| تحقيقات
تحقيق مريم شرف الدين تصوير أحمد قيزان
صورة أخرى من مآسي المخدرات ننقلها من جديد من داخل دار الملاحظة الاجتماعية بجدة.. ونلتقي بعدد آخر من الأحداث الذين أوقعتهم ظروفهم وملابسات حياتهم في حبائل المخدرات.
يتحدث لنا اليوم مجموعة من الشباب في عمر الزهور عن قصص يندى لها الجبين ويروون تفاصيل وقوعهم في الرذيلة بدءا بأول فصول المأساة وصولا الى دار الملاحظة وبين قضبان السجون.
يتحدث الصغار عن كيفية الحصول على الحبوب المخدرة ولماذا يزداد الطلب عليها أثناء الامتحانات وفي اوساط الطلاب بشكل عام تاركين للقائمين على التربية والتعليم وللمسؤولين في مكافحة المخدرات البحث عن حلول مناسبة لوقاية ابنائنا الطلاب من شرورها وويلاتها.
كما نعرض اليوم للتوزيع الشهري لاعداد قضايا المخدرات وفقا لاحصائيات الادارة العامة للمكافحة والتي تبين انخفاض هذه النسبة في شهر رمضان المبارك من كل عام.
ونترككم الآن مع الجزء الثاني من هذا الملف:
بداية تحدث الينا أحد الاحداث والذي التقيناه بدار الملاحظة بجدة حيث يقف مع بعض من زملائه في الدار ويبلغ من العمر 18 سنة ويدرس في الصف الاول المتوسط في مدرسة الدار.
يقول الحدث «س» مشكلتي بدأت منذ اكثر من «15 عاما» وعندما فقدت والدي وانا ما زلت طفلاً في الثالثة من عمري.. فقدت حنان الاب.. ولم اجد من حولي سوى والدتي العجوز واخوتي الكبار الذين انشغل كل منهم بحياته الخاصة ثم الزواج وعدم الالتفات الي كأخ لهم يحتاج الى الرعاية والحنان وتعويض تلك المشاعر التي كان من الممكن ان يحيطني بها والدي.. فقدت دلال ابي ومداعبته لي رغم انني كنت صغيراً لكنني كنت اشعر بوجوده قبل وفاته.. فكيف لي ان انسى والدي.
ومن خلال العبرة المحبوسة في حلقه والدمعة التي تكاد تفر من عينيه يقول: اصدقكم القول.. أنا اشعر بالحزن الآن لانه لو كان والدي على قيد الحياة لما كنت موجوداً هنا الآن ولما وصلت للحال الذي عليه الآن لأن تربيته كانت تربية صالحة ارتسمت كل آثارها على حياة اخوتي وسلوكياتهم.. الا انا بالطبع.. اذا كانت سلوكياتي غيرهم فهذا يعود الى عدم الرقيب.. لأن والدتي كما ذكرت امرأة كبيرة في السن لم يعد لها المقدرة على متابعة سلوكياتي.. بدءا بممارسة بعض السلوكيات غير السوية لاسجل السطور الاولى من حياتي.. وهنا يتضح لكم حجم المكانة التي يشغلها الأب أو الام معا في حياة ابنائهم انشغل عني الجميع وعدم استكمال المهمة التربوية التي كان من الممكن ان تحولني الى انسان صالح.. لم اجد القدوة الذي من الممكن ان أتأثر به داخل المنزل.
المراهقة ومخاطرها
وكلما كبرت بدأت تلك السلوكيات تتنامى معي.. ويتوقف لبرهة حتى وصلت «14 من عمري» والى هذه المرحلة الخطيرة من المراهقة.. كان لي العديد من الاصدقاء لكن عوضا من ان اجد الصديق الذي يمكنه ان يواسيني ويدلني على التوجه الى الطريق الصحيح.. شاء علي ونصحني بتعاطي حبة «الكبتاجون» اوصى لي بأنها سوف تمنحني القوة والنشاط وستساعدني على المذاكرة والسهر.. ترددت في البداية ولصغر سني وجهلي لتأثيرات هذه الحبوب والمخاطر التي تكمن وراءها انصعت لرغبته.. ورفقاء السوء.
