| أفاق اسلامية
من مفاخر الإسلام أن تعاليمه مبنية على الرحمة والرأفة، وتشريعاته تقوم على المواساة، وجبر الخاطر، وتفريج الكرب، وإيناس الوحشة، وعزاء المصاب وتهوين الفاجعة، ومصداق ذلك قول الله تبارك وتعالى في صفة نبيه عليه الصلاة والسلام: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»«1».
ولذلك قيل بحق وصدق إن الإسلام دين الرحمة والشفقة والرأفة.
ومن الأمثلة الواضحة على تحقيق هذه المعاني في تشريعات الإسلام، وضع نظام لحل المشكلات الزوجية وعدم الإقدام على الطلاق، ولذلك فقد شرع الإرشادات والتوجيهات التي تكلف عدم إيقاع الطلاق إلا في حالة الضرورة، ومن هذه الإرشادات والتوجيهات ما يلي:
أولاً: تنفير المسلمين من الطلاق، حيث اعتبره الشارع أبغض الحلال الى الله، فقال عليه الصلاة والسلام: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» «2».
ثانياً: حث الأزواج على الصبر وتحمل ما يبدو من المرأة من قصور أو اعوجاج ما دامت لا تمس الشرف والدين، فقال تعالى: «فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً»«3». وقال صلى الله عليه وسلم «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً سره منها آخر»«4».
ثالثاً: رسم القرآن الكريم المنهج القويم لعلاج ما قد يطرأ بين الزوجين من خلاف او ينشأ من مشكلات حيث جاء في ختام الآية 34 من سورة النساء ما يفيد منع الطلاق عند استقامة الأحوال، قال تعالى: «فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيراً» وقال صلى الله عليه وسلم: «إن في طلاق أم أيوب حوباً أي إثماً»، وجاء رجل الى الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه يريد طلاق امرأة وعلل ذلك بأنه لا يحبها فقال الخليفة الراشد «ويحك هل كل البيوت تبنى على الحب أين التجمل والوفاء أين المروءة والحياء إن الإنسان ينبغي ان يكون في هذا تقياً».
رابعاً: تولت الشريعة علاج ما قد ينشأ بين الزوجين من خصومة ونزاع بطريقة تسهم فيها أسرة المرأة وأسرة الرجل حيث قال الله تعالى: «فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً» «النساء 35».
خامساً: رتب للمطلقة حقوقاً مالية كبيرة وكثيرة لدى الزوج، حتى تجعله يتريث ويفكر ملياً قبل إقدامه على إيقاع الطلاق، وهذه الحقوق هي:
1 على الزوج أن يوفيها مؤخر الصداق.
2 يلزمه نفقتها من مأكل وملبس ومسكن ودواء ما دامت في العدة.
3 إلزام الرجل بدفع أجرة الرضاع. قال تعالى: «فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن»«5».
4 أجرة الحضانة حتى بلوغ الأطفال سن السابعة.
5 وأيضاً فإن من الحقوق التي يرتبها الطلاق للمرأة على الرجل: المتعة.
تعريف المتعة شرعاً:
المتعة في الشرع هي «اسم لمال يدفعه الرجل لمطلقته التي فارقها، بسبب إيحاشه إياها بفرقة لا يد لها فيها غالباً» «6».
ونستخلص من هذا التعريف ما يأتي:
أولاً: ان المتعة مال يدفعه الرجل لمطلقته، ويشمل النقدين «الذهب والفضة» والأوراق النقدية، وكل ما يتقوم بمال سواء كان عقاراً او منقولاً او منفعة كسكنى دار او خدمة آدمي او نحو ذلك.
ثانياً: إن سبب المتعة هو ما يصيب المرأة من وحشة بسبب طلاق الزوج لها فتكون المتعة جبراً لخاطرها، ورأباً للصدع الذي ألم بنفسها، «وتضميداً» للجرح الذي أصابها، ومسحاً لدمعها ولرأسها وتخفيفاً لما لحقها من الآلام حين تركها زوجها بعد رغبته فيها واختياره لها، وهذه المواساة هي حكمة مشروعية المتعة.
أدلة مشروعية المتعة:
أ من القرآن الكريم:
1 قال تعالى: «لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسُّوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقاً على المحسنين» «7».
2 قال تعالى: «وللمُطلّقات متاع بالمعروف حقاً على المُتقين» «8».
3 قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسُّوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرِّحوهن سراحا جميلاً» «9».
4 قال تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتِّعْكُن وأسرِّحكن سراحاً جميلاً» «10».
ب المتعة في السنة المطهرة:
أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن سهل عن أبيه وأبي أسيد قالا: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين.
وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبا أسيد اكسها رازقيين وألحقها بأهلها» «11».
تقدير المتعة:
اختلف الفقهاء في كيفية تقدير المتعة، هل يعتبر في تقديرها حال الزوج، او حال الزوجة، او حالهما معاً؟.
فذهب بعضهم الى ان المعتبر في تقدير المتعة حال الزوجة لقوله تعالى: «متاع بالمعروف» «12» فليس من المعروف ان تلبس المرأة الغنية ثياباً خشنة او تقوم بخدمة نفسها، بل لا بد لها من خادم.
وذهب بعضهم الآخر الى ان المتعة تقدر حسب حال الزوج لقوله تعالى: «على المُوسع قدره وعلى المقتر قدره» «13»، فلو كان ذلك واجبا على قدر حال المرأة لكان الكلام: ومتعوهن على قدرهن.
فصريح الآية يجعل تقدير المتعة على حسب حال الزوج، لأنه هو الذي سيكلف بها، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها.
وذهب آخرون الى ان المعتبر في تقدير المتعة هو حال الزوجين معاً، لأن الله تعالى في الآية الكريمة قد اعتبر أمرين:
أحدهما: حال الرجل في يساره وإعساره، فقال الله تعالى: «على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره».
ثانيهما: أن يكون مع ذلك بالمعروف، فقال تعالى: «متاعا بالمعروف حقا على المُحسنين».
فملاحظة هذين الأمرين تجب ملاحظة حالهما «14».
هوامش:
1 سورة الأنبياء الآية: 107.
2 التعليق المغني على سنن الدار قطني، ج4، ص: 35 بلفظ آخر، معرفة السنن والآثار، ج10، ص:21، سنن ابن ماجة، ج1، ص: 373، رقم 2028، نيل الأوطار، ج7، ص: 2.
3 سورة النساء، آية: 19.
4 النووي على مسلم، ج3، ص: 657.
5 سورة الطلاق، آية: 6.
6 الأحوال الشخصية لمحي الدين عبدالحميد، ص: 158.
7 سورة البقرة، آية: 236.
8 سورةالبقرة، آية: 241.
9 سورة الأحزاب، آية: 49.
10 سورة الأحزاب، آية: 28.
11 فتح الباري على صحيح البخاري،ج9، ص: 356، زاد المعاد، ج4، ص: 155، تفسير ابن كثير، ج1، ص: 288.
12 سورة البقرة، الآية: 241.
13 سورة البقرة، الآية: 236.
14 الأحوال الشخصية للشيخ محمد ابو زهرة، ص: 223، 234.
|
|
|
|
|