنظيم القاعدة، حيث تم استخدام البندقية القناصة التي يمكنها تدمير الاسلحة الخفيفة على بعد ميل تقريبا، ووفرت شركة (اي تي تي) مناظير ليلية تتيح لمن يستخدمها ان يرى لمسافة ابعد وبصورة أكثر وضوحا ودون احتياج لأي مصدر للضوء سوى ضوء القمر او النجوم، فضلا عن إمداد افراد القوات الخاصة بأجهزة للتصوير الحراري لا تحتاج لأي ضوء، ويمكنها ان ترى خلال الضباب والدخان. بل من خلال الحوائط ايضا اذا التقطت اي مصدرحراري.
كما وفرت الشركات الامريكية جهازا لتحديد المواقع بحجم جهاز (البيجر)، يرسل اشارات الى الاقمار الصناعية بحيث تحدد موقع الشخص الذي ارسل الإشارة، مما يتيح لجندي القوات الخاصة استخدامه في تحديد موقعه بدقة لا تتجاوز العشرة امتار، وكذلك في تحديد مواقع زملائه اثناء عمليات التفتيش في الجبال الافغانية، فضلا عن انه يوفر لجندي العمليات الخاصة تحديد اي هدف بأشعة الليزر، ثم يرسل احداثيات الهدف الى قاذفة من طراز (بي 2) ليقوم الطيار بدوره بوضع الاحداثيات في جهاز الكومبيوتر الخاص بقنبلة تبلغ زنتها 2000 رطل، وفي خلال دقائق معدودة يكون الهدف قد تحول الى دخان.
وقامت شركة لوكهيد مارتن بإطلاق قمرين لصالح المكتب القومي للاستطلاعات وهو هيئة محاطة بسرية بالغة للمساعدة في المعلومات المتعلقة بالحرب ضد افغانستان، الى جانب إنتاج نظام محمول يلتقط الإشارات التي يصدرها العدو ويحدد مصدرها، بينما وفرت شركة (بي تي جي) خوذة بها اجهزة اتصال ونظام فيديو يرسل الصور من الميدان الى القادة في المؤخرة، فضلا عن برنامج المحارب الارضي لتزويد الجنود بزي يحتوي على كومبيوتر ونظام للتصوير الحراري واتصال بشبكة معلومات عسكرية.
4 أقمار صناعية تفشل
في ضبط ابن لادن
يضاف الى هذا تخصيص 4 اقمار صناعية للتحليق فوق افغانستان لترصد كل شيء بدقة متناهية طوال 24 ساعة، وتم تدعيمها بطائرات (رايفيت جوينت) وطائرات (جلوباك هوك) التي تمتاز برؤية ليلية تخترق الضباب والسحاب بسهولة.. كما تم الاستعانة بطائرات بريديتور، وهي طائرات تجسس متقدمة للغاية بدون طيار، فضلا عن الاستعانة بالجيل الجديد من طائرات (ساريج) الفرنسية التي نجحت مؤخرا في تحديد رقم تليفون ابن لادن.
ورغم توافر كل تلك التقنيات الهائلة، الا ان اجهزة الاستخبارات الامريكية والقوات الخاصة فشلت تماما في العثور على ابن لادن او الملا عمر، ولم تنجح إلا في العثور على محمد عاطف الشهير بأبي حفص المصري القائد العسكري لتنظيم القاعدة حين تم رصد الفندق الصغير الذي كان فيه بواسطة طائرة بريديتور كما ذكرت صحيفة الصنداي تايمز البريطانية، ثم ارسلت الصور الى مركز قيادة العمليات في ولاية فلوريدا الامريكية، وهناك تم تكبير هذه الصور لمحاولة التعرف على الاشخاص الذين تم تصويرهم، ثم اعطيت صور الهدف الى ثلاث طائرات إف 51 كانت تحلّق فوق كابول فانقضت على الهدف وأطلقت عدة صواريخ ذكية على المبنى فحولته الى انقاض.. ورغم ذلك فلم يعرف الامريكيون انهم قتلوا ابوحفص المصري إلا بعد يومين عندما خرق احد افراد تنظيم القاعدة التعليمات الصارمة واستخدم هاتفا يعمل من خلال الاقمار الصناعية، ليعلن فقدان القائد العسكري المهم في هذا المبنى، واستطاعت اجهزة التنصت الامريكية والبريطانية رصد هذا الاتصال كما ترصد كل الاتصالات الاخرى التي تتم داخل افغانستان وأعلنت نبأ وفاته.
وقد ادرك المسؤولون الامريكيون مدى الفشل الذريع لاجهزة استخباراتهم، فصدر الامر سريعا بتخصيص طائرات عملاقة متطورة للاستطلاع مهمتها اطلاق اشعة ليزر على الهدف المحدد وتحديد مكانه وإرسال موقعه عن طريق عدة اقمار صناعية، بحيث يتم توجيه مكان الهدف الى كمبيوتر الصواريخ في الطائرات التي تجوب سماء افغانستان على مدار الساعة، فتصبح كل مهمة الطيار ان يضغط على زر الاطلاق ومتابعة الصاروخ لحين وصوله وانفجاره وتصوير موقع الانفجار، ثم ارسال الصور بواسطة الاقمار الصناعية الى مركز القيادة لتحليل النتائج ومعرفة مدى دقة الاصابة.
اما اتصالات ابن لادن، فقد فشلت كل اجهزة التنصت والاستخبارات والقوات الخاصة وطائرات التجسس العملاقة في رصدها تماما، وبالتالي فشلت في تحديد مكان ابن لادن من خلالها.. وكانت آخر مرة تم فيها تصوير ابن لادن خلال شهر مارس الماضي، حين رصدته طائرة (بريديتور) وتم تصويره بكاميرا فيديو عملاقة موجودة بالطائرة وهو بصحبة عدد من اتباعه في مكان مكشوف وسط الجبال، الا انه منذ ذلك الحين لم تفلح كل الاجهزة في تحديد مكانه.
|
|
|
|
|