| تحقيقات
* الجزيرة التحقيقات:
على مر عدة شهور وعبر عدد من التحقيقات والطروحات العلمية أخذت «الجزيرة» على عاتقها إيضاح وبيان حقيقة أشجار «الغاف» أو ما يعرف بالبروسوبس حاملة مشعل الدفاع عما لحق بها من تهم حول ما تتسبب فيه من أضرار صحية هي براء منها.
وبعد أن قررت وزارة الشؤون البلدية والقروية إتلاف تلك الشجرة واجتثاثها من شوارعنا وحدائقنا استنادا إلى وجهات نظر غير سليمة صدرت توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز حفظه اللّه بوضع دراسة متكاملة عن هذه الشجرة للوقوف على قيمتها وصلاحيتها لبيئتنا قبل مواصلة عمليات القطع والاجتثاث.
وجاءت نتائج تلك الدراسة انتصاراً للبيئة والمدافعين عنها مثبتة براءة «البروسوبس» من كل ما قيل عنها ومؤكدة أنها الشجرة الأنسب لبيئتنا الصحراوية وأجوائنا الجافة.
رغم الحرارة وشُحّ المياه .. أشجار البروسوبس تشكل غابات دائمة الخضرة
«الكونوكاربس» بديلة ل « البروسوبس» .. جميلة ..ولكن..؟!
تتحمل الجفاف وجذورها تتعمق إلى 30 متراً وأثبتت نجاحها في مشاريع صد الرمال
مليون شجرة كانت مهددة بالإتلاف بقرار لم يكن له أي سند من علماء الصحة أو البيئة أو التشجير
والآن وبعد أن توقفت عمليات إبادة مليون شجرة من هذا النوع هي مجموع ما يقدر من أعدادها في شوارعنا وحدائقنا العامة نعرض اليوم أهم ما جاء في تلك الدراسة العلمية التي قام بها مجموعة من المختصين في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
حيث عرضت الدراسة في البداية لجذور الإشكال حيث بدأ الجدل حول أشجار البروسوبس منذ سنوات ويتركز الجدل الدائر حول اتهام هذه الأشجار بإثارة الحساسية لدى البعض والمطالبة بإبادتها. وشاع هذا الاتهام بين كافة شرائح المجتمع خلال الخمس سنوات الماضية بسبب مقالات صحفية ليس للكثيرين من كتابها صفة الاختصاص في أي من جوانب المشكلة.
وصدر قرار بإتلاف أشجار البروسوبس بالرغم من آراء المختصين في أمراض الحساسية لهذا الأمر حيث أشادوا إلى أن الحساسية والربو ظاهرة عالمية وأن قطع هذه الأشجار لن يوقفها لأن مسببات الحساسية كثيرة منها أشجار البلوط والمخروطيات التي تغطي مساحات شاسعة من أوروبا واليابان ويتعايش الناس معها. وأشارت أبحاث محلية بأنه لم يثبت ولو في حالة واحدة من الدراسات التي أجريت أن لقاح أشجار البروسوبس كان المسبب الوحيد للحساسية بل واحدا من مجموعة كبيرة من المسببات . وأشارت دراسة أجريت بلندن إلى أن 40% من الأطفال الذين يعانون من أمراض الحساسية تظهر عليهم أعراض الحساسية في غياب أشجار البروسوبس.
وأكدت دراسة دعمتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أن تأثر بعض الناس ببعض أنواع حبوب اللقاح لا يختص بنوع من النباتات دون غيره وأن هذه الظاهرة عالمية.
ما هو البروسوبس؟
أول من عرف نبات البروسوبس «الغاف» العالم linnaeus حيث قام بوصف أحد أنواعه النباتية في عام 1767م أو «الغاف» ينتمي جنس الغاف للعائلة البقولية والتي قسمت إلى ثلاث تحت عوائل نبانية هي «البقمية الطلحية الفراشية» وتحتوي العائلة البقولية على 675 جنساً و16400 نوع تقريباً وهذه الأنواع عرفت رغم الصعوبات العلمية التي تواجه الباحثين لدراسة بعض أنواعه النباتية.
وتعتبر أنواع الغاف من النباتات المعمرة وهي في الغالب أشجار أو شجيرات صغيرة شوكية أو عديمة الأشواك يتراوح ارتفاعها بين 3 15 مترا تقريبا غزيرة الأفرع مستدقة الأطراف والأوراق مركبة ريشية تكون مرتبة في 2 4 رويشات في كل ريشة عدد من الوريقات المتقابلة والتي يتراوح عددها بين 5 36 وريقة ونوراتها سنبلية الشكل والأزهار جالسة كثيرة العدد صغيرة الحجم ومنتظمة المحاور الزهرية صفراء اللون ثمارها قرنية خيطية مستقيمة أو منحنية أو مستديرة المقطع أو ملتوية الشكل صفراء أو بنية اللون عند النضج وبذورها بيضية الشكل والقشرة صلبة بنية داكنة اللون.
