| متابعة
إذا كانت القضية الفلسطينية قد شهدت عبر تاريخها الطويل مراحل متعددة ومتنوعة من النضال والجهاد من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وشهدت كذلك عدداً هائلاً من الفصائل والتنظيمات ذات التوجهات المختلفة في رؤية العمل والمتفقة في الهدف النهائي، فإن الوقت قد حان لكي تتفق جميع هذه الفصائل مع السلطة الوطنية وتتوحد على آلية عمل واحدة لمواجهة تحديات المرحلة القادمة من حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها العدو الإسرائيلي بجميع شرائحه وطوائفه ضد كل ما هو فلسطيني..!!
ففي الوقت الذي تتطلب فيه القضية الفلسطينية بصفة عامة والسلطة الوطنية في الأراضي الفلسطينية بصفة خاصة صفاً فلسطينياً متراصاً أكثر من أي وقت مضى، والحفاظ على وشائج الوحدة الوطنية داخل الصف الفلسطيني، وتغليب المصلحة الوطنية على كل الاحتمالات والرؤى الجانبية مع التأكيد على أن الخلافات الثانوية في المواقف الفلسطينية تعود إلى الاختلاف في الرؤية المستقبلية ظهرت الانقسامات في الموقف الفلسطيني التي تثير الشعور بالدهشة والألم والغضب لما تحمله هذه الانقسامات من متناقضات قد تؤثر على مسار النضال الفلسطيني المتواصل منذ بداية القرن الماضي للوصول إلى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، وتحقيق الغاية الإسرائيلية التي دأبت أجهزة مخابراتها على ترسيخها بإشعال فتيل حرب أهلية فلسطينية فلسطينية خطط لها منذ سنوات عديدة، ومهدت لها قبل انسحابها بكل الوسائل والسبل.. بعملائها المعروف منهم وغير المعروف، وبالأسلحة التي تركتها خلفها، وبحرب الإبادة والتدمير، وبالحصار الذي تفرضه على الأراضي الفلسطينية التي وصلت إلى حد المجاعة، وبالتحريض على السلطة الفلسطينية وإظهارها بمظهر العاجز عن حماية شعبها، وذلك للقضاء على منجزات وطموحات هذا الشعب، وهو ما تريده إسرائيل لتقدم للعالم أجمع مبررات للمذابح التي قامت بها ضد الفلسطينيين عبر السنوات السابقة وهذه الأيام..!!
إن ما جرى في الأيام الأخيرة من سقوط الشهداء بالمجان في القضية التي عرفت بقضية اعتقال عبدالعزيز الرنتيسي، وبروز شبح الصراع الداخلي الفلسطيني، ومن ثم تحويل الحديث عن الانتفاضة من غاية مشروعة للشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه إلى حديث حول نزع الشرعية الأخلاقية عن النضال الفلسطيني، ووصفه بالإرهاب، ومشروعية السلطة وعدم مشروعية المقاومة والكفاح من أجل التحرر الوطني، كل هذه الأمور خطوات سعى إليها العدو الإسرائيلي ليس فقط من أجل رفع السلاح الفلسطيني في وجه بعضه البعض، بل سعى أيضاً لخلق دائرة من الخلاف الفقهي والسياسي والفكري في العواصم العربية حول الانتفاضة، وكل ما يرتبط بها، ومن ثم توجيه اتهامات لفصائل المقاومة سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، ومن ثم تتحول المعركة في الداخل الفلسطيني بين السلطة وفصائل المقاومة، وفي الخارج الفلسطيني بين أصحاب الرؤى والأيديولوجيات والسياسيين والمفكرين.
على ضوء هذا التباين والإحباط في الشارع الفلسطيني، والخوف من أن يتحول الخلاف السياسي إلى صدام يضرب هيكلية ومؤسسات الشعب الفلسطيني التي بناها بدماء شهدائه وتضحيات أبنائه، يأتي الانطباع بأن ثمة اغتيالات ستقوم بها أجهزة المخابرات الإسرائيلية للقيادات الفلسطينية إما داخل السلطة أو لقادة فصائل المقاومة وذلك لتمهيد الطريق لحشر الفلسطينيين في المربع الأول أي وضعهم أمام حرب أهلية، ولدفع الوضع في الأراضي الفلسطينية إلى مزيد من التآكل كي تستطيع التفاوض في المرحلة النهائية مع وفد فلسطيني محبط ومؤهل للقبول بتسوية تفرضها الحكومة الإسرائيلية، والقبول بفتات العملية السلمية التي يبشرنا بيريز بها هذه الأيام بأنها لن تكون سوى دولة على (40%) من الأراضي الفلسطينية..!!
