| متابعة
*
* كتب نائل نخلة رام الله:
تحولت الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة في كل مكان، ولا سيما مداخل القرى والبلدات والمخيمات والمدن الفلسطينية إلى مشاف للولادة، حيث شهدت هذه الحواجز العديد من حالات الوضع خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت نهاية ايلول الماضي.
وبحسب احصائيات وزارة الصحة الفلسطينية فإن «13» حالة موثقة لولادات تمت على الحواجز الإسرائيلية، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، علاوة على 10 حالات تمت اعاقتها، لكنها بلغت المشافي وتم الوضع هناك، مما أدى إلى وفاة تسعة أجنة قبل ان يروا النور.
واعتمدت إسرائيل أسلوب إغلاق المدن الفلسطينية ونشر الحواجز العسكرية على مداخل المدن والقرى للحد من حركة وحرية المواطنين الفلسطينيين، كعقاب جماعي اعتادت على اتباعه. وأثرت هذه الحواجز بشكل كبير على تنقل المواطنين الفلسطينيين، وخصوصاً المرضى والحوامل والطلبة والموظفين، وعادة لا يقتنع جنود الاحتلال بمصداقية الإنسان الفلسطيني بسهولة، حيث اوقف الجنود مرارا سيارات اسعاف وأحيانا مدنية، ولم يصدقوا ان هناك حالات حرجة تستدعي السرعة في الوصول للمستشفى، خاصة الحوامل إلا إذا سارع الجنين إلى الخروج والإعلان عن نفسه يكون دليلاً قاطعاً يثبت صدق أمه.
جرائم جنود الاحتلال متعددة الأشكال ومتكررة يومياً، حيث يتفنن الجنود في إيذاء المواطنين ويتلذذون في جعلهم يعانون، وإن كان الثمن حياة إنسان أو أكثر، مما أدى إلى إعدام تسعة أطفال قبل ان يروا النور.
فريال ادعيس فقدت وليدها دون أن تراه
في العاشر من تموز الماضي اضطرت المواطنة فريال محمود ادعيس «30 عاما» من قرية المالح في الأغوار الشمالية شمال الضفة الغربية للإنجاب على حاجز تياسير الذي يفصل الأغوار حيث تقع قريتها الصغيرة عن طوباس.
وقالت الحاجة أم إبراهيم، حماة فريال ان زوجة ابنها فريال جاءها المخاض، الأمر الذي يعني ضرورة نقلها إلى مستوصف للولادة، ولكن وجود الحاجز العسكري عند مدخل قرية تياسير الذي أدى إلى شلل حركة السيارات اضطر الأم الحامل وذويها إلى السير على الأقدام مسافة طويلة إلى ان صادفتهم سيارة على طريق تياسير طوباس.
وأضافت الحماة «عندما وصلت السيارة إلى الحاجز كان هنالك رتل من السيارات المتوقفة بكلا الاتجاهين فتحدث السائق مع الجنود، وأبلغهم انه يقل حالة طارئة لكن الجنود لم يستجيبوا له، مكتفين بالسؤال عن جنس المولود، إن كان ذكراً أم أنثى، دون ان يحركوا ساكنا.
«وبعد ساعة تقريباً سمح الجنود للسيارة بالتحرك وفور وصولنا إلى مستوصف الشفاء، قام الدكتور عبدالناصر دراغمة مدير المستوصف بالكشف على المولود، وبعد ذلك قدم تعازيه بوليدنا الشهيد الصغير»، أضافت الحاجة أم إبراهيم والدموع بدأت تلمع في مقلتيها. ووصفت المشاعر التي انتابتها في الطريق بأنها مزيج من الخوف والحنق والحقد معا لصلف الجنود وعنجهيتهم، كون الولادة تمت في العراء وتحت أشعة الشمس وفي ظل عدم وجود معدات طبية.
وعن تصرفها مع ولادة زوجة ابنها، قالت «لقد تملكني الخوف ولم أدر ما أفعل؟ رغم محاولة فريال الضغط على نفسها والتحمل، إلا انها لم تستطع المقاومة، وجاءها المخاض عند هذا الحاجز». فيما أكدت فريال ان حملها كان مكتملاً وطبيعياً، وانها لم تكن تعاني من أية مشاكل صحية، وكذلك الحال بالنسبة للجنين الذي كان طبيعياً.
وأشارت إلى ان وليدها لم يمت فور ولادته، وإنما بعد ذلك بقليل، محملة مسؤولية وفاته على الحكومة الإسرائيلية. وقالت الوالدة والدموع تنهمر من مقلتيها «لولا الخدمات الصحية في المستوصف التي لقيتها لكان وضعي أسوأ من ذلك، فلقد فحص الأطباء الوليد وتابعوا حالته، لكنه كان قد فارق الحياة.
