| أفاق اسلامية
لقد أزف رحيلنا الى ديار الآخرة وطريقنا طويل وشاق ونحن ما بين العقبات والهفوات تارة هنا وتارات هناك حملنا من الذنوب والأوزار ما أثقل كواهلنا وزادُنا قليل لا يكاد يبلغنا (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) وعلى طريقنا المؤدي للغاية العظمى وللهدف الأسمى محطات للتزود، الوقود فيها: قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، لا نستطيع التحرك إلا بهما ولا نستطيع التقدم إلا بهما هما النفَس لمن أراد أن يتنفس، وهما الزاد لمن اراد أن يتزود، وهما الخير كله لمن اراد ان يستزيد على طريقنا لافتات تقول إحداها، «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، » ولآفته أخرى: لا تسرع فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى»، لافتة اخرى القصد القصد تبلُغوا وأخرى لا تنسوا ذكر الله، وأخرى المسافة المتبقية على الجنة والنار (الجنة أقرب لأحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك) ولافتة أخرى لا تنشغل بالطرق التي تراها عن يمينك وشمالك فلن يوصلك إلى غايتك العظمى وهدفك الاسمى إلا هذا الطريق (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) أخي: على طريقنا يحدونا الأمل في الوصول وتتنازعنا الرغبات في المأمول والطريق يحتاج إلى صبر ونهاية الصبر دائما محمودة والجد في السير لا يصل بالأماني فالأماني لا تحرك المطايا ولا تمسح الخطايا (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) الأماني تحتاج إلى عمل والادعاء يحتاج إلى بينة والدعاوى إن لم يكن لها بينات أصحابها أدعياء، الدعوى: نريد الجنة؛ والبينة (ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد) نريد جنة عرضها السماوات والأرض (فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،) بثمن بخس دراهم معدودة، أخطأنا في الحساب بل تركنا الأسباب ولم ندرك عظم العقاب، الأمنية من الأماني الدنيوية تظل تشغل أذهاننا وتفكيرنا قائمين وقاعدين وراقدين حتى تصبح هما جاثما على قلوبنا وأفكارنا، أمثلة هذه الهموم كثيرة: همّ المعيشة وهمّ الوظيفة وهمّ المستقبل وهم الدراسة وهمّ الزواج وهمّ العيال وهمّ السكن و(من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله همّ دنياه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك) أخي الحبيب أنت تتمنى الجنة وشيخ في الثمانين كذلك يتمنى الجنة وأنت أقوى منه لكنه أصلب وأجلد منك يقف الساعات الطوال في رضا الله مع ضعفه وهرمه وأنت تترك النافلة مع قوتك تظن انه أقرب منك للموت فلا تجتهد مثله وهو يستشعر وينتظر الموت كل لحظة منذ ان كان في سنك علم أن أمر الله فوق كل أمر وتعمقت وتغلغلت محبة الله في نفسه فلم يعد يشعر بالتعب وحتى لو شعر به فقد اختلطت عنده حلاوة الوصال مع الله بمرارة ألم التعب الجسدي فطغت الحلاوة على المرارة وضاعت قطرة الألم في بحر الأمل، الأمل في الله سبحانه وتعالى ورجاء رضوانه وخوف عقابه رجاء الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين، وخوف النار التي احمى عليها ألف سنة حتى احمرت ثم احمي عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أحمي عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة أعاذنا الله وإياكم منها، أخي: أنفسنا البشرية حين تتمنى لا تتمنى إلا أحسن الأشياء وأفضلها وأعلاها وطمعها ليس له حدود (لو كان لابن آدم جبلان من ذهب لتمنى الثالث) ونسينا او تناسينا أو أنستنا شياطيننا ان الجنة هي الأحسن والأفضل والأعلى والأغلى، الا إن سلعة الله غالية «ألا إن سلعة الله الجنة» التمني للمستقبل لابدأن يكون مع العمل والمستقبل الحقيقي هو الآخرة ولدينا الوقت لتحصيله، والتمني للماضي لا ينفع معه قول ولا عمل وليس له معنى الا الندم ولات ساعة مندم فلنحذر أن نكون ممن يقول في ذلك الموقف الرهيب (يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا). أو يقول (يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا) أو يقول (يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا) أو (يا ليتني قدمت لحياتي) ولنبادر الى التوبة النصوح والاستغفار والندم على ما مضى والتزود بالعمل الصالح لكي يصلح الله حالنا وحال أمتنا الإسلامية (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وأن نجعل أعمالنا مطابقة لأقوالنا فلا خير في علم لم يوافقه عمل ولا عمل لم يوافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). ونجعل الجد شعارنا فليس ذا وقت الهزل نرجو الجنة بلا عمل أسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذه الكلمات وأن يجعلها في ميزان حسنات قائلها وكاتبها وقارئها وأن يرفع بها الدرجات ويحط بها السيئات وأن يجعلها حجة لنا لا علينا.
* إمام جامع بن تيمية حي الخليج بالرياض
|
|
|
|
|