| الاخيــرة
بدعوة من حكومة مقاطعة خيلونغجيانغ بالصين زرت برفقة بعض الزملاء السفراء من دول مختلفة مدينة هاربين وهي حاضرة المقاطعة تقع في مكان قصي من الشمال الشرقي لجمهورية الصين الشعبية، كما أن هذه المقاطعة تقع في أقصى جنوب سيبيريا، كانت الرحلة معدة إعداداً رائعاً وبرنامجاً كثيفاً مشتملاً على مناح سياسية واقتصادية وسياحية. كان برفقتي في الطائرة سفير مملكة تايلاند وعند وصولنا إلى مدينة هاربين، فإذا بها مدينة بيضاء قد غطتها الثلوج حتى لا تكاد ترى لوناً مغايراً للون الأبيض لاسيما أن الثلوج كانت تتساقط بغزارة في ذلك اليوم وبعد أن أخذتنا السيارة المخصصة لنا وانطلقنا نحو المدينة وإذا بعدد كبير من العاملين يقومون بتنظيف الشوارع من الثلوج بكل جد ومثابرة وفي أقل من ساعة وصلنا إلى الفندق المعد لإقامتنا حيث كان الاستقبال يتم طبقاً اعتاد عليه الشعب الصيني من كرم الضيافة وطيب المعاشرة. بعد الوصول إلى الغرفة وجدنا برنامجاً مطبوعاً طباعة أنيقة وملابس تتناسب مع مناخ المدينة حيث سبق وأن أخذوا مقاساتنا قبل الرحلة بشهر. وقد امتلأ برنامج ذلك اليوم بالعديد من المقابلات الرسمية والمحادثات التي تخص العلاقات الثنائية. في اليوم الثاني كان مخصصاً في بعضه للمحادثات الثنائية وفي البعض الآخر ذهب الجمع إلى جامعة هاربين حيث تم تقديم استعراض رائع سلب الألباب وتم افتتاح المهرجان الثلجي الثامن عشر الذي اعتادت هذه المدينة إقامته كل عام. وبعده كانت الزيارة الليلية للمهرجان الثلجي الذي تجلى فيه الإبداع الفني، وقد أثار الإعجاب تلك الصروح المبنية من الثلج والتي ترمز لبعض المعالم المشهورة في العالم ومنها مسجد كبير قد بني من الثلج يشمل المآذن والسلالم والمحراب وساحة المسجد وقد زينته تلك الأضواء التي تشع من قلب هذه القوالب الثلجية والأعمدة الثلجية الشامخة، إن إدخال الكهرباء في قلب تلك القوالب الثلجية الشفافة وخروج الضوء منها يعطي منظراً خلاباً ليس له نظير، كما انطوى على مجسم ثلجي لأبي الهول، وكذلك بعض المباني الصينية العريقة، لقد كانت درجة الحرارة تقرب من خمسة وعشرين درجة تحت الصفر وكان هذا طقساً غير بارد من قبل هذا الوقت من كل عام غير أنه بالنسبة لنا يعتبر طقساً شديد البرودة، رغم أن الاحساس بها كان قليلاً من ظل ما وضعنا على أجسادنا من ملابس كانت كفيلة بتوفير الدفء الكافي لنا وقد أخرج أحد الزملاء يده من الغطاء المعد لها ليأخذ بعض الصور ويبدو أنه في حماسه لأخذ الصور قد بقي وقتاً كافياً دون ذلك الغطاء فإذا به يشتكي من بعض أصابعه بسبب تجمدها من البرد.
ومن مساء نفس اليوم وبعد تناول طعام العشاء ذهبنا إلى حديقة أخرى كانت بها عدد من المباني والصروح الثلجية التي تتخللها الأضواء، وكان ما يميزها عن سابقتها وجودها في قلب المدينة وتناغم الأضواء فيها.
إن مدينة هاربين مدينة صناعية تعتمد في دخلها على الصناعة والسياحة وشيء من الزراعة وهي من الصناعة التي تعتمد على إنتاج المعدات الثقيلة ومولدات الطاقة والنسيج كما انها تحتضن أفضل المصانع المتخصصة في رقائق الكمبيوتر والبطاريات وغيرها من الأوجه الصناعية المتقدمة وهي في هذا المضمار وتتناغم مع كبريات الشركات العالمية في أمريكا واليابان وإنجلترا.
لقد كان واضحا التأثير الروسي على ثقافة المدينة فالأغلب من الدارسين للغات يرغب دراسة اللغة الصينية واللغة اليابانية إلا أن هناك تحولا كبيراً نحو اللغة الانجليزية في هذا الوقت حتى أصبحت اللغة الاجنبية الأولى ولم يكن هناك معهد لتعليم اللغة العربية ولذا فإن من المتحدثين بها من أبناء المدينة نادرو الوجود.
والإسلام وصل إلى هذه المدينة شأن جميع مدن الصين قاطبة، وفي هذه المدينة عدد من المساجد ويعتبر الدين الإسلامي هو الدين الثاني بعد البوذية وهم يمارسون عبادتهم بكل يسر وسهولة ويحظون بالاحترام من قبل مواطنيهم من أبناء المدينة.
إن المجالات المتاحة في هذه المدينة كبيرة وإن مجال الاستفادة من تجربة هذه المدينة لاسيما في الحقل التقني يدعو إلى الاهتمام.
|
|
|
|
|