ضحية المجتمع
وبنبرة حزينة : انا الآن عمري 18 سنة.. ربما تعلمت الكثير من حياتي.. اقول ان المجتمع دائما يلقي علينا اللوم ويصنفنا على ارتكابنا لأي خطأ بينما نحن في الأصل أو في الواقع ضحية أناس تخلوا عن مسؤولياتهم تجاهنا والانسياق خلف مغريات الدنيا وحياتهم الخاصة.. وان كنت لا اتحدث عن نفسي وانما اعتبر نفسي نموذجاً من تلك النماذج التي ضاعت مقابل هذا السبب او لاسباب اخرى وربما منهم متواجدون معنا في هذه الدار التي اجدها اصبحت المنزل الحقيقي لنا لانها وفرت الكثير من الاشياء التي نحتاجها ، اشياء روحية ومعنوية ومن أهمها الحنان الذي نفتقده.
أي نعم انا والدي متوفى ووالدتي امرأة طاعنة في السن ولكن هذا لا يعني بأنني لست في حاجة لهذا الحنان والرقابة والرعاية.. وعدم احتوائهم لنا بالحب الذي يضمن لنا مستقبلاً جيداً وينور لنا الطريق.
افتقدنا كل هذه العوامل في عصر كئيب مشحون بالمتغيرات والمتناقضات التي تسبب في ضياع الكثير وبسبب التجاهل والاهمال وليست بالنسبة لنا كشباب. وانما للفتيات كذلك.
بوتقة المعاناة
وينبه هنا.. جروحنا غائرة ومشكلاتنا كثيرة.. واجبرتنا لأن نعيش كجيل من الشباب في بوتقة المعاناة ولست ادري ماذا سيواجهنا في الغد بعد خروجنا من الدار ونظرات المجتمع. أجزم ان هذا الوجع سيكبر ويتضاعف.
أصدقاء السوء
ويعود لمواصلة حديثه.. استميحكم عذرا لخروجي عن الموضوع ولكن كان لابد لي من ان اعبر عن الثورة التي تكمن بداخلي وليتنا نجد من تكون له اذن صاغية لواقعنا نحن كأحداث .. المهم استمررت في علاقتي مع رفقاء السوء الذين هم كانوا السبب وراء اتجاهي الى طريق الادمان.. وان كانت الحياة يوجد فيها اصدقاء طيبين الا انهم يعتبرون قلة..
وبدل الحبة التي كنت اتعاطاها ازداد نصيبي من حبوب «الكبتاجون».. لكنها كانت لا تتوفر لي احيانا.. كنت اشعر بالطفش وعدم الرغبة في الحديث أو المذاكرة حتى.. ومع ثورة هذا الشعور.. ابدأ بالبحث عن أي شراب مخدر بديل عن الحبوب.. لانني أكون في حالة يرثى لها ولكن بعد شراب للمخدر كنت أشعر بالارتياح نسبيا..
أساليب ملتوية
كنت أحصل على قيمة هذه الحبوب من والدتي بالخداع والكذب.. بحجة شرائي ثيابا جديدة او اصلاح السيارة الخاصة بي والتي كنت امتلكها قبل تورطي في هذا الطريق.. الوالدة من طيبتها وحسن نيتها كانت تصدقني وتمنحني النقود التي انا احتاجها.. وأحيانا اخرى كنت اوفر قيمتها من مصروفي الخاص.
صدقوني انا كنت اتعاطى هذه الحبوب لتمنحني النشاط والقدرة التي تساعدني على المذاكرة .. في البداية منحتني هذا الاحساس ولكنها بدأت بعد ذلك تأثر على جسدي وعقلي.. اصبح لها رد فعل معاكس اي نعم الطريق الذي سلكته وعر ومليء بالحفر والحجارة.. الا انني اعترف بأنني انسقت لرغباتي ولم ادرك حجم المخاطر التي سوف اتعرض لها او تنتظرني.
