أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 13th January,2002 العدد:10699الطبعةالاولـي الأحد 29 ,شوال 1422

وَرّاق الجزيرة

«الحلقة الرابعة»
صفحات من تاريخ بلدة الحريّق بالوشم
عبدالله بن بسام البسيمي
يواصل الباحث في هذه الحلقة ما بدأه في الحلقات السابقة:
16 عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله الحميزي من آل كثير من بني لام من قبيلة طيء القحطانية. ولد في بلدة الحريّق وذلك سنة 1311ه (1). تعلم في كُتَّاب البلدة حيث أن والده هو الذي يقوم بتدريس الطلاب بالإضافة إلى أنه إمام المسجد الجامع وهو المسجد الوحيد في تلك البلدة ذلك الوقت. تعلم على والده مبادئ القراءة والكتابة وحفظ عليه أجزاء من القرآن بعد أن قرأه عليه قراءة تجويد وإتقان كما أنه تلقى عن والده بعض العلوم الأخرى كاللغة والفقه وغيرهما. بعد ذلك رحل في طلب العلم إلى بلد المجمعة في سدير حيث أخذ عن الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالعزيز العنقري وللفائدة فإن والدتيهما من بلدة اثيثية من أسرة آل زامل. وقد عين المترجم له إماماً عند الدوشان الذين هم من قبيلة مطير ولكنه لم يدم طويلاً إذ عاد بعد ذلك إلى بلدته حيث صار إماماً وخطيباً للمسجد الجامع خلفاً لوالده الذي توفي سنة 1338ه تقريباً. كما أنه بدأ في التدريس في كتاب البلدة منذ السنوات الأخيرة من حياة المقرئ سعد بن شويرخ الذي توفي سنة 1358ه(2).
وكان في تدريسه للطلاب منصحاً لهم غاية النصح وقد عرف بعض من درس عليه بحسن الخط وجودة الإملاء وعدم اللحن في قراءة القرآن. وكان خلال تدريسه للطلاب يستشهد كثيراً بأبيات من الشعر العربي وأحياناً بأبيات من الشعر العامي وخاصة الأبيات التي تحمل في ثناياها حكمة أو توجيهاً، ومن الأبيات التي كان يتمثل بها حسب ما أفادني به أحد تلاميذه وهو الأستاذ الفاضل عبدالرحمن بن عبدالعزيز العنقري قول الشاعر:


إذا رأيت شبان الحي قد نشأوا
ولم ينقلوا قلال الحبر والورقا
ولا تراهم لدى الأشياخ في حلق
يتلون من سالف الأخبار ما اتفقا
فعد عنهم ودعهم إنهم همج
قد بدلوا بعلو الهمة الحمقا

