| محليــات
*
* مكة المكرمة عمار الجبيري واس:
صدر عن المجمع الفقهي الاسلامي في رابطة العالم الاسلامي في دورته 16 التي اختتمت اعمالها في مكة المكرمة امس البيان التالي الذي أطلق عليه «بيان مكة المكرمة»..
الحمد لله والصلاة والسلام على أفضل خلق الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد فبعون من الله وتوفيقه اختتم المجمع الفقهي الاسلامي في رابطةالعالم الاسلامي اجتماعات دورته السادسة عشرة التي عقدت تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود في مكة المكرمة في الفترة من 21الى 26/10/1422ه الذي يوافقه من 5 الى10 /1/2002م وقد افتتحها نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة مكة المكرمة والقى كلمته التوجيهية الكريمة.
وقد أصدر المجمع البيان التالي «بيان مكة المكرمة»..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فإن أعضاء المجمع الفقهي في رابطة العالم الاسلامي الذين يجتمعون في أقدس مكان في الارض في مكة المكرمة بجوار بيت الله الحرام قد هالهم وأهمهم ما يطلق على الاسلام في هذه الايام من أباطيل احتشدت لها الحملات الاعلامية الظالمة التي توجه سهاما مسمومة ضد الاسلام والمسلمين وضد عدد من البلدان الاسلامية وبخاصة المملكة العربية السعودية حيث تطبق شريعة الله وتحتكم الى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتقدم العون للمسلمين في كل مكان وتدعم قضاياهم وتسعى الى وحدتهم.
وقد لحظ أعضاء المجمع أن الحملات الاعلامية مدبرة وهى تنطوي على أباطيل وترهات تنطلق من اعلام موتور معاد تسهم في توجيهه مؤسسات الاعلام الصهيوني لتثير الضغائن والكراهية والتمييز ضد الاسلام والمسلمين وتلصق بدين الله الخاتم التهم الباطلة وفي مقدمتها تهمة الارهاب.
واتضح لأعضاء المجمع أن لصق تهمة الارهاب بالاسلام عبر حملات اعلامية انما هو محاولة لتنفير الناس من الاسلام حيث يقبلون عليه ويدخلون في دين الله أفواجا ودعا أعضاء المجمع رابطة العالم الاسلامي وغيرها من المنظمات الاسلامية وكذلك عامة المسلمين الى الدفاع عن الاسلام مع مراعاة شرف الوسيلة التي تتناسب وشرف هذه المهمة.
وبينوا في سياق ردهم على الافتراء على الاسلام ولصق تهمة الارهاب به أن الارهاب ظاهرة عالمية لا ينسب لدين ولا يختص بقوم وهو سلوك ناتج عن التطرف الذي لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة وأوضحوا أن التطرف يتنوع بين تطرف سياسي وتطرف فكري وتطرف ديني ولا يقتصر التطرف الناتج عن الغلو في الدين على أتباع دين معين وقد ذكر الله سبحانه وتعالى غلو أهل الكتاب في دينهم ونهاهم عنه فقال في كتابه الكريم (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) «المائدة77».
وردا على حملات التشكيك التي بدأ نطاقها يتسع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من العام الميلادى 2001م فإن أعضاء المجمع يقررون أن على العلماء والفقهاء وروابطهم ومجامعهم واجب أداء الامانة في الدفاع عن الاسلام وأهله وتبصير المسلمين وغيرهم بحقائق الامور. وقياما من المجمع بواجبه في مواجهة تلك الحملات فقد درس عددا من القضايا ذات الصلة وبين موقف الشريعة الاسلامية منها وذلك على النحوالتالي:
أولا: خطورة الحملات الاعلامية والثقافية على الاسلام والمسلمين
تابع المجمع الفقهي الاسلامي تصاعد الحملات الاعلامية والثقافية على الاسلام والمسلمين وحذر من خطورتها على المجتمعات الانسانية وعلى أمن الناس حيث انها تسعى بشكل حثيث الى:
1 دفع المجتمعات الغربية بخاصة لاتخاذ الاسلام عدوا جديدا مكان الشيوعية وشن الحرب الثقافية على أصوله وتشريعاته وأحكامه الالهية.
