| الثقافية
* كتب عبدالحفيظ الشمري:
اقيمت مساء الثلاثاء 17 شوال الموافق 1/1/2002م اولى جلسات منتدى السرد بنادي القصة بجمعية الثقافة والفنون بالرياض والتي جاءت على هيئة حديث شجي ألقاه الاديب والروائي اليمني الاستاذ/ صالح سعيد باعامر مدير إدارة الثقافة في حضرموت.
الامسية اقيمت بحضور مجموعة من الادباء والكتاب والصحفيين واستهلها المشرف على نادي القصة السعودي الاستاذ/ خالد احمد اليوسف بالترحيب بالضيف والحضور ليتحدث الاستاذ/ باعامر وبشكل مقتضب عن البدايات الاولى لفن الرواية في حضرموت والذي هاجر مع سفن المهاجرين الى الشرق الاقصى مستعرضاً في هذا السياق رواية «ضحية التساهل»1924م لاحمد عبدالله السقاف ليرى انها اول عمل ادبي يناقش قضايا الهجرة الحضرمية..ويستعرض ما تلاها من اصدارات في منتصف القرن الماضي او قبله بقليل بعد صدور الصحافة الحضرمية المهاجرة في كل من سنغافورا، والهند واندونيسيا وبلاد اخرى في شرق افريقيا مثل الحبشة، وجزيرة سومطرة.
وألمح الاستاذ/ صالح باعامر الى أن الرواية الحديثة في اليمن تواصلت بنفس الوتيرة التي سارت عليها الاعمال السابقة فجاءت رواية «صنعاء مدينة مفتوحة» مثيرة للجدل في عدة طبعات، وكذلك يصف رواية «يموتون غرباء» و«الرهينة» لزيد مطيع دماج.
وتحدث الضيف عن اشكالية اجتماعية كانت تواجه اليمنيين وهو ما يعرف اصطلاحاً محلياً بالمولدين والذين ينشؤون من آباء يمنيين، وامهات افريقيات كما تطرق الى ان السرد القصصي والروائي له خصوصيته في الادب باليمن حيث يرى انه يعيش حالة من المخاض، والتحول..إلا انه اكد على انه يتأثر بشكل طبيعي بما حوله من آداب، وطروحات ثقافية وفكرية في العالم..ولاسيما التحولات الكبيرة في العالم والتي اسهمت الى حد بعيد في تسجيل الرؤية الخاصة للأديب اليمني الذي يقول الشعر ويكتب الرواية منذ عقود طويلة فبلغت الروايات التي كتبت في المهجر نحو «100 رواية» حتى الآن.
وفي معرض حديث الضيف عن نشأة الادب والفن الروائي في اليمن اشار الى ان اتحاد الكتاب في اليمن بشطريه كان قائماً منذ عام 1973م اي قبل الوحدة اليمنية..فكانت هناك خصوصية للادب والكتابة في اليمن حتى انه يرى ان هذه الوحدة في اتحاد الكتاب أسهمت والى حد كبير في قيام الوحدة قبل عشرة اعوام الا انه اشار الى بوادر ضعف اصابته بعد انجاز الوحدة.
واضاف باعامر مؤكداً على ان فن القصة القصيرة كانت له البداية وكان هو الفن الاقوى الذي اسهم بالتعريف بما لدى كتاب اليمن من ابداعات ثقافية وادبية.
وبعد أن أتم الضيف حديثه حول الرواية في اليمن نشأتها وتطورها، وهجرتها كانت اولى المداخلات للقاص حسين علي حسين والذي علق على مصطلح «المولدين» واختلافه من حيث الرؤية لهؤلاء المتأدبين بآداب وثقافة العرب وهم ليسوا منها..ثم علق الروائي احمد الدويحي واصفاً رواية «الرهينة» لمحمد بن عبدالولي بأنها جرأة في تصوير الواقع داخل اليمن..اذ يرى «الدويحي انه صاحب او كاتب الرهينة تفوق على مجايليه او من سبقوه في هذا المجال لتأتي هذه الرواية مدوية وقوية في ظهورها الى القارئ.