وكان عدد التلاميذ عنده في كتابه ثلاثين تلميذاً تقريباً، وكان ينيب بعض كبار الطلبة في متابعة بعض التلاميذ الصغار وهو بدوره يتابع الجميع.
ومن أشهر طلابه الذين تخرجوا على يديه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن نشوان الذي سوف تأتي ترجمته في الحلقة القادمة إن شاء الله.
كان المترجم له حسن الصوت في قراءته للقرآن وكان مجوداً له.
عرف بالورع والتقى وكان يأكل من عمل يده إذ أنه يتقن بعض المصنوعات الجلدية فهو يتقن خرازة الغروب التي كانت تستعمل في رفع المياه من الآبار قديماً، والغروب التي يخرزها معروفة عند من يقتنيها بجودتها إذ إنها تصب الماء إذا خرجت من البئر دفعة واحدة بسرعة ولا يبقى في الغرب شيء من الماء بعد الصب وهذا يوفر على الفلاح جهداً ووقتاً بخلاف بعض الغروب المصنوعة التي يكون صب الماء من فوهتها بطيئا ويبقى في الغرب قليل من الماء لا يخرج. كما أن المترجم له يجيد أيضاً صناعة الدلاء والأحذية، وكان يساعد أخويه عبدالله وعلي في بذر الحبوب وقت الزرع. كما أن من مصادر كسبه بعض الأوقاف الموقوفة للمدرسة ولإمام الجامع وإن كان إنتاجها ضئيلاً.
والمترجم له يكتب ما يحتاجه أهالي بلدة الحريق وغيرهم من الوثائق سواء أكانت وثائق بيع أو مداينات أو وقف أو وصية أو خلاف ذلك، وذلك بحكم تصدره في إمامة الجامع ولم أر في بلدة الحريق أكثر منه نسخاً وكتابة للوثائق إلا والده إذ يوجد بخطهما مئات الوثائق مفرقة عند أصحابها لو جمعت لحصل منها فوائد تاريخية وفقهية وغيرها ولأوضحت كثيرا من الجوانب الاجتماعية الخاصة بتلك البلدة التي هي واحدة من عشرات المدن والقرى بحاجة إلى إماطة اللثام عن تاريخها ولا يتسنى ذلك في الغالب إلا بإخراج تلك الوثائق ومن ثم الإطلاع على مضامينها والربط بينها.
كان المترجم له حسن الخط مضبوطه موثوقاً بخطه ومعمولاً به لدى القضاة وقد اطلعت على وثيقة نقلها بخطه وفي آخرها تزكية له من الشيخ عبدالله العنقري هذا نصها: «راقم الأحرف المزبورة أعلاه عبدالعزيز بن محمد الحميزي ثقة معمول بخطه قاله ممليه عبدالله بن عبدالعزيز العنقري وكتبه من إملائه محمد بن عبدالمحسن الخيال وصلى الله على محمد وسلم 16 ش سنة 1355ه «الختم».
وقد كان المترجم له على صلة وثيقة بالمشايخ الذين تعاقبوا على منصب القضاء في منطقة الوشم حيث توجد مراسلات له مع المشايخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ وإبراهيم بن عبداللطيف الباهلي وعبدالرحمن بن علي بن عودان وصالح بن علي بن غصون وغيرهم، وهذه المراسلات بعضها يستفسر فيه عن مسائل أشكلت عليه بالإضافة إلى كتابته خطابات الأهالي الموجهة إلى هؤلاء القضاة إما طلب تصديق على عقد بيع أو شكاية ضد طرف آخر نحو ذلك كما أن بعض القضاة يطلبون منه حضور مكان النزاع والإصلاح بين طرفي المخاصمة أو رفع مرئياته عن مكان التنازع إذا كان طريقاً أو مسيلاً ويشاركه في هذه المهمة سعد بن عبدالله بن نشوان (3). وأنقل هنا طرفاً من رسالة مؤرخة في 1/4/1339ه أرسلها للشيخ إبراهيم بن عبداللطيف الباهلي مع جواب الشيخ:«كم يؤذن له الظهر والعصر بالساعة عندكم لأن حنا ودنا نركب الشاخص على طقة منتهى الشمس الآن فإن حصل تعرفنا كم يؤذن له بالعدم فهو أحسن لنا لأن ما عندنا إلا ساعة وحده ونخاف ما توافق وبالله ثم بك كافية» الجواب مؤرخ في 13/4/1339ه :« من طرف ظل الزوال فهو في هذه الأيام بثمانية أقدام والشمس منصرفة قبل أمس نهار الأربعاء والظهر يجب بالساعة على سبع إلا سدس والعصر على عشر إلا سدس حتى لا يخفى».
والمترجم له يعد مفتيا لبلدته فإن قاضي بلدان الوشم إذا سأله أحد من أهالي بلدة الحريق في طلب فتيا أحاله على المترجم له قائلاً عندكم الحميزي وش تجون لما له. وهكذا الحال مع والده من قبله. كما أن المترجم له من المتصدرين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلدة الحريق احتساباً منه للأجر، كما أنه كان يتفقد المصلين دائما وله هيبة عند جماعته.
وللمترجم له صلة صداقة حميمة مع الشيخ عبدالله بن زاحم وبينهما مراسلات علمية وأخوية وكان الشيخ ابن زاحم يستعير من المترجم له بعض الكتب وخاصة الموقوفة والتي غالباً أنها تكون عند إمام الجامع ليستفيد منها ولتكون محفوظة ومصانة عن العبث.