البروسوبس في المملكة
وقد أفاد التقرير إلى أن الدراسات العلمية أشارت إلى وجود أربعة أنواع من جنس البروسوبس بالمملكة إضافة إلى نوع خامس أدخل إلى المملكة وأصبح واسع الانتشار في أغلب مناطق المملكة.
وأوضح التقرير إلى أن بعض الأنواع المذكورة وجد على نطاق استزراع حدائقي كما هو الحال في مشاجر الحي الدبلوماسي بالرياض.
تحمل مناخ المملكة
وحول متطلبات البيئة للبرسوبس أشار التقرير إلى مقدرة هذه الأشجار على تحمل الجفاف بصورة فائقة وتجود في كل أنواع الأراضي ولكنها مع ذلك تفضل الترب الرملية، وذلك كما أفاد التقرير بأنها تمتاز بمجموع جذري قوي ومتعمق وبمقدورها السعي وراء الرطوبة في الأعماق لمسافات قد تصل إلى ما يزيد عن الثلاثين مترا. وبين التقرير إلى أنه بالإمكان زراعتها تحت ظروف من الهطول المطري المتدني وبالأراضي الرملية والحجرية . وأشار إلى أن هذا النوع من الأشجار تنمو في بعض الدول مثل البيرو وهي أحد مواطنها الأصلية الذي لا يتعدى متوسط الأمطار السنوية الخمسين مليمترا.
الأهمية البيئية
وأشار التقرير إلى أن البروسوبس يساهم بفعالية عالية في تثبيت الكثبان الرملية ويحيلها إلى مواقع زراعية تستمتع بمردود اقتصادي جيد حيث أوضح أنه يستعمل بنجاح في تثبيت الكثبان الرملية في منطقة الأحساء ولقد تم بشكل جيد وأثرت بما في ذلك المناطق التي خضعت لنظام الزراعة الجافة منذ بداية المشروع وبين أن البروسوبس يحيل مناطق جافة جرداء وخالية تقريبا من النبات إلى مواقع خضراء وذات إنتاجية عالية في أشد الأشهر جفافاً حتى في السنوات شديدة الجفاف وهو يحسن بشكل ملموس المناخ الموضعي كما انه يصلح لتشجير الطرق وإنشاء شبكة الأسيجة النباتية ومصدات الرياح وإنشاء الحدائق وهناك تأكيد على أن استعمالها كشجرة حدائق مستمر بسبب نموها السريع واحتياجاتها المائية المتواضعة وقد اعتبرت من أنجح الأشجار التي استخدمت في تشجير المدن الخليجية لتحملها الجفاف ومقاومتها لمعدلات الملوحة المألوفة في التربة .
وتؤكد الدراسات والبحوث المختلفة بأن البروسوبس لا يعمل على إثارة أية مشاكل صحية للعاملين في حقوله أو للسكان المعايشين المواقع الزراعية بل العكس فإنها قد أشادت بأهميته الاقتصادية والاجتماعية والطبية وسواها لسكان مناطق زراعته. ونوهت إلى ضرورة الاهتمام بزراعته بكثرة في المناطق القاحلة بغية زيادة الرقعة الخضراء ووقف زحف الرمال.
كما أفادت الدراسات التطبيقية التي قام بها معهد بحوث الموارد الطبيعية والبيئية أن البروسوبس يتمتع بكفاءة عالية في تثبيت الملوثات الجوية في المدن بما فيها عنصر الرصاص فقد بلغ تركيزه حوالي 48 ميكروغرام /جرام من الأوراق وذلك في الطرق ذات الكثافة المرورية المرتفعة.
مأخذ على البروسوبس
ومما ذكر التقرير من المآخذ على هذه الأشجار عدم مقاومته للرياح القوية التي قد تتسبب في اقتلاع أشجاره حيث أثبتت الدراسات أن هذا الضعف ليس صفة وراثية متأصلة في أشجار البروسوبس التي تفترض فيها أن تكون قوية جدا ورفيعة أمام الرياح عند نموها طبيعيا مقارنة بالأنواع الأخرى التي تستخدم في إنشاء مصدات الرياح وذلك بفضل الجذور التي يتعمق في الأرض إلى ما يزيد عن 30 مترا مما يستحيل معه اقتلاعها بسهولة.
