| محليــات
من الأمور البدهية أن هناك ما يرضي وما لا يرضي، ما يعجبك حدَّ الاقتداء، وما يؤلمك حدَّ الرّفض في سلوك الأفراد.. ولا يتوقع انسان يعي طبيعة الحياة، وطبائع البشر فيها وتقلب أمزجتهم، وتفاوت مفاهيمهم، وعدم تطابق موازينهم في الحكم على الأمور أو حتى في التصرف معها، فكلُّ ذلك من المتوقعات، بل المسلَّمات في أيِّ مجتمع، طالما أنَّها تمرُّ دون أن تؤذي في حقٍّ، أو تمسَّ فضيلة، أو تخدش علاقة، أو من قبلُ ومن بعدُ، تغضب الله.
غير أن الانسان غالباً ينشد المثالية في مجتمعه وبين أفراده، ويحرص على أن يؤدي المرء فيه دوره على وجه من الدقَّة، والكمال وإن لم يستطع، فلا أقلّ من سلامة النيَّة، والعمل على تجنُّب الأخطاء، لأنَّ الله تعالى خلق الانسان، ولم يكلِّفه إلا أمراً كان في وسعه، وانَّه تعالى لا يؤاخذه على ما أخطأ، أو نسي، أو اسْتُكره فيه..، لكن الخطأ المغفور برحمة الله ومشيئته تعالى هو الذي يحدث عن غير عمد، وكذلك النسيان.
والإنسان أيضاً يتطلع إلى أن يكون كلُّ امرىء في مجاله واعياً لذلك، فلا يتخطَّى، ولا يتجاوز...، ويضع إلى جانب مصلحته مصلحة الآخر، ومن ثَمَّ مصلحة الجماعة.. كي يكون المجتمع رمزاً للحضارة، والتقدُّم، والانضباط هو المؤشر إلى الحضارة في كلِّ مجتمع وتقدُّمه.. ذلك لأنَّ الانضباط هو محور كلِّ السُّلوك الذي يصدر عن الإنسان، في حياته الخاصَّة، أو العامَّة.
فهل كان لإنسان أن يقتل آخر لو أنَّه كبح جماح غضبه، وألجم فيه الشرَّ بالانضباط؟ وهل لسارق أن يقوم بسرقته إن هو فعل ذلك، فصدَّ بالانضباط رغبته السَّقيمة؟ وهل للمتجاهل حقوق الناس في مؤسسته أن يفعل ذلك، إن هو ضبط جانب اللا مبالاة فيه، ووظَّف إحساسه في موقف الخشية لله، والشعور بالآخرين؟
إنَّه مع معرفة كلِّ هذا في طبائع الإنسان، والحياة، وبدهيَّة ما يحدث عفواً منه، أو تمثِّله بدهيته.. إلا أنَّ من الناس من لا «يضبط» سلوكه، ولا يفكِّر في أيِّ أمرٍ يرد منه، يكون فيه أذيَّة الآخر، أو التقصير في دوره، أو خدش أيِّ موقف، أو التَّفريط في واجب، أو عدم الإحساس بالمسؤولية، أو عدم رعاية الأمانة، أو حتى ظلم النفس بظلم الآخر.
من هنا..
نلتقط في كلِّ يوم بأسماعنا، ونشاهد بأعيننا، العديد من المواقف، من الأمور التي تجعل الحسرة في النفوس، وتورد الأسئلة، عَمَّا يفعله هؤلاء، أو أولئك، في حياتهم الخاصَّة، أو في مواقع أعمالهم، أو في مجالسهم، أو في أيِّ موقع يكونون فيه مؤتمنين على أمانة، أو مسؤولين عن رعاية..، والله تعالى يسأل كل امرىءٍ عَمَّا أُنيط به، وعُهد إليه، ممّا لا يخفى على أحد.
ممَّا يلفت النظر، والعهدة على الراوي، أنَّ هناك من يقول:
تُفقد أوراق رسميَّة تتعلق بمعاملات المعلِّمات ترد من الادارات «النسائية» الى الرجالية، ممَّا يؤخر، أو يقلِّل الفرص أمام المعلمات في أمورهن.
أنَّ هناك في بعض المؤسسات التعليمية من لا يطبِّق النظام على الجميع، بل هو لأناس، وليس للكلِّ، وعلى وجه التَّخصيص في أمور «السعودة».
أنَّ هناك من يدير عمله عن طريق موظفي مكتبه، وهو دوماً في اجتماعات وهميَّة، أو «مهمَّة» ليست حقيقية.
أنَّ هناك بعض الصُّحُف تفرِّق بين كُتَّابها في التعامل «المادي» وفق العلاقة الشخصية، وليس ضمن معيار الجودة، والكفاءة، والمستوى، والأقدمية.
وأنَّ هناك من يطمس جهود أصحاب الجهود، في كثير من المؤسسات، التي تعتمد «المكاتبات» أو «البحث» أو «التأليف» وتظهر بها أسماء من هم في الواجهة.
أنَّ هناك من المسؤولين من «ضَيَّع» هيبة، و«قُوَّة» المؤسسة التي يعمل بها عندما «شتَّت» الأدوار، وأكثر من «البطانة»، وفتح «مكاتب» كثيرة «لمسمَّيات» كثيرة.. فأضاع التركيز، وأجهد كاهل المؤسسة..
وأنَّ... وأنَّ... وأنَّ.. والكثير.. الكثير..
والعُهدة على الراوي:
إنَّ تطهيراً لا بُدَّ أن يتمَّ داخل كلِّ مؤسسة عمل ليس فيها «ضوابط»، ويكثر فيها العاملون، وتضيع فيها «محدودية» المسؤولية، ويكثر فيها أصحاب «القرار»، وتتعدد فيها «وجهات النظر».
حتى لو كانت هذه الأعمال من مسؤوليتها توزيع عدد حبَّات التمر على المساجد في مواسم الصَّوْم.
والله الهادي للنفس البشرية، وهو ملهمها تقواها تعالى.
|
|
|
|
|