| متابعة
* رام الله نائل نخلة
لايخلو التعامل اليومي القهري مع ظروف القصف والعنف والمقاومة، من مواقف تثير الضحك حتى البكاء أحياناً.. حيث ان الشعب الفلسطيني لا يختلف كثيراً عن الشعوب العربية في حبه للدعابة واطلاق النكات، حتى في أحلك الظروف حتى يتغلب على مرارة الوقت والأحداث.
وحقيقة الأمر ان ا لمواقف الضاحكة في زمن الانتفاضة تتم بشكل مرتب، ولهذا يكون تأثيرها على جنود الاحتلال في غاية القسوة خاصة على المستوى النفسي لأنهم يشعرون بالمهانة والخوف في وقت واحد، وعندئذ يزداد يقينهم بان الفلسطينيين كسروا حاجز القهر، ويتعاملون مع ظروف الاحتلال على انها أمر يثير السخرية أكثر مما يثير الخوف.
يروي عيسى عبدالفتاح، يعمل راعياً للأغنام إحدى هذه المواقف، عندما اندفع حماره نحو سلال الخضراوات والفاكهة المتواجدة بجوار جندي اسرائيلي يقف على تلة مرتفعة، كان قد أحضرها للجنود المتواجدين على حاجز قلنديا (5كم جنوب رام الله على شارع رام الله القدس الرئيسي) ثم تبعته باقي الأغنام، محاولة الحصول على نصيبها من الغنيمة، حيث اصطدمت بالجندي وطرحته أرضاً مصاباً باغماء من الصدمة وسط ضحكات المواطنين الذين كانوا يعبرون الحاجز.
وأضاف ان هذه الاغنام انتقمت من الجندي، حيث كان قبل عشر دقائق فقط من هذا الموقف قد ارتكب حماقة ضد سيدة فلسطينية (71 عاماً) أجبرها على افراغ سلة مليئة بمتطلباتها التموينية كانت قد أحضرتها من سوق رام الله الرئيسي عائدة إلى قريتها بدو (15 كم غرب رام الله) بدعوى تفتيش السلة. وشهد نفس الحاجز أكثر من واقعة طريفة، كما يروي أحمد ملكي (موظف) حيث غافل عدد من الأطفال جنود الحاجز، واقتلعوا لافتة ضوئية مكتوب عليها كلمة (توقف) باللغة الانجليزية، تستخدم لتوقيف السيارات على ا لطريق ونقلوها إلى طريق قريب يستخدمه جنود الاحتلال، مما أدى إلى منع سيارات الجيش الاسرائيلي من استخدام هذا الطريق عدة ساعات حتى اكتشفوا الأمر.
كما قام أحد الأطفال بسرقة عدد من صناديق الرصاص المطاطي الصغيرة الخاصة بأحد جنود الحاجز، وعندما انطلقت المسيرة لم يستطع الجندي اطلاق أية رصاصة على المشاركين الأمر الذي أدى إلى حدوث مشاجرة بينه وبين قائد مجموعته الذي اعتقد انه لايريد تنفيذ أوامره باطلاق الرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين.
ويقول زيد جبارين (8سنوات) إنه قام مع عدد من زملائه بالمدرسة بمدينة البيرة بتصميم طائرة ورقية كبيرة بطول 3 أمتار وعرض 2 متر على شكل علم فلسطين وأطلقوها في الهواء، حتى بلغت سماء مستوطنة «بسغوت» المقامة على جبل الطويل المتاخم للمدينة فما كان من قوات الاحتلال الاسرائيلي التي تقوم بحماية المستوطنة إلا ان قامت باطلاق قذائف مدفعية على الطائرة بينما خرجت 10 مدرعات لمطاردة المهاجمين.
وأضاف زيد ان جنود الاحتلال عندما تمكنوا من الوصول إلى مجموعة الأطفال عن طريق تتبع الحبل المربوط بالطائرة الورقية كادوا يلقوهم من فوق سطح المدرسة الذي كانوا يستخدمونه لاطلاق الطائرة وذلك من شدة الغيظ.
أما قرى وبلدات مدينة جنين فهي الأكثر استخداماً لحيل المضحكة ضد جنود الاحتلال.. ويقول محمود أبو عمر (30سنة) ويقيم في بلدة يعبد والتي تقع على بعد 10كم غرب جنين انه كان يقوم بربط سلك معدني سميك له بروزات حديدية بين شجرتي زيتون على جانبي الطريق حتى إذا مرت السيارة جيب اسرائيلية مسرعة اصطدم زجاجها الأمامي بالسلك وتحطم الزجاج تماماً، وأطاح السلك بقبعات الجنود، وغالبا ما تنقلب السيارة بعد ان يفقد سائقها السيطرة عليها من المفاجأة.ويقول نبيل ويقيم بقرية الزبابدة قضاء جنين انه قام بالقاء باذنجانة كبيرة أمام سيارة جيب تحمل جنديين اسرائيليين، كانت تمر على طريق الزبابدة قباطة (7كم جنوب جنين)، واعتقد سائق السيارة أنها قنبلة، واختلت عجلة القيادة بين يديه وانقلبت السيارة.
