الحمد لله الذي كتب على عباده الموت والفناء وتفرد سبحانه بالحياة والبقاء فقال سبحانه (كل شيء هالك إلاَّ وجهه) وقال (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) والصلاة والسلام على من ختمت به الرسل والأنبياء وجاء بدين هو خاتم الأديان وبعد..
فإن الموت حقيقة لا مرية فيها ويقين لا شك فيه لا يقدر أحد على تأخيره أو تأجيله ولو ساعة واحدة أو أقل من ذلك أو أكثر (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وما دامت هذه هي حقيقة الموت، فلماذا يتكبر الإنسان وسوف تأكله الديدان؟! ولماذا التسويف والغفلة وهو يعلم أن الموت يأتي غفلة، ولقد أحسن من قال :
إن للموت ألما لا يعلمه إلا الذي يعالجه ويذوقه، فالميت ينقطع صوته وتضعف قوته واللسان يبكمه والأطراف يضعفها. فيها كثير السيئات، قف واعتبر فغدا سترتحل وترى عملك، ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم الزلل؟ أما تعلم يا مسكين أن الموت يسعى في تبديد شملك؟ أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك؟ أين فطنتك وذكاؤك ويقظتك؟ أما تعلم أن الله يعلم السر وأخفى؟ وانه مطلع عليك ولا شيء منك عليه يخفى فهو القائل سبحانه (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد).
فأين المعتبرون بالموت وسكراته؟ أين الخائفون من القبر وضمته؟ أين الخائفون من الوقوف بين يدي علام الغيوب؟.
قال يزيد بن تميم:
(من لم يردعه الموت والقرآن ثم تناطحت عنده الجبل لم يرتدع)
أن لذكر الموت فوائد منها :
1 أنه يحث على الاستعداد للموت قبل نزوله.
2 أن ذكر الموت يقصر الأمل في طول البقاء.
3 أنه يزهد في الدنيا ويرضي بالقليل منها.
4 أنه يرغب في الآخرة ويدعو إلى الطاعة.
5 أنه يهون على العبد مصائب الدنيا.
6 أنه يمنع من الأشر والبطر والتوسع في ملذات الدنيا.
7 أنه يحث على التوبة واستدراك ما فات.
8 أنه يرقق القلوب ويدمع العيون ويجلب باعث الدين ويطرد باعث الهوى.
9 أنه يدعو إلى التواضع وترك الكبر والظلم.
10 أنه يدعو إلى سل السخائم ومسامحة الاخوان وقبول أعذارهم.
فيا من علم هذه الفوائد الجمة لذكر الموت، اجعله نصب عينيك واذكره على الدوام وأكثر ذكره امتثالاً لأمر نبي الرحمة والهدى صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه (أكثروا من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات الموت).
وهو القائل عليه السلام (كفى بالموت واعظاً) وختاماً أخي الحبيب: دعني أهمس في أذنيك بأنك سترحل عن هذه الدنيا شئت أم أبيت سواء طال عمرك أم قصر، ولكن العبرة كيف يكون الخروج من هذه الدنيا إلى دار الجزاء والحساب وعند ذلك ينقسم الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير، فمهد لنفسك من الآن ما دمت في زمن الإمكان واختر لنفسك ما تريد.
جعلنا الله وإياك وجميع المسلمين ممن تهون عليهم سكرات الموت وممن تحسن خاتمتهم انه ولي ذلك والقادر عليه.