وعلق الدويحي في نهاية مداخلته مؤكداً ان لدينا من تعمق في حياة المجتمع اليمني وأنجز عملاً روائياً متميزا..هو الدكتور سلطان القحطاني الذي صدرت له رواية «خطوات على جبال اليمن».
وكانت للشاعر عبدالله السمطي رؤية اخرى حول السرد في اليمن..اذ تداخل مع الضيف صالح باعامر واصفاً الرواية في اليمن بأنها تمر بأزمة حقيقية في ظل غياب النقد الادبي عنها واتجاهه نحو الشعر ان وجد..ويرى «السمطي» ان الشعر في حقيقة الامر له صولة وجولة في الابداع العربي بشكل عام مما جعل الفنون الاخرى تبتعد كثيراً عن مظاهر الشعرية الطاغية والمسيطرة على الاهتمام.
واجاب الروائي صالح باعامر على مداخلة السمطي مؤكداً ان الشعر هو الحاضر في ذهن المتلقي كما ان النقد بعيدعن السرد الادبي فعلا ولاسيما الرواية رغم ان هناك محاولات نقدية حول القصة ربما اهمها طروحات عبدالحميد ابراهيم والذي كتب قبل ثلاثة عقود عن فنون السرد وعلى رأسها القصة القصيرة.
وجاءت مداخلة الناقد الدكتور/ حسين المناصرة مستفهمة عن سر غياب الدراسة الاكاديمية المتخصصة في مجال الرواية في اليمن؟! لانه يرى ان مهمة القارئ والباحث شاقة اذا ما حاول استقصاء الفن الروائي في اليمن، فهي بحاجة الى كتاب متخصص يعرّف كماً وكيفاً بالسرد القصصي والروائي لعلنا كقراء عرب نتعرف عن قرب وواقعية على هذه الاعمال التي هي محور الحديث هذه الليلة.
وكانت مداخلة الأستاذ سعيد مبارك السبتي جاءت على شكل اضاءة توضح البعد القيمي لما يطرح في اليمن من رواية وقصة وشعر اذ يرى السبتي ان العمل الروائي لم يكن بذلك الحضور والقوة كما في الدول العربية الاخرى اذا ما استثنى تجربة محمد عبدالولي في روايته الرهينة فان الرواية مازالت تعاني من اوجه قصور وعدم حضور في ذهن القارئ العربي. واشار سعيد السبتي الى ان اتحاد الكتاب اليمنيين منذ ان رأسه الشاعر عبدالله البرودني وجاء بعده زيد مطيع دماج، والشحاري اسهم في التقريب بين اليمنيين لتكون الوحدة ثقافية وادبية قبل ان تكون وحدة سياسية، والمح السبتي في معرض مداخلته على ورقة «باعامر» الى ان القصة القصيرة اقوى من الرواية وذلك لكثرة المشتغلين بها..واضاف وجهة نظر اخرى حول «هجرة الحضرميين» الى الشرق لم تكن بقصد التجارة وحدها وانما اختلطت باهداف اخرى انسانية ودينية اسهمت بالتعريف بحضارة العرب والمسلمين.
على اثر هذه الورقة والمداخلات حولها تحدث الدكتور/ محمد ابو بكر حميد في مداخلة استقصائية حول نشأة الادب في اليمن موضحاً أن اول اشكالية تعترضه هي عدم وجود مصطلح «ادب يمني» فهو لا يرى ان هناك نسيجاً يحمل فكرة الادب على الرغم من انه يؤكد على ان هناك اهتماماً بادب الآخر، وهناك عناصر تتأثر فيما يطرح في العالم من اداب وثقافات.