لم التفت لذلك تماديت ولم اكتفي بالتعاطي وانما اتجهت الى الترويج لأن زملائي في المدرسة بعد فترة عندما شعروا بحالة النشاط الوهمي الذي كنت اشعر به وبدأ يتلاشى شيئا فشيئا كما ذكرت بدأوا يطلبون مني توفير كميات من هذه الحبوب مقابل اعطائي مبلغا من المال هذه المبالغ كانت مغرية بالنسبة لي بدأت اجري اتصالاتي بالمروجين.. وبدأت رحلتي مع الترويج.
الاختبارات..
ورواج السوق
وحتى لا ينكشف امري كنت احرص كل الحرص باخفاء كل ما يدل على توجهي الى هذا الطريق سواء ما يتعلق بالتعاطي او الترويج وباعتبار انني كنت اقوم بترويج هذه الحبوب لطلبة المدارس الذين يشكلون الغالبية العظمى نظرا لاقبالهم المتزايد عليها أثناء فترة الاختبارات وادمان البعض عليها بعد ذلك كما كنت ابيع لبعض العاطلين.
ويواصل.. في عملية البيع الواحدة كنت احصل على مكسب جيد.
انفاق على المعصية
ومع الاسف الشديد.. كل هذه البالغ التي كنت اتحصل عليها.. كنت اصرفها على المعاصي.. انني حزين واشعر بألم عميق يمزق داخلي نتيجة اهداري للوقت والصحة واقول بأنني نادم على الأموال التي كنت اجنيها من الترويج .. لانه كان مال حرام وينبغي ألا اندم عليه.. ولكنني اشعر بالندم تجاه تلك الأموال التي كنت احصل عليها من والدتي بالكذب والخداع وعلى استغفالي لها.. ومهما تقدمت في العمر كان ينبغي علي احترامها.
بعد ان اصبحت معروفا للكثير من العملاء الذين أقوم بالترويج لهم.. بدأت الشرطة بمتابعتي ومراقبتي.. الى ان تم القبض علي ثم القي القبض على زملائي الذين كانوا يقومون بالترويج معي.
الدار ورحلة الاستشفاء
كنت اعتقد بأن الامور ستكون اكثر تعقيدا .. ولكن الحمد لله.. وجدنا من يتفهم مشكلاتنا ونتيجة الادمان والسموم التي تسربت أو اختلطت بدمائي.. تم تحويلي الى مستشفى الامل .. بعد رحلة الاستشفاء حولت الى الدار لاستكمال مدة العقوبة .. اشعر الآن بأنني في حالة جيدة بسبب تلك البرامج العلاجية والرعاية التي تقدمها الدولة وعنايتها الجيدة بنا نحن كمدمنين بعد تلمسنا لآثارها.. وهذا مما يجعلني اعقد العزم لعدم العودة او الرجوع مرة أخرى للادمان او المتاجرة بهذه السموم لانني كنت السبب في وقوع الكثيرين في فخ الادمان.
أسأل الله ان يغفر لي ويعينني على التوبة كما احذر طلبة المدارس من الانسياق وراء زملائهم او الآخرين واقاويلهم الكاذبة والانحراف وراء قرناء السوء لأن هذه السموم يتم نشرها وترويجها لتدميرنا كشباب عربي ومسلم وتثبيط قوانا لان قوة الأمة تكمن اولا في ايمانها بالله ثم انسانها الذي له المقدرة على حمل رسالة حماية وطنه وهذه الامة وعندما تخور قوانا كشباب فماذا يبقى لهذه الامة.
والدتي ومسؤولية الأسرة
الحدث .. ي. ع. م. يبلغ من العمر 16 عاما ورغم انه وصل الى هذه المرحلة من العمر لم يدرس نهائيا..
يقول من جانبه : ربما قصتي لا تختلف كثيرا عما رواه الزملاء بالدار.. ولكن المهم ان نتعلم كيف نتلافى الآثار التي ستعقب الاخطاء التي ارتكبناها.
