| محليــات
يخيل إليَّ أنَّ النَّاس الآن... تحتاج إلى قراءة ما يُخرجهم عن مخيَّلات الحروب، والدَّمار... ليزيح عن صدورهم ما أثقلت به عليها ويلات الحضارة في صراعها الأزلي مع «أوهام» السُّلطة، وأحلام السيادة...، ذلك لأنَّ الإنسان جُبل على جهل نفسه...
ولأنَّ ما خُيِّل إليَّ صحيح...، فلقد كانت ردود فعل القراء لمقال (من يعرفه) يوم الأربعاء الماضي، دليلاً قاطعاً...، فالحديث عن البكاء في صورة تجاوزية لما هو سائد في كلِّ ما يكتب الآن، جاء حديثاً مرغوباً فيه...، حمل القارئ إلى واقعه البشري، وطبائعه الإنسانية، في منأى عن جانب الشَّر فيه، إذ خاطب فيه، وجدانه المعبِّر عن أيِّ شيء يَكْلُمُه... أو يُخدشه، فيأتي البكاء، زائراً عابراً، لكنَّه يحمل «مسحاةً» تُطهِّره، من وطأة مايرده، في غير ما يحقق له الرضاء، أو يوطّن فيه الاطمئنان...
والإنسان في هذا المستوى من التَّعايش...
هو إنسان...
همُّه الأوحد: كيف يعيش، لأنَّه إن عرف كيف يعيش، فإنَّه حتماً سوف يٌدرك مدى نجاحه، أو فشله، في قضاء ما هو له من الزمن، فوق سطح الأرض، قبل أن يغادر إلى باطنها...
ولأنَّ ما بين العيش فوقها، والمغادرة إلى باطنها، مدة من الزّمن، أول من يجهل بدءها، ونهايتها هو الإنسان ذاته، فإنَّه يحتاج في الزمن الرَّاهن، إلى ما يُغيِّر نظرته إلى الحياة...
ذلك لأنَّ (طوارئَ) مفاجئة، سقطت على مجريات الخطوات البشرية في الأرض، فقلبت أوجه الأمور، وأفسدت على الإنسان فرحته بنجاحه في الحياة، أو حتى الإحساس عنده بتفوقه على كائنات الأرض، إذ حسب أنَّه بعلمه، ومبتكراته، ومقدَّراته، وبنجاحاته في صنع الدواء، تماماً كما إتقان حرف الهجاء، تماماً كما هو رشف قطرة الماء، قد استطاع أن يجتاز لغز، مَنْ يسبق مَنْ، (البيضة)، أم (الدَّجاجة)، في لعبة الحياة مع الإنسان، أو لعبة الإنسان مع الحياة، فإذا به يكتشف فشله الذريع، في تحقيق هذه النجاحات، لأهدافه الوهمية...
الإنسان الآن، مضطرب، بين أن يَسْخر من كلِّ الذين يعيشون لحظاتهم، في لهو، ومرح، وفرح، أو ينقم، من أولئك الذين يكشحون، في وجهه بشظايا الشَّر...، ويثيرون في عروقه رغبة الانبجاس نحو طفح الدَّم...
ولأنَّه هذا الإنسان، منكوب بالإنسان، فَقَدْ فَقَدَ ثقته، في «مصداقية» الخير الذي يٌخطِّط له، قادة الفكر، والعلم، والصناعة، والتِّقانة، والفن، والعمارة، والزراعة، وبين «واقعية» الشَّر، الذي يزجُّه فيه، كلُّ أولئك...
من هنا يفرح الإنسان، عندما يُمارس الهروب من ثقل الواقع، إلى تحليق الخيال...، حتى لو جاءت الحروف تستدرُّ فيه، الرَّغبة في البكاء...
الإنسان كالفأر المذعور...
والفئران تجد من يرعاها، ويعنى بها، حتى لو كان يُعدُّها لمشرط التَّجريب، أو «حقنة» التّخدير...،...
والإنسان، حاله الآن فوق الأرض، ليس أفضل حظاً من حال الفئران...
تخيَّلوا اليوم، ولكن لا تتخيَّلوا دموع الحمار، التي علَّمتني أنَّ البكاء ليس الدموع...
وإنَّما تخيَّلوا، لو أنَّ الإنسان الآن، في مناظرة مع الفأر...
تُرى...
أيُّ الحوارات، ستأخذ أولويتها في أجندة«النِّقاش»؟ ومن سيبدأ...
الفأر... أم الإنسان...؟!
إنَّ الإنسان، ربَّما ينسى، أنَّه لابدَّ له، قبل أن يشرع في التفكير، فيمن يبدأ...،
أن يتفقَّد ملابسه، وتحت طاولات الحوار...، ليكون متأكداً، من أنَّ الفأر، لم يَقْضُمْ شيئاً منها، قبل البَدْء...
كي يثق في أنَّه، لم ينكشف له ستر...
وعندئذ، فإنَّه سوف يبدأ المناظرة، وعنده شيء من الاطمئنان...
|
|
|
|
|