| الثقافية
* القاهرة مكتب الجزيرة إنصاف زكي:
رغم اشتغاله بالعمل النقدي طوال 20 عاماً مضت قدم خلالها العديد من الإسهامات النقدية التي أثرت المكتبة العربية إلا ان اسمه صار أشهر من مؤلفاته، ورغم حضوره القوي في المنتديات والمؤتمرات المصرية والعربية إلا ان مؤلفاته لم يكتب لها هذا الحضور ويعزى ذلك إلى ان هناك معركة خضبة تحاك ضد مؤلفاته ويمارس عليها نوع من التعتيم، ويؤكد ان إحدى دراساته النقدية بعنوان «في حقل الدراسات النقدية العربية»، انه الناقد الأدبي الدكتور مدحت الجيار الذي ينتمي إلى جيل السبعينات وأصدر حتى الآن ما يزيد عن 20 كتابا نقدياً في مختلف الأشكال الأدبية.. التقيناه في هذا الحوار الذي تحدث فيه عن هموم الحركة النقدية العربية ومشواره النقدي والعديد من القضايا الأدبية الأخرى.
* ابتعد الناقد مدحت الجيار منذ فترة عن متابعة الكتابات الجديدة وهو الأمر الذي ينسحب على بقية النقاد أيضاً فما السبب في ذلك؟
لم ابتعد وهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق وذلك لعدة أسباب الأول انني منذ نهاية السبعينات وأنا أشارك بشكل فعّال ومؤثر في الحركة الأدبية، وقد أخرجت الكتاب الأول لي عام 1978 في الشعر العربي بمنهج بنيوي وجمالي وكان الكتاب يعد نقلة في الدراسات النقدية في ذلك الوقت، السبب الثاني انني كتبت بانتظام ولمدة عشر سنوات دراسات نقدية عن نصوص معظمها للشباب في مجلة فصول وكنت مشاركا مشاركة فعَّالة برصد النصوص الجديدة في مختلف الأجيال، والكتابات منشورة للجميع، والسبب الثالث انني شاركت في 90% من المؤتمرات والمنتديات الثقافية في مصر والعالم العربي، وقدمت رصداً للظواهر الأدبية الموجودة في هذه الأماكن لكن للأسف لم تجمع هذه الدراسات في كتاب لأقول للناس هذا هو إنتاجي في متابعة النصوص الجديدة، وأؤكد القول انني مازلت متابعاً لهذه النصوص حتى الآن كما انه صدر لي أكثر من 20 كتابا خارج الجامعة في النقد الأدبي قلت فيها ما أود ان أرصد فيه الظواهر الأدبية في الأجناس الإبداعية العربية عبر تاريخها حتى الآن وللأسف لأن هذه الكتب مطبوعة في دور نشر تبيع الكتب غالية السعر فلم تُعرف هذه الكتابات، ولا أنسى في هذا السياق أن أشير إلى ان هذه الكتابات أصبحت مرجعاً لدراسات كثيرة في مصر والعالم العربي بل ان بعضها أصبح مرجعاً لمؤلفات بلغات أخرى، ولا أنسى ان أشير أيضاً إلى انني طوال 20 عاماً أقمت ندوات على النصوص الجديدة في أتيليه القاهرة ونادي القصة وجمعية الأدباء وفي جميع مديريات الثقافة في مصر ولكن للأسف كل هذا غير معروف ويسكت عنه باستمرار.
* ولما هذا السكوت أو التجاهل؟
المبدعون يعتقدون باستمرار ان ما يقدمونه للواقع الأدبي هو نهاية العالم، وبالتالي أصبحت العلاقة بين هؤلاء المبدعين والنقاد علاقة شائكة تتبادل فيها الاتهامات، لقد كتبت لأصحح بعض المفاهيم والمصطلحات النقدية التي تسببت في اضطراب الأنواع الأدبية العربية فهوجمت هجوماً شديداً ولا أزال.
* ولكن هناك من يقول ان أجيل السبعينات لم يستطع تشكيل حركة نقدية لها ملامحها الخاصة؟
هذا ليس صحيحاً لأن جيلي من النقاد تسرب عبر السنوات ولم يبق منه إلا عدد يعد على أصابع اليد الواحدة، ويمكن ان ترصد من جيلي د. سيد البحراوي ود. حامد أبو أحمد، ود. يسري العزب وشاكر عبدالحميد، ولكن استوعبت كل واحد منهم ظاهرة من الظواهر وبعضهم كالدكتور يسري العزب اهتم بالحركة الأدبية في الأقاليم اهتماماً خاصاً والدكتور شاكر عبدالحميد تمسك بتخصصه في علم النفس وركَّز الدكتور سيد البحراوي على الرؤية الاجتماعية للنص وبذل جهداً كبيراً في دراسة الإيقاع الشعري واهتم حامد أبو أحمد بنقل التجارب الإسبانية إلى اللغة العربية، ولكن دون ان اتحدث عن نفسي هناك تعتيم مقصود على مؤلفاتي وعلى نشاطي الثقافي ويكفي القول انه رغم 20 عاما من العمل اليومي في الثقافة والنقد والتدريس وتم تكريمي في عدة دول عربية ولم يحدث ذلك في بلدي في حين تم تكريم من ليس لهم علاقة بالثقافة ولا بالنقد الأدبي.