ومن الرسائل التي بينهما نورد النص الآتي:«بسم الله الرحمن الرحيم.. من عبدالعزيز بن محمد الحميزي إلى جناب الشيخ المكرم الأحشم الأشيم المحترم عبدالله بن عبدالوهاب ابن زاحم سلمه الله تعالى وهداه وحفظه وتولاه آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وموجب الكتاب إبلاغ جنابك الشريف جزيل السلام ثم السؤال عن الحال أصلح الله أحوال الجميع وأحوالنا بحمد الله على ما تحب من كل وجه جعلنا الله وإياكم من الشاكرين لنعمه كذلك بلغتنا وصاتك من طرف الذي تبي من الكتب من شرح المنتقى وحنايا أخي نطالع فيهن موجب ما عندنا الاهن ومحمد بن مهنا طلب منا شرح الزاد يقول نبيه شهرين وطمعوا فيه ومن طرف الكتب تاصلك الجزء الخامس والسادس والثامن إن شاء الله تعرفنا بخط إنهن عندك عارية الموجب أنه معرف في وصيته أي الموقف إنهن ما يظهرن إلا برهانة ولا لهم وكيل مصلح وصارن تحت يدي هذا ما لزم بيانه مع ما يبدو من لازم محبك يتشرف سلم لنا على الوالدة والعيال والأخوان كافة ومن لدينا العيال والجماعة يسلمون وأنت في أمان الله وحفظه والسلام سنة 1341ه».
تزوج المترجم له ثلاث نساء هن نورة العنقري وموضي الحميدي وحصة المنيع وقد رزق بولد واحد فقط أسماه محمداً وقد توفي في حياته وله من العمر ثمان سنوات فكان صابراً محتسباً، كما أن له ثلاث بنات لا زلن على قيد الحياة أشهرهن منيرة التي عرفت بلقب «مطوعة» أكثر من اسمها الصريح، فقد ولدت في بلدة الحريّق سنة 1338ه تقريباً ونشأت في بيت علم ودين حيث تعلمت على يد والدها، ولها دور بارز في تعليم بنات جنسها القرآن ومبادئ القراءة والكتابة وذلك في بلدتها الحريق، وعندما انتقلت إلى شقراء قامت بالتدريس في بيتها الواقع في حي «حليوة» ولم تتوقف عن التدريس إلا عندما افتتحت أول مدرسة ابتدائية في عام 1381ه.
وقد لبث المترجم له على أحواله الحميدة قائماً بجميع وظائفه إلى أن أصابه مرض في صدره وبطنه استمر معه أربعة أشهر وفي آخر ثلاثة أيام اشتد عليه المرض فتوفي على أثره مأسوفاً على فقده وذلك في شهر جمادى الثاني من سنة 1373ه وكانت وفاته وقت الضحى وصلِّي عليه بعد صلاة الظهر في بلدة الحريق وكان له من العمر اثنتان وستون سنة قضاها في خدمة بلده رحمه الله تعالى برحمته الواسعة هو وجميع موتى المسلمين.
17 إبراهيم بن عبدالعزيز بن علي بن عبدالعزيز بن إبراهيم بن عبدالله بن محمد بن حسن من المشارفة من قبيلة الوهبة من بني تميم. سبق أن ترجمت لوالده في الحلقة السابقة (5).
ولد المترجم له في بلدة الحريق سنة 1304ه تقريباً، نشأ يتيماً إذ توفي والده وله من العمر حوالي ست سنوات وهو الابن الوحيد له. تعلم في كتاب البلدة على يد الشيخ المقرئ محمد بن عبدالله الحميزي، عرف بالصلاح والطاعة والتمسك بأمور الدين. كان يكتب كتابة ضعيفة عند الحاجة إلى ذلك، وغالباً أنه لا يكتب إلا إذا غاب الحميزي، توفي في مدينة الرياض وذلك سنة 1384ه وقد خلف ابناً واحداً فقط هو الدكتور محمد الحسن عميد كلية العلوم بجامعة الملك سعود حالياً وفقه الله رحم الله المترجم له برحمته الواسعة هو وجميع موتى المسلمين.
الهوامش:
(1) من واقع «دفتر النفوس» الخاص بالمترجم له، مصدره الرياض وهو برقم «16959» وتاريخ 14/8/1366ه.
(2) أتى بعد المترجم له لأجل التدريس في كتاب بلدة الحريق شخص من أهالي بلدة القصب يدعى أبن عوجان ولم يمكث سوى سنتين.
(3) هو سعد بن عبدالله بن إبراهيم بن نشوان بن محمد بن عبدالله بن نشوان من المشارفة من الوهبة من بني تميم، مات والده مقتولاً سنة 1288ه وحسب ما ذكره الشيخ إبراهيم بن عيسى في تاريخه : «عقد الدرر» في أحداث تلك السنة ووصفه بأنه من رؤساء أهل أشيقر وأنه كان كريماً سخياً شجاعاً رحمه الله تعالى أما ابنه سعد المذكور فقد عاش في بلدة الحريق وكانت له تنقلات في مطلع شبابه فيما بينها وبين بلد المجمعة لأن له أعمالاً تجارية فيها، كان من أثرياء بلده ويعد من كبار جماعته ومن أصحاب الحل والعقد فيها، وقد أختير ناظرا للبلدة لمتابعة كثير من أمورها. كان مضيافاً كريماً بابه مفتوح دائماً لأهالي بلده ولأي فرد قادم إلى الحريق أو ماراً بها. وإذا فزع أهالي البلد لرد أغنامهم إذا سرقت كان يمشي في قافلتهم لحراستهم، عرف بالذكاء والفطنة وكان ذا رأي سديد. يكتب كتابة ضعيفة خاصة فيما يتعلق به من مراسلات ونحوها وله عدد من المراسلات مع قضاة منطقة الوشم.
تولى الوكالة على الأملاك والأوقاف الخاصة بأسرته آل نشوان وكذلك صار وكيلاً لهم على أوقافهم العامة التي منحها أوقافاً للصائمين والسرج وغيرها يسلم ريعها لوكيل الأوقاف المعين من قبل أهالي البلدة. توفي في بلدته الحريق وذلك سنة 1371ه رحمه الله وقد خلف ثلاثة من الولد هم: عبدالله صار أميراً في قنا في منطقة الجنوب والثاني إبراهيم وهذان قد انقطع عقبهما، أما الثالث فهو محمد صار أميراً في القحمة في منطقة الجنوب كذلك ولا يزال له عقب رحمهم الله تعالى.
(4) ينظر كتاب :« تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام 1319ه 1419ه :122» من إصدار الرئاسة العامة لتعليم البنات.
(5) نشرت في هذه الصفحة، العدد رقم «10629» الصادر في 19/8/1422ه.
للتواصل: الوشم أشيقر 11961 ص.ب 6075

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved