| متابعة
* القاهرة محمد حسن:
تطلعت الانظار للحكومة الافغانية المؤقتة التي تلاقي قبولاً دولياً ومحلياً، في حل مشكلة اللاجئين الافغان الذين يعانون في الداخل والخارج منذ أكثر من 20 عاماً. بل ازداد الامر سوءاً بعد 11 سبتمبر، فما زالت آثار الحرب من دمار وخراب باقية تحول دون عودتهم، وفي ظل تزايد سوء الحالة المعيشية والصحية داخل المخيمات يوماً بعد يوم ما زال الخيار امامهم صعباً بين العودة او البقاء، لكن من يتحمل عودة 6 ملايين لاجئ إلى ديارهم، وهل باستطاعة الامم المتحدة اصلاح ما دمرته الحروب منذ أكثر من 20 عاماً؟ وما التحديات الامنية التي تحول دون عودة اللاجئين؟ فهل سقوط طالبان وتولي حكومة جديدة يعدان نهاية لمأساة اللاجئين في الداخل والخارج؟
بداية الأزمة
نشأت ازمة اللاجئين الافغان نتيجة عدة اسباب اهمها الحروب الاهلية اضافة إلى الجفاف والجوع والطبيعة القاسية في البلاد، فأفغانستان منذ نشأتها على يد أحمد خان شاه وهي تخوض سلسلة من الحروب والصراعات الداخلية، بجانب التدخلات من القوى الخارجية بدأتها انجلترا ثم روسيا واخيراً امريكا، لكن ازمة اللاجئين بدأت تظهر عندما اجتاح الروس افغانستان عام 1978 في اعقاب الانقلاب الشيوعي ضد الملك ظاهر شاه، وظهرت منذ تلك اللحظة ازمة الافغان الذين بدأوا في النزوح إلى باكستان وإيران، وفر الملك ظاهر شاه واسرته ووزراؤه إلى روما، وظل الصراع قائماً بين القوات الروسية والمجاهدين الافغان، وتحولت افغانستان لمستنقع من الدماء.
وتزايد معدل اللاجئين يوماً بعد يوم وعندما خرجت روسيا من البلاد عام 1989، خلفت وراءها مليوني لاجئ على الحدود مع باكستان وايران.
بعد الانسحاب الروسي، بدأ المجاهدون الافغان يقاتلون بعضهم البعض سعياً وراء السلطة، مما تسبب في المزيد من الدماء والخسائر المادية والبشرية في ظل انحسار الاهتمام الدولي بهم، وزاد تدفق اللاجئين على باكستان وايران وتركمانستان واوزبكستان وطاجيكستان، ومع تفكك الخريطة السياسية الافغانية حدثت تحالفات سياسية وعرقية مختلفة، ادت للعديد من الاضطرابات، ظلت حتى دخول طالبان كابول 1996، وطوال تلك الفترة لم يكن أمام الافغان سوى خيارين اما الدخول في الصراع القبلي أو النزوح خارج البلاد، فوصل عدد اللاجئين في باكستان إلى مليوني لاجئ حتى قبل احداث سبتمبر، اغلبهم من الباشتون الذين ينتمون عرقياً لباكستان، ثم حوالي مليون ونصف في ايران، اغلبهم من الشيعة، وعدة آلاف موزعون بين اوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان، واخرون في تركيا من الاوزبك.
6 ملايين بعد 11 سبتمبر
لم تكن احداث سبتمبر كارثة على الطالبان والقاعدة المتهمتين مباشرة بتدبير تلك الاحداث فحسب، بل جاءت الضربات الامريكية بعد سبتمبر لتضيف فصلاً جديداً في مأساة اللاجئين الافغان، فقد تزايد نزوح الافغان الفارين من القصف الامريكي إلى الحدود مع باكستان، حيث وصلوا إلى أكثر من 3 ملايين لاجئ موزعين داخل وخارج الحدود، وفر الآلاف إلى ايران، التي كانت تستقبل يومياً 150 اسرة افغانية طوال فترة القصف الامريكي حتى وصل إلى حوالي 6،2 مليون لاجئ، مما اضطر الحكومة الايرانية لغلق حدودها تجاه اللاجئين الافغان، وبالمثل فعلت باكستان وتركمانستان واوزبكستان وطاجيكستان، ولجأت الامم المتحدة لإقامة مخيمات لهم داخل الاراضي الافغانية وعلى امتداد الحدود مع ايران وباكستان.
وضع اللاجئين
يعيش اللاجئون الافغان في ظروف مناخية ومعيشية صعبة، اذ لا تصل اليهم المساعدات الانسانية الخارجية الا بكميات قليلة، وبدأت السلطات الايرانية والباكستانية تئن تحت وطأة ازدياد اعدادهم، وتزداد معاناتهم مع انتشار الامراض المعدية والاوبئة، وتقف الطوابير منهم تنتظر الحصول على الادوية، التي لا يمكن لكثير منهم استعمالها نظراً لانتشار الامية وانعدام اي ثقافة صحية، هذا بجانب الانخفاض الشديد في درجات الحرارة وسقوط الثلوج وتقع معظم المخيمات وسط اراض جرداء قاحلة، تفتقد إلى العشب والاشجار والمياه، ويشرب اللاجئون من صهاريج للمياه جاءت بها المعونات الاجنبية، ويقوم بعض اللاجئين بحفر بركة وسط المياه لتمتلئ بمياه الامطار.
الأمم المتحدة واللاجئون
قدرت الامم المتحدة عدد اللاجئين الافغان منذ الاجتياح السوفيتي وحتى القصف الامريكي بحوالي 6 ملايين لاجئ، وقدرت اي اعمار لافغانستان بتكلفة نحو 7،10 مليار دولار كل خمس سنوات، ويقول خبراء الامم المتحدة إن حوالي مليار دولار على الاقل يجب توفيرها لمجابهة احتياجات الغذاء واعادة اعمار المشاريع الزراعية، والمؤسسات التعليمية، واصلاح البنية التحتية حتى تستطيع افغانستان تحمل عودة اللاجئين، واكد مسؤول في الامم المتحدة نهاية ديسمبر الماضي أن المنظمة الدولية قلصت وأخرت خطة لاعادة آلاف من اللاجئين في شمال افغانستان إلى منازلهم في باغرام بسهل تومالي، الذي مزقته الحرب، وهو أول مشروع وضعته الامم المتحدة لاعادة توطين اللاجئين، فقد عزمت على نقل 4 آلاف اسرة طاجيكية في مطلع الاسبوع الاخير من ديسمبر الماضي، من وادي بنجشير إلى باغرام، لكن اللاجئين رفضوا العودة لعدة اسباب اهمها الطبيعة الجبلية القاسية في باغرام، وقلة المساعدات التي تصل اليهم، هذا بجانب تزايد الالغام الارضية في تلك المنطقة التي زرعتها قوات تحالف الشمال منذ 1996.
عودة مشروطة
على الرغم من تولي حكومة انتقالية للسلطة رسمياً منذ 20 ديسمبر الماضي الا أن وضع اللاجئين في الداخل والخارج يزداد سوءاً هذا بجانب رفض العديد منهم العودة مرة اخرى حتى تحل بعض المشاكل واهمها مشكلة الامن التي طالما كانت السبب الاول في نزوحهم إلى دول الجوار، فما زالت جيوب حركة طالبان تقاتل في الجبال، وقوات التحالف الشمالي تقوم بعمليات تطهير لبقايا الحركة، وكل من ساندها، وما زالت قوات المارينز تطوق المدن الرئيسية في البلاد، علاوة على الدمار الذي اصاب العديد من القرى اثر القصف الامريكي، اضافة لمشكلة الالغام الارضية التي قدرت الامم المتحدة 500 مليون دولار لازالتها. ويمكن القول إنه رغم نجاح واشنطن في اسقاط طالبان، وتنصيب حكومة انتقالية، الا انها لم تقدم اي خطوات جادة لصالح الشعب الافغاني، فلا يزال ملايين اللاجئين يتوزعون بين الدول المجاورة، وما زالت فاتورة الاعمار ضخمة وتتنصل منها كافة الاطراف. فمن يحل مأساة اللاجئين الافغان؟
|
|
|
|
|