2 إثارة النعرات الصليبية لدى الشعوب الغربية والحث على ما أسموه وجوب انتصار الغرب على الاسلام.
3 إثارة أنواع الكراهية والتمييز العنصري ضد الاسلام والمسلمين والعمل على مضايقة الاقليات والجاليات الاسلامية.
4 الترويج لنظرية صموئيل هنتنجتون في صراع الحضارات. وقد نتج عن هذه الحملات المسعورة ايقاع الأذى بفئات من المسلمين في المجتمعات الغربية وسجن العديد منهم والاضرار بمساجدهم ومراكزهم الثقافية مما جعلهم يعانون معاناة قاسية. والمجمع اذ يدين هذه الحملات المغرضة ويدين المغالطات والافتراءات المتعمدة على الاسلام فإنه يستنكر ايذاء المسلمين وايقاع الضرر بمؤسساتهم بلا سبب.
ويذكر المجمع وهو يتابع ما يحدث للمسلمين في الغرب بسبب انتمائهم للاسلام بأن الاسلام يشجع على التواصل والتعارف والتعاون بين المسلمين وغيرهم في مصالحهم المتبادلة قال تعالى في كتابه الكريم (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم) «الحجرات13». ويعلن المجمع لكافة المجتمعات الانسانية أن الاسلام رسالة الله سبحانه وتعالى لجميع الناس كما قال سبحانه (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) «سبأ 28» وهو في ذلك يعترف بالرسالات الالهية السابقة عليه ويعتبر الايمان بالانبياء جميعا من أركان الايمان قال تعالى (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير) «البقرة 285» وقد تميزت رسالة الاسلام بالربط بين الدين والحياة وفق قواعد شاملة ومرنة.
ثانيا: تكريم الإسلام للإنسان
ان تكريم الانسان في الاسلام واضح من قول الله تعالى في كتابه (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) «الاسراء 70» وما شرعه الله له من واجبات وحقوق تكفل له حياة كريمة في الدنيا والاخرة. ويؤكد المجمع لجميع الناس في العالم أن تكريم الانسان دون تمييز وفق ما هو مقرر في الاسلام ينتج عنه التعايش بين الأمم والشعوب وأن سمو الانسانية وتقدمها ورقيها وتعايش شعوبها في أمن وسلام وتعاون يكون بسيادة منظومة المبادئ والقيم وفي مقدمتها قيمة العدالة وباحترام الشعوب للشعوب وفق التوجيهات التي نزلت بها الكتب وبعث بها الرسل عليهم السلام وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعث رحمة لجميع الأمم والشعوب قال سبحانه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) «الانبياء107». ويعلن المجمع أن تكريم الاسلام للانسان اقتضى حمايته حيث جعله معصوم الدم والمال واعتبر الاسلام غير المسلم في البلد المسلم محميا له ما لنا وعليه ما علينا وفق النص النبوي الذي تتقيد به الأمة المسلمة.
ثالثاً: الإسلام والإرهاب
يؤكد المجمع الفقهي الاسلامي أن التطرف والعنف والارهاب ليس من الاسلام في شيء وأنها أعمال خطيرة لها آثار فاحشة وفيها اعتداء على الانسان وظلم له ومن تأمل مصدرى الشريعة الاسلامية كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلن يجد فيهما شيئا من معاني التطرف والعنف والارهاب الذي يعني الاعتداء على الآخرين دون وجه حق.
وحرصا من أعضاء المجمع على وضع تعريف اسلامي للارهاب تتوحد عليه رؤى المسلمين ومواقفهم ولبيان هذه الحقيقة وابراز خطورة الربط بين الاسلام والتطرف والارهاب يقدم المجمع الفقهي للمسلمين وللعالم أجمع تعريفا للارهاب وموقف الاسلام منه.
تعريف الإرهاب
الارهاب هو العدوان الذي يمارسه أفراد أوجماعات أو دول بغيا على الانسان «دينه ودمه وعقله وماله وعرضه» ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة واخافة السبيل وقطع الطريق وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذا لمشروع اجرامي فردي أو جماعي ويهدف الى القاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بايذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ومن صنوفه الحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والاملاك العامة أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر فكل هذا من صور الفساد في الارض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله (ولا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين) «القصص77».
