| أفاق اسلامية
من الخسران أن يعيش المرء على (سوف)، إن كانت (سوف) هذه تمس جانب آخرته ودنياه، فإن كانت تمس جانب دنياه فتلك مصيبة، وإن كانت تمس جانب أخراه فالمصيبة أعظم، فلو قال طالب سوف أذاكر دروسي وردد ذلك مراراً وتكراراً حتي جاءت لحظات ما قبل دخوله قاعة الامتحان هل ستنفعه (سوف)؟، ولو قالت أمٌ سوف أدرب ابنتي على تدبير شؤون المنزل لتكون ربة بيت ماهرة فسوّفت حتى مرت السنون ولم تفق تلك الأم إلا بعد أن كانت ابنتها قاب قوسين أو أدنى من دخول الحياة الزوجية هل ستعدها في تلك الأيام القلائل والمزحومة بالمشاغل لتكون ربة بيت لا أقول ماهرة بل عادية؟، والأمثلة على التسويف في مجال الدنيا كثيرة ذكرت ما ذكرت آنفاً من باب المثال لا الحصر، أما التسويف في أمور الآخرة فتلك مصيبة عظيمة لأن الدنيا المجال فيها مفتوح للتعويض، أما الآخرة فالتعويض فيها غير وارد، فلو سوّف شاب بأنه سيصلي بعد أن يعود من سفرته إياها ، فمات قبل ذلك هل يا ترى له من تعويض؟، ولو سوّف رجل بأنه سيحج ولكن بعد أن يتزوج فمات قبل ذلك فهل له من فرصة أخرى للحج؟، ولو قالت فتاة سوف أتوب من التبرج والسفور بعد أن ابلغ من العمر اربعين سنة فماتت قبل ذلك وهي مصّرة على تبرجها فماذا تنفعها (سوف)؟، ولو قال رجل سوف اتوب من شرب الخمرة بعد ان اتزوج فمات قبل ذلك وهو مصر على خمرته هل تنفعه سوف؟. الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على نهجهم لا يعرفون (سوف) هذه وبالذات في استجابتهم لله جل وعلا ولرسوله صلى الله عليه سلم، ومن ذلك أنه عندما أنزل الله جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) لم يلجأ أي واحد منهم رضوان الله عليهم إلى (سوف) التي لجأ إليها كثير من المسلمين اليوم، فلم يقل سوف أتوب بعد أن تنتهي الخمرة التي معي، وما إلى غير ذلك من حيل (سوف)، بل استجابة لله جل وعلا ولرسوله صلى الله عليه وسلم اقلعوا عن تلك المحرمات والخمرة منها وهي التي لا تخفى مكانتها عن العرب في جاهليتهم فبإيمانهم صاحوا جميعاً وقالوا: بل منتهون، بل منتهون، فمن كان في فيه خمرة لم تدخل بعد جوفه مجها، ومن كانت بيده سكبها، فأريقت تلك الخمور حتى سالت منها أزقة المدينة!!، وهكذا هم الصفوة الذين لم تخدر (سوف) أحاسيسهم وعطل مشاعرهم وتقيد حرياتهم، لذا انطلقوا مستجيبين لله جل وعلا ولرسوله صلى الله عليه وسلم!!، أين نحن من أولئك؟ غلبوا (سوف) ونحن قد غلبتنا (سوف)، بل ياليتها غلبتنا فحسب، لقد قيدتنا فحالت بيننا وبين كثير من مصالح دنيانا والأهم بيننا وبين طاعة ربنا جل وعلا وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، غلبتنا (سوف) لأنها أمنّا مكر الله وعقابه وكأنه بيننا وبينه جل وعلا أن لا يعذبنا، ولأننا صاحبنا أهل (سوف) فغاب عن أذهاننا الموت ذلك القادم لا محالة، وما علمنا أن (سوف) هذه تورث الحسرة والندم، وفوات الأجر والمغنم، وتراكم الذنوب ذنباً بعد ذنب، والأعمال عملاً بعد عمل، فلا بد إن أردنا العتق من رق (سوف) من الحزم مع النفس، وطلب العون في ذلك من الله وحده جل وعلا، وأن نتذكر المبادرات إلى طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، كم بودي أن تغيب (سوف) من قاموسي وقاموسك وبالذات عندما يكون الأمر متعلقاً بعمل أخروي لأنه الأهم أما في الدنيوي فقليل منا من تغلبه (سوف).
|
|
|
|
|