| الثقافية
إن قدرتنا على التفكير وفهمنا لما نقوم به ونعمله عن وعي وإيمان، هو بالنسبة لنا الأمر الأكثر أهمية لكل ما نقوم به من أعمال عقلية كانت أم عملية. والمشكلة لا تقتصر على مجرد القيام بالتفكير وإعمال العقل، بل تمتد لتشمل أثر هذا التفكير على كل مظهر من مظاهر حياتنا، ومانخوضه فيها من تجارب وما نكتسبه من خبرات، فنوع الحياة التي نحياها تتناسب مع نوع التفكير الذي نفكره ونقوم به كما أن تقديرنا لذواتنا والفكرة التي نحملها عن قدراتنا وما عندنا من خصائص وخبرات هو من مهام التفكير، وكذلك بالنسبة للشك فيما عندنا من قدرات وكفاءات.
إن أي خبرة نكتسبها، وأية تجربة نتعامل بها ونتفاعل معها تتبلور بالفكرة التي ارتسمت في أذهاننا عنها، فهي تبدأ من دواخل ذواتنا، وهي ثمرة تفكيرنا، وهو أمر يحدث ونحن نفكر به، ومهما كانت فكرتنا عنه، فإن هذا التفكير وهذه الفكرة هي التي تحدد إحساسنا تجاهه واستجابتنا له وتصرفنا إزاءه، فالمعلم يعامل طلبته، والآباء يعاملون أبناءهم طبقا للصورة، ومهما كانت الفكرة التي يحملها عنه، وبغض النظر عن مدى العدالة في تشكيله لهذه الصورة ومدى مطابقتها للحقيقة والواقع. ومهما كان هناك من تشابه بين شخص وآخر في تفكيرهما، فلن تكون لهما الخبرة نفسها نظرا لاختلاف كل منهما عن الآخر في نوع تفكيره وأسلوبه في هذا التفكير، وكذلك إلى اختلاف الصورة التي غرست في ذهن كل منهما عنه. يحدث التفكير عندنا في بعدين هما: مضمون التفكير، القدرة على استحضار هذا المضمون واسترجاعه، وبهذين البعدين نتمكن من التعامل بما بين أيدينا من مفاهيم وأفكار وتصورات ونظريات وكذلك يتوافر لدينا القدرة على التعامل مع مختلف مستويات الوعي والتيقظ التي تتشكل بها هذه الأمور.
إن التفكير الفاعل يعتمد على ما عندنا من قدرة على الاهتمام بما نفكر به أولاً، وعلى قدرتنا على التركيز وشد الانتباه ثانيا، وعلى ما عندنا من خبرة متنوعة، وسعة تجربة ثالثاً، وعلى قدرتنا على المفاضلة، وكل فرد منا يعتمد في تفكيره الخاص على ما عنده من مصادر خاصة لهذا الغرض، ومن هنا كان على كل منا دوما أن يعيد النظر فيما سبق له من خبرة وتجربة ليستخلص منها العبر، كما أن عليه أن يعمل على توحيد ما عنده من قدرات عقلية كالقدرة على الإبداع والمفاضلة وحسن الاختيار والنقد والرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة وبعد النظر وكذلك القدرة على الربط والاستنتاج والتحليل والتعليل، لتكون جميع هذه القدرات عنده كلا متكاملاً يفيد منها في تفكيره، ليصل بذلك إلى أفضل النتائج وأبعدها أثراً.
