| مقـالات
يواجه مجلس الشورى ملاحقات اعلامية ومساءلات جماهيرية ونخبوية عن الدور الذي قام به الى اليوم، وهذا في ذاته يشكل تحديا نوعيا لطبيعة عمله وحجم الانجاز المتوقع منه في مرحلة بناء متصلة لمختلف مؤسساتنا التنظيمية والتنفيذية، والمجلس في عمره الطويل من تاريخ تأسيسه الأول في عهد الملك عبدالعزيز الى عمره الحديث منذ حوالي التسع سنوات في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله وهو يواصل النمو والتطور وملاحقة التوقعات. ومن المهم هنا التأكيد على ان وجود المجلس بالشكل التنظيمي الحديث يعد انجازا مهما في تطور مؤسساتنا السياسية ونحن نتوقع ونأمل كذلك ان يواصل المجلس دراسة آليات تطوير داخلية لنمط عمله والتعرف على خطوات نجاحه ودراسة تجاربه والوصول الى مرحلة تقييم حقيقية لدوره في المجتمع والمؤسسة السياسية للدولة.. العشر سنوات الماضية ليست بالعمر القصير فهي كافية للتعرف على هموم المجلس وتفعيل ادواره وتأسيس قاعدة انطلاق جديدة نحو آفاق اوسع ومجالات ارحب لخدمة هذه البلاد وتعزيز استقرارها الداخلي ومكانتها الدولية.
واليوم اود الحديث (الكتابة) الى المجلس بصوت مسموع وبرؤية موضوعية ولهدف استراتيجي تجاه عمل المجلس ومستقبله القادم، وعلاقته بالمواطن الذي لا يزال يتطلع الى دور بارز وتفعيل مهم للمجلس في قضاياه المحلية والإقليمية والدولية.. ومن هنا اود التطرق الى رؤيتنا كمواطنين ومؤسسات تجاه المجلس.
تظهر بين الحين والآخر احداث يمكنني ان اطلق عليها انها ليست الا احداثا رمزية يحاول المجلس تأكيدها على انها انجازات نوعية في عمله، وهي ليست كذلك في حقيقة الأمر:
1 هناك تصور لدى المجلس ان انجازات المجلس هي بعدد القرارات (التوصيات) التي يتخذها ولهذا يتم التأكيد على ان المجلس قد اتخذ كذا قرارا.. وانجز كذا عملا.. الا ان العمل الحقيقي هو في طبيعة القرار والنوع وليس في الكم والعدد.. فأرى وربما يوافقني الكثير ان اقرار اتفاقيات بروتوكولية بين المملكة ودول اخرى رغم اهميته البروتوكولية للمجلس الا انه لا يعني شيئا في عمر الانجاز الذي يهم المواطن.
2 يحاول المجلس جاهداً في بيان انه مضغوط بجلسات كثيرة واعمال متعددة، فلم يعد يوم الجلسة الاسبوعي كافيا لمناقشة قضايا المجلس وانما يأتي يوم ثان وربما ثالث في نفس الأسبوع احيانا للايفاء بموضوعات المجلس.. وهنا نعود الى النقطة الاولى ان العبرة بالنوع وليس بالكم.. والعبرة هي بقرارات تخدم جوهر عمل المؤسسات الاجتماعية وليس شكلها وديكوراتها الخارجية.
3 يتم عادة التأكيد على ان اعضاء المجلس هم من النخبة الاجتماعية التي لا يوازيها نخبة في مجالس اخرى اقليمية وعالمية.. وهذا لاشك مهم جدا اذا كانت هذه النخبة تواجه القضايا ولا تلتف عليها.. وتباشرها ولا تدور حولها..
4 فتح ابواب المجلس للمواطنين كمشاهدين على ما يدور داخل المجلس ليس في حقيقة الامر سوى نشاط علاقات عامة، ولا يصب في اطار توثيق وتعزيز العلاقة مع المواطنين.. وتبصرتهم بما ينجزه المجلس ويعمله لخدمة المواطن والصالح العام.
هذه مظاهر خارجية نطالعها بين الوقت والآخر، ويتم تأكيدها دائما على انها جوهر عمل المجلس واساس له، ولكنها في حقيقة الأمر مظاهر مهمة ولكنها تظل شكلية لا تضيف نوعا الى العمل الأساسي للمجلس ولا تكرس هدفا استراتيجيا للمجلس.. ومن هنا أود ان اطرح جملة مقترحات ورؤى حول تفعيل المجلس وتعميق دوره الاجتماعي وتعزيز ثقة المواطن به:
1 نفترض ان المجلس من اولى اولوياته هو التفكير الاستراتيجي في قضايا وهموم المجتمع، وليس النظر اليها فقط عبر نافذة وقتية وبارتفاع محدود.. ينبغي ان تنشأ داخل المجلس لجان متخصصة في الدراسات المستقبلية تبني على معلومات اولية ومباشرة وميدانية في اتجاهات الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي.. فلو سألنا المجلس ماذا بعد خمسين عاما او عشرين عاما من النمو والتطور في مجال معين.. كالصحة او الاعلام او الأمن او الدفاع او السياسة الخارجية او التعليم.. فهل لدينا رؤية استراتيجية نحو هذه المسائل..؟ آمل ولكني لا أتوقع أن لدى المجلس خططا استراتيجية واسعة وعميقة تجاه هذه المسائل والقضايا.
