| الثقافية
* القاهرة مكتب الجزيرة تحقيق: طه محمد:
ليس من قبيل المصادفة ان يطلق الكثيرون على مكتبة الاسكندرية بأنها الهرم الرابع لمصر إذ إنها تعد نتاج جهد العمال المصريين الذين حفروا الأرض بالاسكندرية، ونحتوا الحجر بأسوان، وحققوا المعجزات في كل مكان، فلا غرابة على هؤلاء ان يعيدوا الزمن باحياء مكتبة الاسكندرية، بعد ان تعرضت لحريق مدمر منذ 2300 عام تقريب.
وفي 23 ابريل المقبل سوف تحتفل مصر رسمياً بافتتاح المكتبة ، بعد افتتاحها التجريبي في اكتوبر الماضي، خاصة وان هناك ترقباً عربيا وعالمياً لافتتاح المكتبة لتصبح مجدداً منارة للاشعاع الفكري والثقافي وملتقى للمفكرين ومقصداً لكل طلاب العلم والمعرفة.
وستصبح المكتبة بافتتاحها نافذة العالم على الحضارة المصرية بحقبها المختلفة، ويمثل هذا تحدياً صعباً للمكتبة، فيما يختص بتجميع وتصنيف كل مايتصل بهذه الحضارة من مواد ثقافية وعلمية، بالإضافة إلى توفير هذه المواد لطالبيها بطريقة سهلة وعصرية.
المكتبة بالأرقام
وحسب تأكيد الدكتور اسماعيل سراج الدين مدير المكتبة ل «الجزيرة» فان تكلفة المكتبة وصلت إلى 220 مليون دولار ساهمت الحكومة المصرية منها بمبلغ 120 مليون دولار و 65 مليون دولار من الدول العربية و 100 مليون دولار من دول العالم، وان ميزانية المكتبة ستصل إلى 13 مليون دولار خلال السنوات القليلة المقبلة وذلك بتعاون عربي ودولي.
وليس من قبيل المصادفة ان يكون افتتاح المكتبة في يوم 23 ابريل إذ انه «يوم الكتاب» الذي ترعاه منظمة اليونسكو الدولية، وقد بلغت محصلة العمل في المكتبة أكثر من خمس سنوات، عندما بدأت أعمال التنفيذ في 15 مايو عام 1995، وبتكلفة أولية قدرها 59 مليون دولار، وذلك خلال المرحلة ا لأولى التي انتهت في 31 ديسمبر عام 1996، وشملت الأعمال الإنشائية بالمكتبة، وتضمنت التقنيات الأكثر تقدماً، فبالإضافة إلى الحائط اللوحي الاسطواني الذي أنشئ بقطر 160 متراً، ترتكز المكتبة على 600 قاعدة، مما يعتبر إنجازاً هندسياً مميزاً.
فيما بدأت المرحلة الثانية في 27 ديسمبر عام 1996 بتكلفة قدرها 117 مليون دولار وكان الراعي الأول لهذا المشروع الحضاري منذ بدايته وحتى نهايته قرينة رئيس الجمهورية السيدة سوزان مبارك التي شملت كل أنشطة المشروع برعايتها.
وقام الرئيس المصري حسني مبارك بتبني المشروع كمشروع قومي، وتولى الدكتور فتحي سرور وزير التعليم آنذاك الدعوة الدولية مع اليونسكو، وكان تأسيس الهيئة العامة لمكتبة الاسكندرية بقرار جمهوري سنة 1988، وكانت تبعيتها لوزارة التعليم، وتابع المشروع لاحقاً الدكتور حسين كامل بهاء الدين حينما كان وزيراً للتعليم العالي، ثم الوزير الحالي الدكتو مفيد شهاب.
وشارك مدير عام اليونسكو بالعدوة للمشروع بنداء عام 1988، ونظم اليونسكو مسابقة معمارية شارك فيها مئات من المكاتب المعمارية من عشرات الدول، واختير أفضل التصميمات، والذي فاز به أحد المكاتب النرويجية بالاشتراك مع أحد الاستشاريين المصريين.
وفي عام 1990 حضر العديد من الشخصيات العالمية مؤتمراً بمدينة أسوان في صعيد مصر وتم تشكيل لجنة توجيهية دولية برئاسة قرينة الرئيس المصري، وبادرت منذ ذلك الحين بعض الدول العربية بدعم هذا المشروع مادياً، ثم تبعها العديد من الدول الأخرى في هذا الدعم وبدأ التنفيذ في عام 1995.
ويتوالى الجهد لإنشاء المكتبة، صدر القانون رقم 1 لسنة 2001 بنقل تبعية المكتبة لرئيس الجمهورية الذي حدد بالقرار الجمهوري رقم 76 لسنة 2001 التشكيلات الإدارية المناسبة للاشراف عليها وتصريف شؤونها الإدارية والمالية.