من هنا نطالب بالدعوة إلى حوار فلسطيني فلسطيني موسع تشارك فيه جميع القوى والفعاليات السياسية الفلسطينية، ويحول دون تمزق الشعب الفلسطيني، حوار وطني حقيقي وجاد وبنّاء وصريح بين السلطة الفلسطينية وأبناء شعبها الذين وقفوا خلفها وبجانبها ضد الهجمة الصهيونية الشرسة، حوار يكسر الحواجز بين السلطة والفصائل والجماهير، نستطيع من خلاله رسم سياسة توحد الوضع الفلسطيني، وتضع الثوابت والخطوط الحمر التي تشكل القاسم الوطني المشترك بين الجميع لتفويت الفرصة على العدو الإسرائيلي والمتربصين لاختراق هذه الثوابت، والعمل على استمرار الانتفاضة والمقاومة المسؤولة، والحفاظ على منجزات الشعب الفلسطيني وقيادته وسلطته الوطنية، وحتى لا تتحول الأهداف عن مسارها الطبيعي إلى اتجاهات أخرى تزيد من الإحباط القائم حالياً.
إن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج أحوج ما يكون الآن إلى الوحدة الوطنية لمجابهة أعباء المرحلة القادمة، لأن هذه الوحدة ضرورة استراتيجية في مرحلة التحرر الوطني التي نعيشها اليوم، ويجب عدم السقوط في وهم اعتبار وحدة الفصائل والتنظيمات في حد ذاتها هي الوحدة الوطنية الفلسطينية، وحتى توحيد المؤيدين والمعارضين لاتفاق أوسلو وما تبعه من اتفاقات ليس تعبيراً عن الوحدة الفلسطينية، وإنما وحدتها هي في توحيد كافة قوى وأبناء الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة التي نضع فيها أولى لبنات الدولة المستقلة.
لقد تحدث الكثيرون عن الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولكن هذا الحديث في كثير من الحالات (كلام حق يراد به باطل) فالوحدة الوطنية ضرورة استراتيجية نابعة من حاجة هذا الشعب، الذي ما زالت معظم أراضيه مغتصبة، وشعبه يتعرض يومياً للقتل والاعتقال والتدمير تحت حصار إسرائيلي أوصله إلى حد المجاعة، ومقدساته تتعرض للتهويد.
إن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي التي تفرض على الشعب التكاتف والتضامن والاتحاد والوقوف صفاً متراصاً أكثر من أي وقت مضى في مواجهة المغتصب والمحتل والتصدي لهما، وتغليب المصلحة الوطنية على كل ما عداها عبر التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية من خلال برنامج سياسي واقعي ومحدد يتم التوافق عليه من قبل الجميع، ويحدد مطالب الانتفاضة وأهداف المقاومة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة في حدود الرابع من يونيو عام 1967م بما فيها القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
لقد كانت الدعوة والحديث والعمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية تبدو في الماضي وخاصة في السنوات الأولى لعمر الثورة الفلسطينية المعاصرة وكأنها مرهونة بردود الفعل العفوية على المؤامرات التي تعرضت لها الثورة هنا وهناك، وكان يبدو أيضاً بأن الدعوة والحديث والعمل من أجل هذه الوحدة لم يكن نابعاً من قرار محدد وواضح تسعى كل الأطراف المشاركة في الساحة الفلسطينية من أجل تحقيقه كفعل وليس كردة فعل، بحيث أصبح يعتقد البعض بأن كل ما يجري يدور بشأن الوحدة الوطنية الفلسينية إنما هي مواضيع نظرية محضة تطرح من نقاش وللحوار داخل اجتماعات المجالس الوطنية الفلسطينية لتعود وتختفي عند انتهاء دورات هذه المجالس.
إذن لا يجب أن يكون الحديث عن الوحدة الوطنية وكأنه مرهون بردود الفعل العفوية على المؤامرات التي تحاك هذه الأيام ضد الفلسطينيين (القيادة والفصائل والشعب والأرض)، ولكن يجب أن يكون الحديث والعمل من أجل هذه الوحدة نابعاً من قرار محدد وواضح يسعى كل الفلسطينيين لتحقيقه كفعل وليس كرد فعل.
وإذا كانت هذه الدعوة لعقد حوار فلسطيني فلسطيني موسع، ففي المسيرة الفلسطينية سابقة في هذا المضمار، فقد أجرت القيادة الفلسطينية حواراً شعبياً وعالمياً واسعاً عندما اتخذت قرارها بالعمل المرحلي عام 1974م، ووضعت آنذاك برنامج النقاط العشر، وأجرت القيادة الفلسطينية حواراً داخلياً كثيفاً للغاية استمر ستة أشهر كاملة، وهيأ هذا الحوار لقرارات المجلس الوطني الفلسطيني (1988م) التي أعلنت قرار الاستقلال والموافقة على القرار 242.
فلماذا لا يجري الآن حوار مماثل للوصول إلى وثيقة سياسية توقعها كافة القوى الوطنية والإسلامية، وتقود إلى تفاهم تام مع السلطة من أجل تدعيم الوحدة الوطنية وخلق الأطر الأكثر موضوعية وواقعية من أجل تحقيقها خاصة وأن الموضوع المطروح هو المصير الوطني للشعب الفلسطيني في ظل هجمة إسرائيلية أمريكية للقضاء على آخر منجزات الشعب الفلسطيني.
كاتب وصحفي فلسطيني الرياض a_abuhashim@hotmail.com
|
|
|
|
|