بالنسبة لي والدي توفي منذ ما يقارب الست سنوات فكنت اعيش مع والدتي واخوتي البالغ عددهم خمسة ثلاث بنات وولدان ويأتي ترتيبي الرابع بينهم. بعد وفاة والدي باعتباره كان العائل الوحيد لنا.. اصرت والدتي الى العمل في بيع المبلابس.. بدأت الاسرة تعتمد في معيشتها على والدتي.. نظرا لظروفنا المعيشية لم ادرس نهائيا ولم تكن لدي ميول الى التعليم لأن المسؤولية كبيرة وتحتاج الى تهيئة الظروف المناسبة للتعامل مع الكتب والمقررات التعليمية.
هروب
ومع الحياة البسيطة المتواضعة التي نعيشها .. الوضع العام في الاسرة لم يكن مشجعا للغاية.. هذا مما اضطرني انا ايضا الهروب الى طريق المخدرات وتعاطي الحشيش الذي تعلمته منذ ثلاث سنوات من خالي.. ثم عن طريق اقراني واصدقائي في الحارة والذين يعملون في ورش الميكانيكا والسمكرة، كان عمري وقتها «13 عاما».. لم يكن بالطبع لاسرتي اي دراية بتوجهي الى هذا الطريق سوى خالتي لاعتبارها كانت تحذرني بالابتعاد من الطرق الملتوية وانها لن تجلب الا الحزن وستقودني الى متاهات ربما لا يحمد عقباها.
وخدعت والدتي
لم انصاع لتلك التحذيرات او الاستماع لنصائحهم وقعت في شراك المخدرات كنت اذهب الى الزملاء في منزلهم بعد انتهائهم من العمل لتعاطي المخدرات معهم لانني كنت احصل على الحشيش منهم واحيانا اخرى كنت احصل على قيمتها من شقاء والدتي التي كانت تتعب وترهق نفسها في سبيل تسويق تلك الملابس لتوفير لقمة العيش الشريفة لنا.. ادمنت المخدرات ولم تكن لي المقدرة للتحرر منها.
تأنيب الضمير
انحدر دمعة من عينيه.. وبصوت متحشرج..
اشعر بالاسى يغتالني وتأنيب الضمير لأنني خدعت والدتي.. واهدار تلك المبالغ التي كنا في حاجة لكل قرش منها.. من اجل ماذا لشراء هذا السم الذي تعلقت به الى درجة كنت اشعر برغبة ملحة للحصول عليه.
لكنني احمد الله حتى مع ندرة المال وحاجتي للحشيش لم اتجه الى الترويج رغم ان الطريق كان ممهدا امامي وهذا يعود لأن عقلي لم يتوقف عن التفكير في الخطر او المصائب التي من الممكن ان تلحقني انا واسرتي في حالة اذا ما تم القبض علي في حالة التعاطي لأن الدولة ايدها الله تضرب بيد من حديد على كل من يتعامل مع المخدرات.
وفات الأوان
وقبل عودتي الى المنزل.. للامانة مع توارد هذه الافكار .. كنت انوي الاقلاع عن تعاطي الحشيش والتوبة وعدم العودة الى هذا الطريق.. لكن القدر لم يمهلني لأن الدوريات الامنية القت القبض علي بعد ان وجدت بحوزتي وحوزة زميلي 2 كيلو جرام من الحشيش ثم سلمني بدورها بعد ذلك الى قسم شرطة الشرقية الذي سملني بدوره الى دار الملاحظة.
في هذه اللحظة أحسست بأنني هالك لا محالة وانني في مواجهة مشكلة لن يخرجني منها سوى الله سبحانه وتعالى.. وربما تم القبض علي لاتعلم من هذه التجربة وتكون درسا قاسيا لي لعدم العودة الى نفس الطريق.
طمأنينة واستقرار
أما عن سؤالكم لي حول الكيفية التي وجدت عليها الدار والمحيط الذي بداخله.. اقول الحمد لله بأنه قد تم تحويلي الى هذه الدار التي جعلتني احس بالطمأنينة والاستقرار بعد حالة الضياع التي كنت اعيشها.
حفظت القرآن وتجويده تعلمت الكثير من الاشياء التي سوف تفيدني ان شاء الله في حياتي القادمة بعد خروجي من الدار.. وهذه العبر التي كان ينبغي علي ان اتعلمها واستيعابي لها قبل ان اسلك هذا الطريق.