منارة للمعرفة
ويعرب د.سراج الدين عن أمله في أن تكون المكتبة، هي المؤسسة الرائدة في التعامل مع الثورة المعلوماتية الكبرية التي يشهدها العالم حالياً، وان تتمكن الممكتبة من الربط بين كل الجهود الكبرية المبذولة من قبل المؤسسات التعليمية الرائدة في العالم مثل مكتبة الكونجرس وغيرها لتسهيل الوصول مباشرة بكفاءة وفاعلية إلى معظم الموارد الالكترونية للمعلومات المنتشرة في جميع أرجاء العالم، وان تسهم المكتبة في تلك التطورات حتى يتمكن طلاب العلم من الاطلاع على النتاج الفكري المصري والعربي والعالمي بعرض المكتبة له في المحيط الالكتروني.
عناصر المكتبة
وتقع المكتبة بين البحر ومجمع الكليات النظرية بجامعة الاسكندرية بمنطقة الشاطئ، وتطل بواجهتها الشمالية على البحر المتوسط عند لسان السلسلة ويعد موقع المكتبة الجديد هو ذاته موقع الحي الملكي القديم المنتمي للحضارة اليونانية الرومانية والمعروف باسم «البروكيوم» ودلت على ذلك الحفريات الأثرية التي أجريت بالموقع عام 1993.
ويحد موقع المكتبة الكرونيش والبحر من الشمال، مما يجعلها تطل على الميناء الشرقي، لتتخذ بذلك شكلاً فريدا. لذلك ليس غريبا ان يترقب العالم افتتاح أول مكتبة كبيرة في الألفية الثالثة، وأول مؤسسة من نوعها تبدأ في عهد الانترنت وثورة التكنولوجيا، في وقت غلبت فيه السرعة على التأني، وكادت الصورة تقضي على الكلمة المكتوبة. وستركز المكتبة في أنشطة ندواتها على العلوم وبصفة خاصة اخلاقيات البحث العلمي والتطبيقات التكنولوجية الجديدة، والعلوم الإنسانية وخاصة قضايا التراث، إضافة إلى قضايا الفنون والثقافة والبحث والنقد، والتركيز على قضايا التنمية.
ويصل عدد طوابق المكتبة إلى 11 طابقاً، وتقع على إجمالي سطح 86 ألف متر مربع، بارتفاع 33 متراً، فيما يصل مسطح المكتبة العامة 36 ألف متر، والنشاطات الثقافية 5 آلاف متر والمعهد الدولي لدراسات المعلومات 3500 متر مربع، ومركز المؤتمرات 30 ألف متر مربع.
وتحوي المكتبة نحو 200 ألف مجلد، ويتوقع ان تصل عدد المجلدات خلال السنوات القليلة القادمة إلى 8 ملايين مجلد وتبلغ الدوريات 4 آلاف دورية، ووسائط متعددة نحو 10 آلاف، والمخطوطات 10 آلاف كتاب نادر و 150 ألف خريطة.
وتعمل المكتبة بنظم معلومات وقواعد بيانات متكاملة باستخدام الحاسب الآلي وشبكة الانترنت الدولية. ويضم مجمع المكتبة: المكتبة الرئيسية، مكتبة الشباب، مكتبة المكفوفين، القبة السماوية، متحف العلوم، متحف الخطوط، المتحف الأثري، المعهد الدولي لدراسات المعلومات، معمل الحفاظ والترميم، مركز المؤتمرات والخدمات الملحقة به، بالإضافة إلى الفراغات متعددة الأغراض والمعارض.
المكتبة القديمة
تبقى الإشارة إلى ان مكتبة الاسكندرية القديمة كما يقول الأثري خالد عزب مدير المكتب الإعلامي بالمكتبة أنشأها حاكم مصر «بطليموس الأول سنة 288 قبل الميلاد، وكان الأساس فيها ان تكون أكاديمية علمية تجتذب كبار العلماء والمفكرين، ثم ألحقت بها مكتبة اتسعت ونمت لتشمل المعارف في كل العالم القديم. وحوت المكتبة في أوج مجدها 900 ألف مخطوط، واجتذبت أهل الفكر والإبداع والعلم، وانفتحت المكتبة على كل الحضارات، حيث تم في المكتبة ترجمة العهد القديم من العبرية إلى اليونانية، وكانت المكتبة مزيجا من كل الحضارات واللغات. وكان أول حريق أصاب المكتبة على يد «يوليوس قيصر» سنة 48 ق.م خلال حرب الاسكندرية، بعدها شهدت المكتبة احتلالاً متزايداً في القرنين الثالث والرابع الميلاديين، حتى تم حرق كل ماتبقى منها في عام 391ق.م، وذلك قبل دخول العرب لمصر بنحو 230 عاماً.
|
|
|
|
|