دراغمة: حالة فريال لم تكن الأولى في المنطقة
من ناحيته، قال الدكتور عبدالناصر دراغمة «نحن ندرك حجم المعاناة التي يسببها الاحتلال للمواطنين، وحالة فريال ووليدها ليست الأولى التي تصل إلى المستوصف من منطقة الأغوار الشمالية بعد معاناة على حواجز الاحتلال».. وتابع «حالة فريال ادعيس وطفلها الذي لم يحمل اسما بعد تشكل حالة خاصة، فهناك أم وطفل وحكم عليه الاحتلال بالإعدام من اللحظة الأولى التي يرى فيها النور. وأكد ان الطفل وصل إلى المستوصف وهو في وضع صحي سيئ، علاوة على الحالة النفسية المتردية للأم، التي تعافت مما عانته بعد تقديم العلاجات اللازمة لها وتهيئتها نفسياً.
أحلام الريماوي.. أول من وضعت على الحاجز
وكانت السيدة أحلام الريماوي «32» عاما أول امرأة تضع جنينا على حاجز إسرائيلي أثناء توجهها من بيت ريما شمال رام الله إلى مستشفى رام الله الحكومي في 11 اذار المنصرم.
وعن تجربتها قالت ان جنود الاحتلال أوقفوا سيارتها الخاصة التي كانت تستقلها ودققوا في هوية الراكبين، ولم يقتنعوا ان هناك حالة ولادة إلا عندما باغتها المخاض، فصدق الجنود ذلك، لكنهم لم يسمحوا لها بالمواصلة، حيث قاموا بالاتصال عبر اللاسلكي الذي يحملوه، إلى ان سمحوا بذلك. وأكدت انها وصلت إلى المستشفى وهي تعاني من حالة نزيف شديد، حيث بينت انها فقدت الكثير من الدم، الأمر الذي اضطر الأطباء إلى إبقائها في المشفى لأربعة أيام لسوء حالتها، كما كانت وضعية الطفل سيئة، لكنه تعافى منها بسرعة.
وقالت انها أسمت ابنها صمود، معللة ذلك بأنه دليل على صمود الشعب الفلسطيني في أرضه وعلى ترابه.
خماش: الحواجز أجبرت النساء على الوضع في المنازل
وأوضحت د. أمية خماش، مدير قسم الصحة في وكالة الغوث ان الممارسات الإسرائيلية أسهمت بزيادة حالات الولادة في المنازل، إلى جانب تزايد عدد الوفيات أثناء الولادة.
ونوهت إلى ان ولادة أطفال متوفين شهدت ارتفاعاً بنسبة 60% عن السابق، إذ انه لا تتجاوز عادة ست حالات، لكنها وصلت منذ بداية الانتفاضة قرابة 20 حالة.
وتطرقت إلى ان تنظيم النسل حصل فيه تراجع ملحوظ بنسبة 30% مما يزيد من فرص الحمل وبالتالي احتمال إقدام النساء على الاجهاض، أو تحمل بعضهن المخاطر التي تعانيها الولادة بالنسبة إليهن.
وحول الولادة على الحواجز، أوضحت ان هذا من أقسى أنواع القمع الذي تتبعه الحكومة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، معتبرة ان القتل والقصف والتدمير لا يكفي، لذلك يقدمون على قتل الأطفال قبل ولادتهم. وأشارت إلى ان هناك حالتي ولادة شهرية على الحواجز العسكرية منذ بدء الانتفاضة، مؤكدة ان هذه السياسة تهدف إلى ملاحقة الفلسطيني وقتله حتى وإن كان طفلاً. وأوضحت ان الولادة على الحاجز تؤثر على صحة الطفل والأم، كونهما بحاجة ماسة إلى رعاية طبية معينة متوفرة فقط في المشفى.
مازالا: الحواجز تتعارض مع كافة القوانين الدولية
وعبر د. جوزيف مازالا مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في فلسطين عن استهجانه لما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من قمع للشعب الفلسطيني.
واعتبر ان سياسة الحواجز هى أقسى أنواع العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، معتبرا ان تعدد حدوث حالات ولادة على ا لحواجز يتسبب في ضعف عام لدى الجنين حديث الولادة.
وقال ان هذا يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مؤكدا ان «إسرائيل تدرك تماماً حين تأتيها امرأة في حالة ولادة، ان هذا مخالف للأعراف الدولية».
ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف هذه السياسة التي وصفها بالعنصرية.
وطالب الدول المانحة ان تقوم بإنشاء مشاف صغيرة أو عيادات طبية في المدن والقرى الفلسطينية لمنع حدوث الولادة على الحواجز، واعداً بأن يعمل بأقصى طاقاته من أجل توفير الدعم اللازم لإنشاء مثل هذه المشافي. ووفق هذه المعطيات، فإن الحكومة الإسرائيلية ماضية في سياستها الرامية إلى إذلال الشعب الفلسطيني وقتله والتنكيل به. وإسرائيل باتباعها هذا النهج إنما تعبر عن سياساتها العنصرية
|
|
|
|
|