تعافيت واستعدت صحتي بعد اسبوعين من وجودي في الدار وبعد ان سخر لنا الله القائمين فيها لانتشالنا من هذا المستنقع والا لكنا الآن على شفير الهاوية.
تفكك أسري
الحدث «أ»: كما يمكننا ان نسميه: الا اننا اردنا التوقف امام قصته باعتبارها تمثل نموذجا آخر من هذه المآسي.. والتي كانت السبب في اتجاهه الى المخدرات.
يقول الحدث.. انا ابلغ من العمر «15 عاما» ادرس في الصف الخامس الابتدائي.. مأساتي انكتبت فصولها نتيجة التفكك الاسري الذي نعيش فيه وبعد افتقادنا للمناخ الاسري الايجابي الذي من الممكن ان يساعدنا على العيش في حياة هادئة بعيدة عن كل ما يمكنه ان يكدر صفوها كان والدي يثور لاتفه الاسباب ويعنف امي على كل موقف وكل تصرف كانت تقوم به.. ونتيجة هذا الشجار طلق والدي والدتي.. تزوج من امرأة اخرى وانجب منها بعد ان انتهت العشرة بينهما.
ثم انتقلت والدتي بعد ذلك للعيش في منزل خالي واخذتنا معها انا واخوتي من خلال الوضع الاسري المتفكك انقسمت حياتنا فأصبحت اعيش بين والدي ووالدتي عندها وتارة اخرى عنده.
امام هذه الاجواء المكهربة.. كيف من الممكن ان تكون حياتي وانا في المرحلة الاولى من المراهقة لم اجد بدا من الالتفاف حول الاصدقاء.. الذين اصبح لهم دورهم الاكبر في اسقاطنا في عالم المخدرات.. وباعتبار المشكلات بدأت تتكالب علي من كل جانب بدأت انساق لهم بهدف الهروب من معاناتي الاسرية التي كنت اعيش فيها اتجهت الى تعاطي الحبوب والحشيش وانا في الثالثة عشرة من عمري استمررت الى درجة ادماني لها.. وبصراحة اقولها لكم انا لا اعفي نفسي من مجاراتي لهم.. ولكن ذلك كان خارجا عن ارادتي صدقوني لو انني وجدت الصدر الذي يحتويني او توفر لي المناخ او الجو الاسري المناسب لما انقدت لهؤلاء الاصدقاء.
ولا اخفيكم امرا الاغراءات كثيرة وقد تجد من يقدم لك هذه المخدرات بدون اي مقابل وبعد نصبه لشراكه وجر الفريسة الى فخ المخدرات .. وحينما يتأكد انها وقعت في المصيدة بالفعل.. تبدأ المساومة.. اما الدفع واما انك تعيش مرارة الالم بسبب ادمانك لهذه المادة وسريان هذه السموم في اجسامنا.
دوافع مادية
وهذا ما حدث معي.. عند عدم حصولي على المادة المخدرة كنت اتعب كثيرا الى درجة انني كنت اشعر فيها بأنني سأفقد حياتي وكما اسلفت باعتبار ان الوضع العام لهذه الاسرة التي تفككت بعد ان راح الوالد والوالدة كل في حال سبيله وعدم توفر المال الذي يمكنني من توفير حاجتي من هذه الجرعات.. هذا مما دفعني الى البحث عن كيفية توفير المال اللازم.
وفي لحظة شرود .. اتجهت الى الترويج بعد تعرفي على عدد من المروجين.. اتجهت الى الترويج وانا مجبر رغم معرفتي بأنه طريق محفوف بالمخاطر والحكم الشرعي الذي اصدرته الدولة بحق كل فئة تتعامل مع المخدرات وهذا مما يعني الحكم سيكون مضاعفاً على الشخص الذي يتعاطى ويقوم بالترويج في نفس الوقت.
كنت مجبوراً للترويج لتوفير هذه الجرعات ومتطلبات الحياة الاخرى.. الوالد مع وجود الزوجة الاخرى تناسى ان هناك له ابناء وزوجته السابقة هم في حاجة الى توفير احتياجاتهم او بعض الحنان.