ويعزى ذلك في الغالب إلى طريقة الزراعة حيث تفقد بعض الشتلات جذرها الوتري في مراحل التربة والإفراط في الري مما يحقق النمو السريع والبنية الضعيفة للنبات.
ولما كان البروسوبس يتكاثر تلقائيا بالبذور وليس بالأخلاف الجذرية، فإن مقاومته عندما يغزو الحقول المزروعة عملية سهلة وتقليدية وأن المزارع الراعي الذي يواكب حقله بالخدمات الزراعية المرورية لن يعجزه البروسوبس ولا أي نبات أخر قد يكون أشد وأنكى منه كالقش ولسوس ولحدق ولنيل «القيمل» وسواها أما من وجهة نظر البيئة فإن النوع النباتي المستعمل في التشجير الاصطناعي يكون مناسباً إذا كان قادرا على احتلال الأراضي المهملة المجاورة عن طريق نثر البذور والبذر الطبيعي يضمن بعد ذلك التغطية النباتية تدريجيا وتعتبر هذه المقدرة من وجهة نظر الاعتبارات البيئية في تقويم أنواع التشجير الاصطناعي دليلا قطعيا على مدى تلاؤم النبات المعني مع ظروف مواقع التشجير.
أشجار متعددة الفوائد
وأشار التقرير إلى أن مشروع حجز الرمال بمنطقة الأحساء تجربة رائدة تتحدث عن نجاح أشجار البروسوبس في هذا المجال وبين أنها كغيرها من النباتات البقولية الأخرى تساعد على تثبيت النتروجين في التربة كما أوضح أنها تستخدم في معظم التشجير الوقائي بما في ذلك مصدات الرياح وذكر أنه لا يخفى على أحد أهمية ذلك في الإنتاج الزراعي بما فيه الغذاء وهو أحد أهداف التنمية في المملكة بهدف تنويع مصادر الدخل الوطني وتأمين الغذاء من مصادر محلية كما تفيد هذه الدراسة عن أهميته كونه مرعى ومصدر للعلف ويفيد كونه مصدراً للأعشاب التي تستخدم في أغراض مختلفة.
وكذلك تستخدم أخشابها كحطب وقود أو تحول إلى فحم نباتي أو كأعمدة لتسوير المزارع وتستخدم كأخشاب منشورة في صناعة الأثاث والعوارض والقوائم الإنشائية وعوارض السكك الحديدية وغيرها.
ومن أهميتها ذكر التقرير تتمتع بقيمة حرارية عالية مقارنة بوزنها مما يجعلها من أفضل الأخشاب كمصدر للتدفئة والطبخ.
وأشار التقرير إلى أنها استخدمت ثمارها عبر التاريخ عدة استخدامات في عمل العصائر وعمل الجبن من الألبان وعمل الحلوى .. كما أنه استخدم في حال الطب الشعبي لمعالجة أمراض العيون وآلام الحلق وكمسكن لكثير من الآلام والاضطرابات المعوية.
البروسوبس والصحة
وذكر التقرير إلى أنه من خلال الاطلاع على الدراسات الصحية والاتصال بالمختصين في كل من مستشفى الملك خالد الجامعي ومستشفى الملك فيصل التخصصي والشؤون الصحية بالقصيم كون هذه الأشجار تم استزراعها بها اتضح أن الدراسات الطبية التي تمت لتحديد مدى إسهام هذه الأشجار في إثارة الحساسية والربو عند بعض الأفراد تمت في الغالب على النوع الواسع الانتشار في المملكة وتوضح هذه الدراسة أن هذا النوع يمتاز بكثافة أزهاره ووفرة حبوب اللقاح في موسم الأزهار ما لم تقلم الأشجار.
ويقع موسم أزهاره غالبا في شهري أبريل وأكتوبر من كل عام وتعتمد كثافة أزهاره على الظروف البيئية التي تعيشها أشجار البروسوبس.
وبين التقرير أن كثافة الانتشار في الهواء تنحصر في مسافة لا تزيد عن خمسة أمتار من الشجرة في الهواء تتناقص كلما ابتعدنا عن الشجرة إلى حد الانعدام عند مسافة 15 متراً، ورأسيا لا تتعدى هذه الكثافة 15 قدما.
وبين التقرير أن تواجدها في الهواء قليل مقارنة بحبوب لقاح كثير من النباتات الأخرى لأن حجمها كبير نسبيا إذ يبلغ قطر حبة اللقاح 25 مكرون، مما يجعلها تستقر في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي عند استنشاقها بمعنى أنها قد تسبب أعراض تحسسية في الجزء العلوي فقط من الجهاز التنفسي على النقيض من كثير من حبوب اللقاح الصغيرة التي قد تتسرب إلى داخل الصدر والرئتين وتسبب حساسيات داخلية.