وقد شرع الله الجزاء الرادع للارهاب والعدوان والفساد واعتبره محاربة لله ورسوله في قوله الكريم (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) «المائدة 33» ولا توجد في أي قانون بشري عقوبة بهذه الشدة نظرا لخطورة هذا الاعتداء الذي يعتبر في الشريعة الاسلامية حربا ضد حدود الله وضد خلقه.
ويؤكد المجمع أن من أنواع الارهاب ارهاب الدولة ومن أوضح صوره وأشدها شناعة الارهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين وما مارسه الصرب في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا واعتبر المجمع أن هذا النوع من الارهاب من أشد أنواعه خطرا على الامن والسلام في العالم واعتبر مواجهته من قبيل الدفاع عن النفس والجهاد في سبيل الله.
رابعا: العلاج الاسلامي للتطرف والعنف والإرهاب
لقد سبق الاسلام جميع القوانين في مكافحة الارهاب وحماية المجتمعات من شروره وفي مقدمة ذلك حفظ الانسان وحماية حياته وعرضه وماله ودينه وعقله من خلال حدود واضحة منع الاسلام من تجاوزها قال سبحانه (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) «البقرة 229» وهذا توجيه لعموم البشر0وتحقيقا لهذا التكريم منع الاسلام بغي الانسان على أخيه الانسان وحرم كل عمل يلحق الظلم به فقد قال تعالى (قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق) «الاعراف33». وشنع على الذين يؤذون الناس في أرجاء الارض ولم يحدد ذلك في ديار المسلمين كما في قوله تعالى (واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) «البقرة 205 206». وأمر بالابتعاد عن كل ما يثير الفتن بين الناس وحذر من مخاطر ذلك قال سبحانه (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) «الانفال 25» وفي دين الاسلام توجيه للفرد والجماعة للاعتدال واجتثاث نوازع الجنوح والتطرف وما يؤدي اليهما من غلو في الدين لان في ذلك مهلكة أكيدة «اياكم والغلو في الدين فانما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» رواه أحمد والنسائي.
وعالج الاسلام نوازع الشر المؤدية الى التخويف والارهاب والترويع والقتل بغير حق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما» رواه أبو داود. وقال عليه الصلاة والسلام «من أشار الى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهى وان كان أخاه لأبيه وأمه» رواه مسلم.
وقد أوصى الله بمعاملة أهل الذمة بالقسط والعدل فجعل لهم حقوقا ووضع عليهم واجبات ومنحهم الامان في ديار المسلمين وأوجب الدية والكفارة على قتل أحدهم خطأ فقال في كتابه (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) «النساء92» وحرم قتل الذمي الذي يعيش في ديار المسلمين «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة» رواه البخاري وأحمد وابن ماجة. ولم ينه الله المسلمين عن الاحسان لغيرهم وبرهم اذا لم يقاتلوهم ويخرجوهم من ديارهم وذلك كما قال (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين) «الممتحنة 8». وأوجب سبحانه وتعالى العدل في التعامل مع أهل الذمة والمستأمنين وغيرهم من غير المسلمين فقال (ولا يجرمنكم شنان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون) «المائدة 8».
لذا يعلن المجمع للعالم أن جريمة قتل النفس الواحدة بغير حق تعادل في الاسلام في بشاعتها قتل جميع الناس سواء كان القتل للمسلم أو لغيره بغير الحق وفق ما هو واضح في قوله تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) «المائدة32» وأن تنفيذ الحدود والقصاص من خصائص ولي أمر الأمة وليس للافراد أو المجموعات.
