| عزيزتـي الجزيرة
في رمضان الماضي عادت بي الذاكرة إلى ما قبل خمس وثلاثين سنة تقريبا.. أذكر بالذات عام 1967م حينما كانت الأمة العربية تعيش حالة ازدراء من جراء ما يسمى بنكسة حزيران ومن باب الصدفة ان حضرت ذات مرة مجلس الملك فيصل رحمه الله ولا سيما مأدبة الافطار في شهر رمضان وكنت اسمع حديثه للمحيطين به يدور في تبعيات تلك النكسة ومدى تأثره بما وقع وخاصة للقدس الشريف.
سبب حديثي هذه المرة في هذه المقالة أنني أسعد كثيرا.. بحضور مجالس ابنه الأمير خالد الفيصل وعادت بي الذاكرة إلى ملاحظة التقارب في مجلس الابن ووالده وصدق المثل العربي من شابه أباه ما ظلم، فالرجل بطبعه حدد أربع جلسات أسبوعية مع مختلف شرائح المجتمع يتخلل هذه المجالس مأدبة عشاء على مائدته ويتخللها ايضا.. حوارات ومناقشات وآراء وأفكار صريحة ومجادلات ثمينة فالرجل واسع الاطلاع وسريع البديهة وقوي الشخصية ولا تستطيع ما لم تكن متمكنا وملما بالأمور مسايرته فسرعان ما يقف عند نقطة معينة ثم يبدي مزيدا من التوسع نحوها وشيء غريب وعجيب في عالم الجلساء. وأنا كما ذكرت أسعد بحضور تلك المجالس وهو يتمتع بسعة صدر أكبر من الخيال وعدم تمييزه بين فئة وأخرى وهذه بلا شك تعتبر سمة من سمات وخصائص فطاحلة العظماء والمعاصرين فهو مبرمج وقته بالدقيقة والثانية فمجلسه الأول من الأسبوع مع مشائخ القبائل والأعيان ومن في حكمهم يتبادل الحديث معهم في التقاليد والشؤون القبلية ويلم إلماما «كاملا» بنمط الحديث في هذا المضمار إلى درجة أن معضلة غلاء المهور التي استفحل أمرها بين أفراد المجتمع سارع إلى المبادرة لوضع قاعدة يحتذى بها لحل هذه المشكلة المستعصية حيث تقرر تحديد المهر بأربعين ألف ريال بما فيها تحديد الولائم المطلوبة لحفل الزفاف وأصبحت قاعدة عامة في كافة منطقة عسير، أما المجلس الثاني فهو مع رجال العلم والقضاة ومن في مستواهم وهكذا يستمر الحوار معهم في كل ما يهم هذه الشريحة من المجتمع فلديه سعة أفق وبعد نظر ورؤية في القضايا والمشكلات.
أما المجلس الثالث فهو مع الأدباء والمثقفين وأساتذة الجامعات وساعتها ترى سعة الفكر والثقافة والأدب وسعة الحوار فهذه مهنته وما جائزة الملك فيصل العالمية وما وصلت إليه في كافة العلوم والثقافة والأدب والتاريخ المعاصر إلا نموذج يحتذى به في المحافل والمؤسسات الدولية فضلا عن المبادئ والأهداف النبيلة لمؤسسة الفكر العربي التي ظهرت على الأضواء والذي كان الدافع الرئيسي لإبرازها على أعلى مستويات الثقافة والفكر العالمي، اما المجلس الرابع من الأسبوع فهو مع المسؤولين من مديري الإدارات والمؤسسات الحكومية وهناك ترى ايضا ابعاد النقاش في فن الإدارة وعالم الاجراءات الرسمية والابداع الإداري ودقة النظر والتخطيط لأعمال التنمية والصلاح والإصلاح الإداري فهو حازم في أي مخالفة إدارية متعمدة ولذلك فنظام العمل بالامارة من أروع الانظمة في جميع الوزارات والإدارات الحكومية قاطبة وقد كتبت مقالا في صفحة الإدارة والتنمية بجريدة الجزيرة قبل سنوات تمنيت فيه أن يطلع معهد الإدارة العامة على نمط النظام الإداري في تلك الإمارة ليكسب بدوره مدى دقة الاجراءات الإدارية والحقوقية وليجعل من ذلك نواة لبرامجه التدريبية لموظفي الدولة، إذاً.. هذه جلسات علمية عملية على مائدة الإبداع والتواضع.
شكري عبد الرحمن الشهري أبها
|
|
|
|
|