وأشار التقرير إلى أنه من خلال الاتصال بالمختصين بالشؤون الصحية بالقصيم يتضح عدم وجود أي شكوى أو حالات ينفرد البروسوبس بتسببها أي حساسية أو ربو وكذلك لم تسجل أي حالات تحسس من قبل العمال القائمين على قص هذه الأشجار.
ومن ناحية التأثير المباشر للبروسوبس ذكر التقرير أن التقارير الصحية تشير الى أن التأثير التحسسي لهذه الأشجار ينحصر على الأشخاص الذين يتواجدون على مسافة قريبة منها كما أن البروسوبس ليس من أكثر النباتات إثارة للحساسية فهناك نباتات كثيرة أشد إثارة للحساسية.
وبين التقرير الى أنه في الجانب الآخر فأن له فوائد صحية يغفل عنها الكثيرون فهو مصدر غني للأكسجين الذي تحتاجه المدن المكتظة بالسيارات والسكان ليحدث نوعاً من التوازن الغازي في بيئات المدن كما ان له فائدة في امتصاص الأتربة والغبار يزيد سنويا عن 50 طن/هكتار.
خلاصة التقرير
وذكر التقرير أن أي قرار بإبادة الأشجار سواء من قبل أفراد أو مؤسسات حكومية أو خاصة ينبئ بجهلها بالدور البيئي للأشجار كونه متمثلا في توفير الأكسجين والحد من الأتربة والغبار والقيمة السمادية وتثبيت النتروجين الجوي والقيمة العلفية والقيمة الخشبية والقيمة التجميلية وتثبيت الكثبان الرملية والتربة. وأن قرار إتلاف هذه الأشجار الذي استند على بعض التقارير الصحفية لا يرتكز على سند علمي يبرر إبادة هذه الأشجار بالطريقة التي وردت في قرار وزارة الشؤون البلدية والقروية إذ أجمع علماء الصحة والبيئة على استزراعه والاستفادة منه.
وأشار التقرير الى أن الجهل بالدور البيئي والفوائد العديدة للأشجار يجب أن لا تؤثر في القرارات التي تمس مقومات البلد وثروته بل يجب تعويض البيئة الصحراوية على ما فقدته من غطاء نباتي بفعل عوامل التصحر العديدة.
الاستنتاجات والتوصيات
وقد خلص التقرير الى استنتاجات أهمها:
إن قرار إتلاف أشجار البروسوبس ليس له ما يبرره من سند علمي ومعلومات موثقة من علماء الصحة والبيئة والتشجير.
ينص نظام الغابات والمراعي لعام 1398ه الموافق 1978م على عدم قطع الأشجار ناهيك عن إبادتها وفي قرار إتلاف أشجار البروسوبس خرق لبنود هذا النظام.
أشجار البروسوبس أشجار متعددة الفوائد تساهم في حل مشاكل نقص الغذاء والعلف والوقود في المناطق الجافة بالإضافة الى قيمتها البيئية والجمالية.
استخدمت أشجار البروسوبس كأشجار حضرية في المناطق الجافة لسرعة تأقلمها مع البيئات الصعبة السائدة في هذه المناطق وسرعة نموها ومتطلباتها المائية المتواضعة.
المملكة بحاجة ماسة الى هيئة مستقلة تعنى بالتشجير وإعادة تأهيل الغطاء الشجري ووضع الأنظمة الفعالة للمحافظة عليه وتوفير الشتلات الملائمة لكل منطقة.
هناك حاجة الى إجراء البحوث والدراسات اللازمة لاختيار أنواع جديدة من الأشجار المحلية والمدخلة الملائمة للاستخدامات الحضرية.
يجب ألا تهدر الجهود الفنية والعملية التي بذلت والتكاليف المالية الباهظة التي صرفت لإنجاز هذا العمل الكبير.
التوجهات المستقبلية المعلنة في كل مناطق البروسوبس في العالم هو المزيد من الاهتمام بزراعته وإدارة غاباته إدارة مستدامة والعمل على زيادة حجم الكتلة الحيوية المنتجة عن طريق التربية والانتخاب والاستفادة من فوائدها المتعددة.
بناء على ذلك توصي اللجنة بالإبقاء على أشجار البروسوبس أينما وجدت والاستمرار في استزراعها إلا إذا سمحت الظروف البيئية والإمكانات المائية داخل المدن باستبدالها بأشجار أكثر جمالاً وأورف ظلالاً.
|
|
|
|
|