خامساً: الجهاد ليس إرهاباً
ان الجهاد في الاسلام شرع نصرة للحق ودفعا للظلم واقرارا للعدل والسلام والامن وتمكينا للرحمة التي أرسل محمد صلى الله عليه وسلم بها للعالمين ليخرجهم من الظلمات الى النور مما يقضي على الارهاب بكل صوره. فالجهاد شرع لذلك وللدفاع عن الوطن ضد احتلال الارض ونهب الثروات وضد الاستعمار الاستيطاني الذي يخرج الناس من ديارهم وضد الذين يظاهرون ويساعدون على الاخراج من الديار وضد الذين ينقضون عهودهم ولدفع فتنة المسلمين في دينهم أو سلب حريتهم في الدعوة السلمية الى الاسلام قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) «الممتحنة 98».
وان للاسلام ادابا وأحكاما واضحة في الجهاد المشروع تحرم قتل غير المقاتلين كما تحرم قتل الابرياء من الشيوخ والنساء والاطفال وتحرم تتبع الفارين أو قتل المستسلمين أو ايذاء الاسرى أو التمثيل بجثث القتلى أو تدمير المنشآت والمواقع والمباني التي لا علاقة لها بالقتال. ولا تمكن التسوية بين ارهاب الطغاة وعنفهم الذين يغتصبون الاوطان ويهدرون الكرامات ويدنسون المقدسات وينهبون الثروات وبين ممارسة حق الدفاع المشروع الذي يجاهد به المستضعفون لاستخلاص حقوقهم المشروعة في تقرير المصير . لذلك كله فإن المجمع يدعو الأمم والشعوب والمنظمات الدولية الى ضرورة التمييز بين الجهاد المشروع لرد العدوان ورفع الظلم واقامة الحق والعدل وبين العنف العدواني الذي يحتل أرض الآخرين أو ينتقص من سيادة الحكومات الوطنية على أرضها أو يروع المدنيين المسالمين ويحولهم الى لاجئين. والمجمع اذ يدعو العالم ومؤسساته الى معالجة العنف العدواني ومنع ارهاب الدولة الذي يمارسه الاستعمار الاستيطاني في فلسطين فإنه يدين جميع ممارسات اسرائيل العدوانية ضد فلسطين وشعبها والمقدسات الاسلامية فيها ويدعو جميع الدول المحبة للسلام الى مساعدة شعب فلسطين وتأييده في اعلان دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها مدينة القدس. وينبه المجمع الى أن تجاهل العدالة في حل المشكلات الانسانية وانتهاج أسلوب القوة والاستعلاء في العلاقات الدولية هو من أسباب كثير من الويلات والحروب وأن عدم حل قضية الشعب الفلسطيني على أسس عادلة أوجد بؤرة للصراع والعنف ولابد من العمل على رد الحقوق ودفع المظالم وغيره من الشعوب والاقليات الاسلامية في العالم. وحيث ان دين الاسلام يحرم الارهاب ويمنع العدوان ويؤكد على معاني العدالة والتسامح وسمو الحوار والتواصل بين الناس فإن المجمع يدعو الشعوب الانسانية والمنظمات الدولية الى التعرف على الاسلام من مصادره الاساسية لمعرفة ما فيه من حلول للمشكلات البشرية وأنه دين السلام للناس جميعا وأنه يمنع العدوان قال تعالى (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) «البقرة 190».
توصيات المجمع للمسلمين
وقد لحظ المجمع الفقهي الاسلامي اختلاف تصورات كثير من المسلمين بشأن الاحداث الجارية واسهاما منه في دعوة المسلمين الى ما ينبغى أن يكونوا عليه يوصيهم بما يلي:
.. وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة والتحاكم اليهما والرجوع الى الثقات من أهل العلم لأنهم أهل المعرفة والخشية والورع قال سبحانه (إنما يخشى الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور) «فاطر 28» وهم الاقدر على ارشاد الناس وتوعيتهم وكسب ثقتهم.
.. وجوب التعاون بين الحكام والعلماء والمؤسسات الاسلامية في معالجة المشكلات التي تحل بالمسلمين وذلك بالرجوع الى الشريعة الاسلامية ومصدريها كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله تعالى بالتعاون فقال (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب) «المائدة 2».
.. تأصيل منهاج الوسطية ومعالجة الغلو الذي ذمه الاسلام والتقيد بوسطية هذا الدين في القول والعمل والسلوك وفق ما وصف به الله أمة الاسلام فقال (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرة «143».