وبالترويج تمكنت من التغلب على هذه المشكلة..
عند بدايتي في الترويج كنت اقوم بشراء كميات كبيرة.. كل كمية منها كانت تصل الى «200 حبة كابتجون» كل منها بقيمة «1200 ريال» هذه الكميات كنت اقوم باخفائها ثم اخراج كميات صغيرة منها لبيعها مفرقة بعد ذلك بسعر الحبة الواحدة منها «25 ريالاً» لاصحاب الاعمال الحرفية والسائقين.
ما قبل العاصفة
صدقوني رغم الأموال الطائلة التي كنت اجنيها لم احس بطعم السعادة.. لانني كنت اشعر بأنني مهدد اما بالقبض علي او انتهاء حياتي عند زيادتي لجرعة هذه الحبوب التي كنت اتعاطاها .. كانت تلفني سحابة من القلق والخوف والحزن.. وصدق حدثي والقي القبض علي من قبل «رجال المكافحة» بعد ثلاثة ايام من المراقبة والمطاردة.. الى درجة انني شعرت بالذنب والندم .. تذكرت امي.. قلق في نفسي.. ما ذنب هذه المسكينة عندما تعلم بأن ابنها «مدمن ومروج» تثاقلت علي الهموم بسبب الحال الذي ستكون عليه امي لم ادر كيف تم التحقيق معي.. ولم اجد نفسي الا في الدار. من خلال البرامج العقابية والعلاجية الجيدة في الدار هذا مما جعلني اتماثل للشفاء بعد فترة وجيزة من دخولي اليها اضافة الى المعاملة الطيبة والوضع العام الجيد فيها.. كنت اشعر بالطفش لانني لم اتعود على الاماكن المغلقة والبقاء في موقع واحد وافضل الحرية.. ولكن ينبغي علي ان لا اتألم لذلك لانني كنت السبب في تواجدي بهذه الدار وان شاء الله تكون هذه التجربة درسا قاسيا بالنسبة لي ولغيري ايضا وستكون هي البداية لطريق التوبة الذي يقيني شر العودة الى المخدرات واعادة الصلة بيني وبين الله سبحانه وتعالى والتكفير عن هذه الذنوب وهذا كل ما ينبغي ان يقوم به كل من سلكوا هذا الطريق.
أولاد ناس
كما القتينا بالحدث «م.ع.أ» وهو يبلغ من العمر «16 سنة» ويدرس في الصف الاول المتوسط بمدرسة الدار وعن حالته الاسرية يقول: جميعنا لنا اسر ونرجو بأن لا يتوارد الى مخيلتكم بأننا اولاد شوارع او مشردين.. لي ام وأب واخوتي الذين يبلغ عددهم ستة من الاناث والذكور ويأتي ترتيبي الثالث بينهم اضافة الى ان واحدة من اخواتي متزوجة.
وضعنا المادي لا يختلف عن وضع أي أسرة فقيرة.. بالكاد تكاد تغطي احتياجاتها.. وباعتبار والدي يعمل متسبباً ولا يوجد لديه عمل ثابت.
هذا مما جعل الاسرة تعتمد في معيشتها على الدخل الذي تحصل عليه من الضمان الاجتماعي رغم اننا اسرة فقيرة ولكن الحمد لله طيلة حياتنا لم يكن هناك ما يكدر صفو عيشنا.
قبل عام تقريبا وعندما كنت في «15 من عمري» من خلال الاصدقاء ولقائي بأبناء عمومتي تعرفت عن طريقهم على تعاطي الحشيش والعرق والحبوب المخدرة.. كانوا يتعاطونها بشراهة.. وأي من سهراتهم او اجتماعاتهم لم تكن تخلو منها. اندمجت معهم في الاجواء التي يعيشونها .. احيانا كنت احصل على هذه المواد المخدرة منهم واحيانا اخرى اشتريها عن طريق المبالغ التي كنت احصل عليها من اهلي او اقوم بسرقتها منهم او من غيرهم.