والمح الدكتور/ محمد حميد الى التجارب الاعلامية والادبية الاولى في عدن والتي جاءت على يد محمد علي لقمان وهو محام عندما اصدر «جريدة فتاة» الجزيرة عام 1938م وصحيفة انجليزية باسم « عدن كرونيكل» ونقلت هذه المطبوعات الى كافة انحاء الوطن العربي اما في حضرموت فيرى الدكتور حميد ان الكتاب نادر، والصحف محدودة الانتشار آنذاك.
واشار المداخل الى ان حديث الضيف باعامر هو جزء من التعريف بما لدى المثقف اليمني والذي يهتم بالعلم والادب رغم اختلاف البيئات فمثلاً يرى د. حميد ان هناك فرقاً شاسعاً بين بيئة عدن حضرموت فالاولى تتمتع بالبحر والانفتاح على والحضارة والتمدن الذي يظهر في اهل عدن عادة..فيما تعيش حضرموت حالة من الجفاف والصحراء والجبال فتنعكس والحديث للدكتور محمد هذه البيئة على الابداع الذي يقوم به هؤلاء، اما صنعاء ونواحيها ففيها طبيعة جميلة وجبال خضراء لا توجد في عدن او حضوموت وتلك بيئة ثالثة
كما يرجح في سياق تعليقه بان الحياة الادبية في عدن اقوى بكثير منها في بعض المحافظات الجنوبية كحضرموت تحديداً بوصفها اهم المناطق..فعدن كما يراها الدكتور حميد كانت منبر اشعاع ثقافي وصل الى كل جهة في العالم.
ويرى «المداخل» الدكتور حميد ان ابناء عدن ولاسيما المثقفين والادباء كانت لهم اهتمامات بالنشر والادب واستطاعوا اصدار العديد من المطبوعات والكتب والمؤلفات في مجالات عديدة لانهم درسوا في بريطانيا وفي بلاد غربية واخرى شرقية فكان لاختلاطهم اثر في قيام هذه المرحلة الهامة من مراحل بناء ثقافة اليمن وأدبه.
ويذكر الدكتور محمد حميد العديد من النماذج الادبية التي هاجرت مطلع القرن الماضي الى الصين وسنغافورة والهند اندونيسيا وبلاد اخرى من امثال الشاعر صالح الحامد الحضرمي والذي عاش في سنغافورة وله ثلاثة دواوين (نسمات الربيع ، ليالي المصيف، على شاطئ الحياة) ويؤكد ان هذا الشاعر هو مؤسس ورائد الحركة الرومانسية في الجزيرة العربية..ويرى أن تأسيس السقاف لمجلة النهضة الحضرمية في شرق آسيا هو بمثابة وصول الى عالمية الطرح الادبي للمثقف العربي المهاجر.
ويؤكد الدكتور محمد حميد في ختام مداخلته على محاضرة باعامر على ان الادب كان له حضور قوي ايضاً في اليمن وهاجر مع اهله الى كل مكان في العالم من امثال الاديب علي احمد باكثير والذي عاش بمصر، وتأثر بعض الشعراء القدماء بشوقي والعقاد وشعراء لبنان وسوريا وبلاد عربية وغربية اخرى من خلال تنقلهم او هجرتهم الى هذه البلاد.
وتواردت على المحاضر صالح باعامر العديد من الاسئلة التي اجاب عنها، وعلق اكثر الحضور فكانت مداخلة الدكتور/ سلطان القحطاني هي بمثابة اسهام عن غياب الاعلام اليمني والذي قد يخدم الثقافة ويروج للادب بوصفه نشاطاً ثقافياً يتداخل مع الثقافات الاخرى..واكد الدكتور سلطان علي ان اهم ما يميز الادب اليمني هو تنوع الواقع الاجتماعي في اليمن.
القاص عبدالله حسين علق على ورقة المحاضر واصفاً الرواية بأنها فن ظهر اخيراً بعد ان تمرد على الشعر فظهور الرواية تأخر بسبب قوة الشعر وسيطرته على معالم الادب.
|
|
|
|
|