.. يهيب المجمع بالأقليات المسلمة أن تبذل جهدها وتسعى طاقتها من أجل حفاظها على دينها وحماية هويتها ويؤكد على أن الواجب الشرعي على هذه الاقليات أن تلتزم بمقتضى عهد الامان وشرط الاقامة والمواطنة في الديار التي تستوطنها أو تعيش فيها صيانة لأرواح الآخرين وأموالهم ومراعاة للنظام العام في تلك الديار وعليهم أن يعملوا وبكل ما أوتوا من قدرة وامكانات على تنشئة الجيل الجديد على الاسلام وتكوين المحاضن لذلك من مدارس ومراكز. وأن يعتصموا بحبل الله جميعا في اطار أخوة الاسلام وأن يتحاوروا بهدوء عند معالجة القضايا التي يقع فيها الاختلاف وأن يعملوا بجد من أجل اعتراف الدول التي يقيمون فيها بهم وبحقوقهم باعتبارهم أقلية دينية لها أن تتمتع بكامل حقوقها وخاصة الأمور الاسرية كما هو الحاصل للاقليات الدينية الأخرى ويأمل المجمع من رابطة العالم الاسلامي أن تبذل جهدها في تحقيق ذلك باعتبارها المنظمة الاسلامية الشعبية الكبرى في العالم.
.. يؤكد المجمع على أن الفتوى في الاسلام أمرها كبير وعظيم وكان يتهيبها كبار علماء السلف ومن بعدهم من ذوي العلم والاستقامة خشية القول على الله ورسوله بغير علم الذي قرنه الله عز وجل بالشرك بالله قال تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) «الاعراف 33». ويحذر من التساهل فيها ويوجه نظر المسلمين حكاما ومحكومين الى العناية بالفتوى وأهلها بحيث لا يرتادها من ليس أهلا لها ويحذر المجمع المسلمين من الانسياق وراء الآراء والفتاوى التي لا تصدر عن أهل العلم المعتبرين.
.. تابع المجمع الحملة المسعورة على المدارس والكليات الاسلامية ومنابر الخطابة والدعوة في البلاد الاسلامية والدعوات المغرضة التي تطالب بتغيير مناهج التعليم فيها أو تقليصها وينبه المسلمين الى خطورة ذلك وعدم الانسياق وراءه مما يؤدي الى ذوبان الشخصية الاسلامية وجهل المسلمين بدينهم ويؤكد على أهمية التعليم الشرعي في بناء شخصية المسلم وتماسك المجتمع وذلك وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويهيب المجمع برابطة العالم الاسلامي أن تتابع هذا الموضوع الخطير مع وزارات التعليم ومؤسساته في البلدان الاسلامية.
ومن أجل جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم يوصي المجمع الفقهي الاسلامي رابطة العالم الاسلامي بما يلي:
1 تكوين هيئة أو اتحاد عالمي لعلماء المسلمين تحت مظلة رابطة العالم الاسلامي في مكة المكرمة للنظر في القضايا والمشكلات التي تصادف حياة الشعوب والاقليات الاسلامية.
2 السعي الى ايجاد اتحاد عالمي للمنظمات الاسلامية تحت مظلة الرابطة لتنسيق جهودها وتحقيق التعاون فيما بينها على ما أمر الله سبحانه وتعالى من بر وتقوى فيما يخدم الاسلام والمسلمين قال سبحانه (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) «آل عمران 103» وقوله (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) «الانفال 46».
3 وضع ميثاق تجتمع عليه مؤسسات العمل الخيري الاسلامي في العالم ينسق جهودها ويعينها على مهامها ويوحد فيما بينها لدفع التهم الباطلة التي توجه ضدها.
4 بذل الجهد لمساعدة الاقليات المسلمة في الحصول على الحقوق القانونية التي تتمتع بها الأقليات الأخرى واعتراف الدول التي توجد فيها أقلية مسلمة بالاسلام مع السعي لتكوين هيئات اسلامية في كل بلد تمثل المسلمين أمام الجهات الحكومية والادارية مما يسهل على المسلمين نيل حقوقهم والتمتع بها مثل غيرهم.
