| مقـالات
ما كان بودي والارهاب الصهيوني على أشده ان اتوقف عن مواصلة سلسلة المقالات التي عنوانها «شاهد من أهلها: الارهاب الصهيوني ضد العرب وامريكا». غير أن الحديث، هذه الايام، في وسائل الاعلام المختلفة عن قلعة أجياد استوقفني. ولذلك فاني آمل ان يعذرني قارئ تلك السلسلة عن توقفها هذا الاسبوع لاواصل نشرها الاسبوع القادم، ان شاء الله. ولعل مما يشفع لي ان الارهاب الصهيوني لا يتوقع ان يتوقف رغم تشبث المتشبثين بقشة هي سراب بقيعة.
والحديث عن قلعة أجياد يمكن ان يُتناول من عدة وجوه:
الوجه الاول: اثارة زوبعة حول موضوعها في وسائل الاعلام . وللمرء ان يتفهم دوافع من أثار تلك الزوبعة من الاتراك. فلقد كان موقف الدولة العثمانية وقيادتها للعنصر التركي من الدولة السعودية، التي ناصرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الى محاربة كل ما لا ينسجم مع توحيد الله، موقفاً عدائياً. ولم يقف ذلك العداء عند حد قضاء الوالي العثماني في مصر على دولة آل سعود، بل بلغ حداً فاحشاً في الجريمة من ملامحه وضع من وضع من علماء الدين في فوهة المدفع ليطير جسده اشلاء في الهواء، وافتخر بعمل تلال من آذان المقتولين، وبيع بعض الاسرى في سوق الرقيق، كما ذكر المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي.
وإذا كان هذا قد حدث من تلك الدولة، وهي حينذاك ما زالت تعتز بكونها دولة اسلامية كبرى، فلا يستغرب من القيادة التركية بعد ان اصبحت على ما اصبحت عليه من نهج علماني فاق غيره من المناهج العلمانية في بلاد الغرب بكتمه للحريات ان تزداد حقداً على دولة وفقت في اختيار نهج اسلامي قوامه مناصرة عقيدة التوحيد الخالص، وتطبيق الشريعة الغرَّاء، ولعل تلك القيادة التركية قد انتهزت الظروف العالمية الراهنة للتعبير عن حقدها، تماماً كما انتهزها المحاربون للتوجه الاسلامي في الوطن العربي الذين وصل اندفاعهم الى التحريض على اغلاق بعض الجمعيات الخيرية الاسلامية.
على أن ما يصعب تفهمه هو القاء المخلصين في بلادنا اهمية كبيرة للزوبعة التي أثارها الاتراك، قيادة وإعلاماً، بشأن القلعة. ومع ان كل ما ذكره هؤلاء المخلصون، توضيحاً للموقف، صحيح ومنطقي فإن الأولى في نظري تجاهل هذا الموضوع إعلامياً والاكتفاء بالرد على اي احتجاج تركي رسمي في القنوات الرسمية، مثل منظمة اليونسكو.
الوجه الثاني: يرجع المجد التاريخي للاتراك في بلادهم الحاضرة، تركيا، الى ما قام به اسلافهم من جهاد اسلامي رائع في بداية امرهم. ويكفيهم فخراً ما قام به محمد الفاتح، ثم ما قام به السلطان سليم والسلطان سليمان القانوني من اعمال جليلة. وكان في طليعة تلك الاعمال نشر الاسلام في بعض البلدان الاوربية، والوقوف امام اخطار الدول الاستعمارية الاوربية على الاقطار الاسلامية. ومن هذا وقوف السلاطين العثمانيين في وجه البرتغاليين في البحر الأحمر والخليج العربي، دفاعاً عن الجزيرة العربية المشتملة على بيت الله الحرام في مكة ومسجد نبيه، صلى الله عليه وسلم، في المدينة.
واستمرت الدولة العثمانية المتمسكة بهويتها الاسلامية قروناً مهيبة الجانب قوية الاقتصاد. وكانت عملتها مساوية لاقوى عملة اوربية حينذاك، وهي العملة البريطانية. وبعد فقدانها المتعمد لتلك الهوية اصبحت تتمسكن بكافة الوسائل لتقبل في اوربا المسيحية لكنها ظلت تعامل معاملة الاجرب، واصبحت الآلاف من عملتها لا تساوي جنيهاً بريطانياً واحداً. ولقد كان جديراً بقيادة تركيا الحاضرة ان تفتخر بماضي الاتراك المجيد، وتتأمل دروسه المفيدة، وتقارن بين منهج اسلافها الامجاد والمنهج الذي تتبعه الآن لتقرر أي المنهجين أصلح وأجدى. أفليس حرياً بقيادة لبلد لا يشك أحد في عمق المشاعر الاسلامية لدى سكانه وافتخارهم بماضيهم المشرق ان تفكر جدياً في مدى صحة فصل الجيل الحاضر عن ذلك الماضي إلى درجة لا يستطيع الآن قراءة ما كتبه الاسلاف قبل مئة عام؟
الوجه الثالث: مما ذكرته وسائل الاعلام في متاهات الزوبعة انه قد اخذت مقاسات قلعة أجياد بدقة، وانه سيعاد بناؤها وفق هذه المقاسات، وان المبلغ المتوقع لاعادة هذا البناء ان لم تخني الذاكرة سيكون كبيراً.
والذي أراه ان اعادة بناء القلعة خطأ فادح، فنياً ومالياً. لقد كان الهدف من بناء القلعة في المكان الشاهق الذي بنيت عليه أن يكون فيها جنود يشرفون على مكة يحفظون الامن فيها، ويصعب على من اراد التمرد عليهم الوصول اليهم.
وكل القلاع في كثير من بلدان العالم بنيت في امكنة مرتفعة للهدف نفسه. ولقد انتفى وجود ذلك الهدف بالنسبة لقلعة اجياد بتحقق الامن من جهة، واختلاف وسائل الدفاع من جهة اخرى، واعادة بنائها بعد ازالة الجبل الذي هي عليه ليس لها مبرر. فبناء قلعة في منطقة فيها جبال على غير جبل أمر مخالف للمنطق. والمال الذي يمكن ان يصرف على اعادة البناء مال عام وهذه البلاد في حاجة كل ريال منه، وبخاصة بعد ان وصلت خزينة الدولة إلى ما وصلت إليه من عدم توازن بين الموارد والمصروفات كما هو معلوم معلن للجميع.
واذا كان كاتب هذه السطور يرى أنه كان الأولى بوسائل اعلام وطننا الكريم عدم اعطاء اهمية كبيرة للزوبعة التي اثارها الاتراك، قيادة واعلاماً، بشأن القلعة فانه يرى ان النقطة الايجابية الوحيدة لاثارة الموضوع هي اتاحة الفرصة لطرح سؤال عن الحكمة في اعادة بناء تلك القلعة مع ان هذه الاعادة تتصف بأمرين: الاول عدم المنطقية فنياً، والثاني اهدار اموال طائلة بلادنا في اشد الحاجة اليها.
وفق الله المسؤولين لما فيه الخير والسداد.
|
|
|
|
|