وأضاف ان الشباب الفلسطيني قام بزرع مسامير حديدية مدببة على شارع عرابة يعبد الرئيسي (12كم جنوب غرب جنين) عند مرور دورية اسرائيلية مكونة من 4 سيارات جيب مما أدى إلى انفجار إطارات السيارات تباعاً واصطدامها ببعضها البعض وعندما انشغل الجنود باصلاح السيارات وتركيب إطارات جديدة، انهال الشباب عليهم بالحجارة من كل جانب مختبئين بأشجار الزيتون الكثيفة.
وأشار إلى ان أحد أصدقائه حصل على حمامة زاجل من إحدى المستوطنات القريبة من قرية مقيبلة (11كم شمال جنين) ثم قام بتلوينها بألوان العلم الفلسطيني، وأطلقها لتعود إلى أصحابها بالمستوطنة، بعد ان حملها برسالة تقول «النصر لنا والقدس لنا».
ويقول الشيخ نعيم من الخليل ان ابنه عمرو سار بجوار أحد الجنود ا لإسرائيليين الذين يقومون بحماية المستوطنين قرب سوق ا لخضار ا لمركزي بالبلدة القديمة ووضع ملصقاً صغيرا عليه علم فلسطين على جهاز اللاسلكي المحمول على الظهر وهو يشبه الحقيبة (الماخشبر) وعندما كان الجندي يتجول بالشارع كانت الضحكات الفلسطينية يعلو صوتها.
وفي قرية دير أبو ضعيف (6كم شرق جنين) قال نائل «12سنة/» انه يجيد التصويب بالشعبة أو «النقيفة» حيث كان يقوم بوضع كرة حديدية صغيرة من مخلفات قذائف المطاط، وينتظر حتى تمر إحدى المصفحات، ويطلق قذيفته عبر الثقوب الصغيرة لشباك السيارة التي يستخدمها الجنود لاطلاق الرصاص فأصاب الجندي في إحدى عينيه، وبعدها انهمر ا لرصاص من السيارة محاولاً إصابة أي شيء من شدة الغيظ.
ويروي زياد فراس انه خلال احدى المسيرات بالقرب من حاجز سرداً (105كم شمال رام الله) أطلق جنود الاحتلال قنابل الغاز فاندفع أحد الشباب على مسافة قريبة من مكان الاطلاق وقام برد إحدى قنابل الغاز، فسقطت داخل سيارة جيب إسرائيلية، وأصيب جنودها بالإغماء والاختناق، وعندئذ انطلق زملاؤهم لاسعافهم وتوقفوا عن اطلاق الرصاص وقنابل الغاز وانسحبوا من موقع المسيرة.ويقول انه خلال مسيرة نظمها طلاب جامعة بيرزيت عند بلدة الرام (3كم شمل القدس المحتلة) قام أحد الطلبة بوضع علم فلسطين على ظهر سيارة إسرائيلية أثناء وقوفها لمراقبة المسيرة وأثناء عودتها إلى القدس بعد نهاية المسيرة رفرف العلم الفلسطيني فوق السيارة وسط تصفيق المشاركين بالمسيرة ودهشة الجنود الإسرائيليين من ذا الترحيب الحاد.
وفي قرية كفر عقب (2كم جنوب البيرة) عرف أطفال القرية كلمة السر لاستدراج جنود حرس الحدود وأغلبيتهم من الدروز وهي «ملوخية» حيث أنها محرمة عندهم ويكرهون ذلك الاسم لأسباب تاريخية.. ويقوم عدد من الأطفال باستخدام ميكروفون ويقولون ملوخية.. ملوخية، وعندما يهرع الجنود لمطاردتهم يستقبلهم الشباب المختبئ خلف التلال المحيطة بالقرية يقذف الحجارة.
وهكذا يجري السجال بين المدافع الإسرائيلية والروح الفلسطينية، التي تؤكد ان هذا الشعب لن يموت.. فكما هز الطفل الفلسطيني ضمير العالم بحجر صغير في يده.. فإنه مازال يزلزل كيان الجندي الإسرائيلي بموقف هزلي ضاحك.
|
|
|
|
|