5 السعي لدى الحكومات والمنظمات الاسلامية للتعاون من أجل ايجادقنوات اسلامية فضائية عالمية تبث بلغات مختلفة وتبرز محاسن الاسلام وحاجة البشرية اليه وتسهم في معالجة الحملات الاعلامية والثقافية الظالمة على الاسلام والمسلمين.
6 تكوين فريق من علماء المسلمين للتواصل مع المؤسسات والبرلمانات والحكومات الغربية المؤثرة ولجان حقوق الانسان ومقاومة التمييز والكراهية بين الناس من خلال اللقاء بمسؤوليها أو مراسلتهم لتعريفهم بما يقدمه الاسلام من خير وسلام وأمن للبشرية وبيان موقف الاسلام الصحيح من كل ما يثار ضد الاسلام والمسلمين.
وأخيرا فإن على الشعوب الاسلامية أن تتحد في مواجهة الاخطار وأن تعلم أن بقاءها رهن ببقاء دينها وأن الاسلام نعمة ينبغي أن تصان ومنة توجب الشكر قال سبحانه (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا عليَّ اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان ان كنتم صادقين) «الحجرات17» وان العلماء المجتمعين في رحاب مكة المكرمة في رابطة العالم الاسلامي يتقدمون بهذا البيان الى الناس كافة ويدعون العالم ومنظماته الى النظر فيما ينبغي ان يجتثوا به الأخطار التي تحيط بالبشرية.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صدر في مكة المكرمة
وفى ختام أعمال المجمع الفقهي الاسلامي سجل شكره وتقديره للمملكة العربية السعودية لتطبيقها الاسلام والدفاع عن دين الله ودعم المؤسسات الاسلامية ونصرة المسلمين وتقديم العون لهم في كل مكان وخص المجمع بالشكر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام لما يقدمونه من خدمة للاسلام ورعاية مصالح المسلمين وشكر المجمع صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة على تشريفه حفل افتتاح هذه الدورة للمجمع والتمسوا من رابطة العالم الاسلامي رفع برقيات شكر وتقدير لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وسمو أمير منطقة مكة المكرمة سائلين الله أن ينصر بهم دينه ويعلي كلمته ويوفق جميع المسلمين حكاما ومحكومين للعمل بكتابه وسنة نبيه.
وكانت قد اختتمت امس اعمال الدورة السادسة عشرة للمجمع الفقهى الإسلامي برابطة العالم الإسلامي وقد بدأت الجلسة الختامية لاعمال الدورة بالقرآن الكريم. ثم القى معالى الامين لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي كلمة توجه فيها بخالص الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز على رعايته لهذه الدورة وحرصه الدائم حفظه الله على تقديم كل ما يخدم الاسلام والمسلمين في شتى انحاء المعمورة. وابان ان رابطة العالم الإسلامي معنية بما يتصل بجمع كلمة المسلمين وتنسيق جهودهم خاصة في مجال الفقه والفتاوى والدراسات الشرعية وذلك لتقويم حياتهم وامورهم وفق المنهج الإسلامي الذي يعد الاساس في حياة البشرية مؤكدا ان اجتماع العلماء للنظر في مسائل المسلمين لاشك انه خطوة مباركة وعمل جليل ينمو عن حرصهم بما يخدم الاسلام والمسلمين.
وفي ختام كلمته شكر معاليه رئيس المجمع الفقهي وكافة اعضائه على جهودهم وتعاونهم مع الرابطة. بعد ذلك القى سماحة رئيس المجمع الفقهي الإسلامي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ال الشيخ كلمة حمد فيها الله عزوجل على توفيقه بعقد هذه الدورة للمجمع في هذه البقعة الطاهرة. وافاد ان المجمع حوى نخبة من العلماء الذين بحثوا عددا من الموضوعات والقضايا الهامة والنافعة للامة الاسلامية مبينا ان المجمع اصدر بيانا عاما وشاملا فيه النصح والتوجيه للحكومات والشعوب وتبصير الامة بأمور دينها وبيان الدين الإسلامي بشكله الصحيح الذي يعد دين الرحمة والعدل والانصاف .
|
|
|
|
|