بسبب ادماني للمخدرات تعلمت السرقة لم اكن اتوقع بأن يصل بي الحال او الامر لأكون سارقا او حراميا ان كنت اشعر بالحرقة في داخلي الآن.. الا انني لم يكن لي هم آنذاك سوى التعاطي والالتقاء في خلوة مع هؤلاء الاصدقاء وابناء عمومتي.
أفسدت أخي
ومع الوضع الذي كنت اعيشه والمتعة التي كنت اتخيلها وتتهيأ لي لم اكتف بانخراطي في هذا الطريق.. هل تدرون الى أين وصت الوقاحة والجرأة بي؟؟ وصلت بي للتغرير بشقيقي واخي التوأم وجلبي له لعالم المخدرات علمته التعاطي وكيفية التعامل مع كل نوع منها افسدته.. اوهمته بأنها تساعد الانسان على الشعور بالسعادة التي كنت اتوهمها وانها ستجعله يعيش في عالم آخر.
رضخته لرغبتي وانساق لعباراتي المنمقة التي زينتها له.. اسررته بها كما أسرني اصدقائي وابناء عمي .. بدءا بمشاركتي في ارتكاب هذا الاثم الذي كنا نرتكبه في حق انفسنا وتجاهل كل من حولنا.. وعدم الالتفات الى المخاطر التي من الممكن ان تعترض طريقنا فكان همنا كله منصبا في التعاطي وكيفية توفير المخدرات التي ادمناها وبدأ اخي ينجرف اليها.
ولهذا اقول أنني لم انساق لعبارات وأحاديث ابناء عمي واصدقائي لما وصلت الى ما انا عليه او اجتذاب اخي الى المخدرات او هذا الداء العضال الخطير لانني كلما تذكرت الحالة التي انا اكون عليها او الاموال المسروقة التي كنت اوفرها في سبيل الحصول على هذه السموم. كلما استهجنت هذا التصرف الارعن الذي كنت اقوم به ويومئ برأسه ويكمل حديثه..
كثيرا ما كنت افكر في التوبة الا ان تلك الشلة كانت تجتذبني اليها والى طريق التعاطي والمخدرات كما يمكننا ان اشبهها كالمغناطيس فغاصت قدماي في هذا الوحل.. تماديت كثيرا.. ولكن في نهاية المطاف.. ماذا او ماهو الشيء الذي استفدت من توجهي لهذا الطريق.. بالطبع لا شيء.. وانما دفعت ضريبة او ثمن هذا التمادي باهظا..
في ليلة القبض علي عدت الى المنزل وانا مخدر تماما او بصريح العبارة في حالة سكر تام.. بعد تناولي للعرق المسكر.. دخلت على اسرتي وانا على هذا الحال وباعتبار ان احدهم لم يتوقع مشاهدتي في هذه الصورة وانا اترنح امامهم.. وباعتبارها لم تحدث في عائلتنا من قبل ابلغوا عني وجاءت سيارة الشرطة والقت القبض علي باعتبار انني كنت غائباً عن الوعي لم ادرك ما حصل اعتقدت بأن كل الصور التي كانت امامي مجرد حلم.. وبعد ان عدت الى وعيي.
ما جنته يداي
وبشيء من الحزن.. ادخلت الى الدار ولهذا اعترف بأن هذا العقاب هو الضريبة الحقيقية لكل ما جنته يداي وتصرفاتي الرعناء.. وانقيادي لاحاديث الآخرين.. وبعد الظروف التي تهيأت لي داخل الدار وتقديم المساعدة لنا وخدماتها الرائعة للشفاء لا زلت اشعر بشيء من الضيقة نتيجة هذا الذنب الذي اقترفته.. لانه ليس من السهل مواجهة الابن لوالده واسرته في تلك الصورة والايام التي امضيتها والوقت الذي اهدرته في تعاطي المخدرات.وان كانت لي النية انا وزملائي على عدم العودة الى هذا الطريق.. الا اننا نسأل الله بأن يتوب علينا التوبة النصوحة.. وننصح جميع الاطفال والشباب من الانقياد الى كل الاغراءات التي تطرح امامهم وتحذرهم من عدم تجاهل هذه المخاطر.
|
|
|
|
|