وهذا الكتاب يتناول موضوع التفكير في المحيط الأسري ودور الأسرة في تعليم التفكير لأفرادها، ويتناول الأسلوب الفاعل في قدرة الأطفال على التكيف الاجتماعي عن طريق حفزهم على التفكير، وتشجيعهم عليه، كما يتحدث عن التفكير الذي يدور حول المشاكل اليومية التي تنشأ كل يوم نتيجة الاحتكاك بالآخرين والتعامل معهم، كما يتناول مبدأ الاتجاه الذي يقوم على اختيار الطفل ويتمشى مع خبرته وتجربته والذي يحمل شعار «أنا أواجه المشاكل ولي القدرة على حلها». كما يشير الكتاب إلى أن قدرتنا على التفكير بشكل صحيح يمكن أن يساعدنا في التغلب على ما قد نتعرض له من توتر عاطفي، ومن الواضح أنه على المدى البعيد من المهم أن يتعلم الأطفال كيف يفكرون، وأسلوب «أنا قادر على حل المشكلة» سيقدم فوائد لكل من الطفل ووالديه، فهو يساعد على زيادة وعي الفرد وقدرته على تقبل وجهة نظر الآخر من منطلق أن لكل طرف طبيعة تفكير تختلف عن الآخر، كما يحصل في علاقة الوالدين بطفلهما، وبالتالي فإن مساعدته في التفكير في حل مشاكله بطرح البدائل دون فرض الحلول سيمكنه على المدى البعيد من مواجهة مواقف مماثلة مع الآخرين خارج النطاق الأسري الذي تهيمن عليه الوصاية.
وتوضح هذه الدراسة أنه بعد تقويم آلاف الأطفال في هذا المجال، تبين أن الطفل الذي يتعامل مع مشاكله بالأسلوب المتبع في حل المشكلة، هو أقل من غيره في التعرض للإحباط واليأس إذا لم تسر معه الأمر في حياته كما يرغب، وهو كذلك أقل عدوانية وأكثر اهتماما بالآخرين، كما أنه أكثر قدرة على التعاون والمشاركة وتبادل الأدوار واتخاذ الأصدقاء والدفاع عن حقوقه والمطالبة بها والعمل على تحقيقها. وقد أثار المؤلف عددا من الأسئلة بناها على مقولة إن هناك تواؤماً وتوافقاً بين التفكير في حل المشكلة والأسلوب الذي نتبعه في حلها أوكما يقال بين التفكير ونوعه الذي نتبعه في تفحص أمر ما، وبين أسلوب العمل الذي ننتهجه في الحل، من تلك الأسئلة: إذا كانت مهارات التفكير بأنواعها المختلفة تتخذ مقياسا للتمييز بين الأطفال الذين يبدون قدرة ملحوظة في السلوك الاجتماعي في المدرسة وبين أولئك الذين يفتقرون إلى مثل هذه القدرة، فهل يكون بالإمكان عندها أن نساعد مثل هؤلاء على تعلم هذه المهارات لترفع من قدرتهم على حل المشكلة والقدرة على التكيف الاجتماعي مع الآخرين؟ وهل إذا ما تعلموا مثل هذه المهارة يمكن أن يرتفع مستواهم في ذلك إلى مستوى من هم أكثر كفاية وقدرة منهم ممن هم في مثل سنهم؟ وإن كان تعلم مهارات التفكير في حل المشكلة يفيدنا فعلاً ويرشدنا إلى الأسلوب الأمثل في حلها، فهل نكون قادرين على الوصول إلى اتجاه يعمل على الحيلولة دون نشوء مشاكل أخرى جديدة تعترض طريقنا، وقد تعوق مسيرتنا في التوصل إلى الحل الذي نريده؟
تلك الأسئلة وغيرها تناولها المؤلف عبر فصول الكتاب التي تناول أولها: عملية التفكير بدءا من تعريفه ومرورا بشروطه وانتهاء بأدوار المدرسة والبيت في تنميته والتدريب عليه، ثم تناولت الفصول السبعة التالية عناوين تفصيلية في قضية التفكير مثل: كيف نفكر؟
إما أن نكون أو لا نكون، المفاهيم والكلمات المتداولة، تنمية الثروة اللغوية واللعب بالكلمات، تقدير المشاعر والأحاسيس، العمل الجماعي المشترك، حين لا يصغي إلينا الأبناء، الحلول البديلة، النظر للآثار والنتائج بعين الاعتبار، الحلول غير المقبولة وغير المناسبة، الحوار كل متكامل، أسس الحوار لحل المشاكل بين الأطفال وأخرى بين الأبناء والآباء، حين يكون الطفل عدوانيا أومنزويا أو رافضا، التصرف غير المسؤول.. مشاكل الزمان والمكان، التقويم الذاتي.
|
|
|
|
|