الغموض
* ربما يعود ذلك لغموض منهجك النقدي؟
لا أعتقد ذلك فأنا ببساطة اعتمد على تبني مفهوم الفكر البنيوي لفهم الظواهر الأدبية والنص الإبداعي، وهذا الفكر له تجليات متعددة في الثقافة والفنون والأدب وعلوم النفس واللغة والجمال وهي علوم متداخلة تجعل من دراسة النص عملية علمية تمكِّن الناقد من معرفة ماذا يريد من النص مع الاعتداد بما يقوله النص أيضاً حتى نستطيع ان نجمع ما بين تحليل النص علمياً ورصد مقولات النص وإضافاته في الوقت نفسه، كما ان مشروعي النقد يرتكز على النظرية البنيوية ومنهج علمي يساعد النظرية في فهم النص الأدبي والظواهر الأدبية والأطر الثقافية المحيطة بكل هذا، وبما ان النقد الأدبي يتجه الآن إلى ان يكون علماً لدراسة النظم والظواهر في الثقافة، فإن هذا العلم له علوم مساعدة لا بد ان تقدم رؤية علمية واضحة ليصبح الناقد قادراً على ممارسة النقد الأدبي وهو عالم مدرك للنص وليس مجرد صاحب إجراءات تحليلية.
* ولكن الفكر البنيوي ينتقده الكثيرون ويرون فيه انه يتجاهل الذوق والقيمة فكيف ترى ذلك؟
حينما أترك النص يقول ما يريد فأنا أسمح لذائقة الناقد ان تعمل أولاً في النص، وبعدها تبدأ الإجراءات العلمية، لترصد هذه القيمة تمهيداً لوضع النص في سياقه التاريخي والفني والاجتماعي ضمن مجمل إنتاج كل أمة وكل جماعة من الجماعات.
مع التحديد
* وإلى أي مدى تقف مع التجديد ومحاولات تجاوز السائد والمألوف؟
أتابع الأشكال الأدبية الجديدة باستمرار، رصدت الخيال العلمي والرواية وتداخل الأنواع في الشعر، والشعر المنثور والشعر الحر وكتبت عن مستقبله في محاولة لتحديد مفاهيم المصطلحات المشوشة التي أوجدت سوء فهم لدى الكاتب والناقد على السواء، فأنا مع التجديد الدائم ومع التطوير الدائم للنص الأدبي والتعددية بشرط واحد هو ان يملك الناقد أو الكاتب وعياً بما يفعل لأنه لا يجوز ان اكتب نوعاً أدبياً وأسميه باسم نوع آخر طالما لهذا النوع اسم واضح وموجود في النقد الأدبي.
* وهل توافق على اننا نفتقد الناقد المبدع؟
أوافق تماماً لأنه في تقديري ان الحياة الأدبية استوعبت النقاد إما بالعمل العام داخل المؤسسة الثقافية أو خارجها أو بالخروج والهجرة، لكن لاتزال بذرة الإبداع النقدي موجودة ولاتزال رغبة النقاد في هذا العمل موجودة ولكن تحتاج إلى الإيمان بقدرة الناقد على الإبداع.
* ألا تعتقد اننا نفتقد منبراً ثقافياً حقيقياً؟
هذا الافتقاد حقيقي لدينا إلى حد ما، فالدائرة الشامية والمغربية والخليجية تمتلك وسائل إعلامية كثيرة لها تمويل ضخم في العالم العربي وخارجه وبالتالي كان الاهتمام الجيد لهم واعتراف أيضاً بوجود فجوة كبيرة جداً في عدم وجود دوريات جادة تنتشر فيها المتابعات النقدية والثقافية في مصر وأتمنى ان يكون لكل نوع أدبي دورية تعكس نصوصه ونقده.
* ولكن في ظل غياب القارئ ما الذي يمكن عمله لتجاوز هذه الأزمة؟
القارئ لم يغب، ولكن هناك انحسار لساعات القراءة بسبب الاهتمام بوسائل الإعلام الجديدة، الفضائي منها والتكنولوجي فوجود القنوات الفضائية والإنترنت والكتاب الإلكتروني، قلل من حجم القراءة في الكتاب العادي وهذا يحتاج إلى تدعيم وتشجيع للقراءة ولا بد ان يراعي الكاتب القارئ الذي يتوجه إليه، لأن الغموض وعدم الوضوح في الكتابة الآن أصبح سمة من سمات الكتابة والنقل عن الآداب الغربية دون إشارة أصبح شيئاً معتاداً الأمر الذي أربك القارئ وأوجد خلافاً بين ذائقة القارئ والكتابة.
|
|
|
|
|