2 نفترض ان المجلس يمثل عمقا استراتيجيا للاجهزة التنفيذية بما يخدم الموضوعات والقضايا الاساسية في المجتمع، ولا ينبغي ان يكون ردة فعل لهذه الأجهزة فيصبح هو الذي يعتمد عليها في الدراسات والبحوث واستقصاءات الرأي في المجتمع المحلي والدولي.. بمعنى: هو يحتاج ان يكون لديه مصادره المتنوعة لجمع المعلومات وتقييم الرأي ورسم الاتجاهات وتحديد آفاق المستقبل.
3 العلاقة التي تربط المجلس بالمواطن ليست واضحة تماما، فربما يحتاج المجلس الى تأكيد اهمية الدور الذي يلعبه في اتخاذ القرار العام.. والمواطن العادي ربما لا يرى ايجابيات عديدة للمجلس خلال العشر سنوات الماضية سوى كونه المواطن يرى المجلس وراء قرارات عديدة تمثل له عقبات ادارية او فرض رسوم معينة او مشروعاً لفرض رسوم جديدة.. ولا يعرف مثلا ان الجهاز التنفيذي وليس التنظيمي هو وراء ذلك الإجراء او انه يعتقد بأن المجلس هو ادرى بالحالة العامة للمواطن ويتعشم خيرا في ايصال صوته الى الجهاز التنفيذي بالشكل المناسب.. وفي الوقت المناسب.
4 نظل دائما في اطار التفكير ان الأجهزة التنفيذية هي التي تقود المجتمع وهي المعنية بالناس والمؤسسات، وهي صاحبة المبادرات الجوهرية لتطوير المجتمع وأخذه الى آفاق ومجالات جديدة في المستقبل.. ويظل المجلس يتبنى نفس التفكير في انتظار ان الاجهزة التنفيذية هي التي تقود حركة المجتمع وتتحسس نبض الشارع.. وكأنه ليس من اختصاص المجلس اخذ المبادرة في اي شيء.. فهو كما اشرنا سابقا ردة فعل ليس الا.. وهو بانتظار ما يرده من معاملات ويحال اليه من قضايا من مختلف الأجهزة الحكومية.. اما ان يتخذ موقفا او يبادر الى اجراء معين فهذا يغيب حتى الآن عن عمل المجلس.. او ربما انه يحدث على نطاق ضيق ومحدود ولكن لا نعرف عنه.. ونحن نعلم ان نظام المجلس يتيح اخذ المبادرات وطرح الأفكار وضخ الموضوعات، ولكنها لم تستثمر من قبل المجلس بالشكل المتوقع والمأمول.
5 الغائب الأساسي عن المجلس هو الاعلام، فالمجلس بدون اعلام البتة.. رغم ما يكتنزه المجلس من عقول اعلامية متخصصة وفاعلة على الساحة العلمية والعملية.. فكل ما نعرفه ونلامسه من عمل المجلس ليس الا خمسة اسطر توزعها وكالة الأنباء السعودية على الإذاعة والتلفزيون والصحافة وعلى المواطنين مساء كل يوم احد.. ليس قبل وليس بعد هذا شيء.. رغم ان المجلس يمثل واجهة حضارية وفكرية وسياسية كبيرة في الدولة، الا انه يعمل ضد الاعلام وكأن الاعلام غير مدرك اهميته على مستوى المجلس.. ونحن نعلم علم اليقين ان المجلس يحتضن اصواتا واعية ويعبر فيه عن رؤى وطنية متميزة بمضمونها وهدفها واتجاهها.. فلماذا لا يفتح المجلس ابوابه للإعلام وتصبح هناك برامج مباشرة لنقل جلسات هذه المنتديات الشوروية والنقاشات الواعية الى الناس والعالم الخارجي.. بدل الغموض الذي يلف المجلس والتعتيم الذي يغلف موضوعاته وقضاياه وشؤونه.. وهذه الاصوات التي ربما لو شاهدناها او سمعناها عبر التلفزة الفضائية لكانت خير معين لنا في ايصال صوتنا الوطني الى آفاق العالم.
6 يتفرع من النقطة السابقة ان المجلس بحاجة الى ان يسمع صوته الى كل مكان، يوضح ويبين مختلف المسائل والأمور محليا وعربيا ودوليا.. فنحن نسمع ردة الفعل لمجالس الشورى والشعب والبرلمانات الخارجية في مختلف القضايا التي تدور، ويصبح صوت هذه المجالس معززاً للدور الذي تلعبه القيادة السياسية.. وتصبح قوة ضغط اخرى تستثمرها القيادة في تعزيز القرار السياسي للدولة.. ويضاف الى اهمية الانفتاح الاعلامي للمجلس على كافة الاصعدة وجود متحدث رسمي باسم المجلس يصبح اداة اعلامية مساندة للاجهزة الاعلامية التنفيذية للدولة التي تعكس اتجاه ومضمون الرسالة السعودية الى الداخل والخارج.
7 هناك ربما فصل بين عمل المجلس والواقع الميداني للناس، فالقرار الذي يصدر عن المجلس عادة ما يكون (عاجي) الرؤية و(فوقي) النظرة، وغير متطابق مع ما يدور على الارض وفي الميدان وبين الناس.. كأن المجلس ليس من اختصاصه الا الزيارات الخارجية التي تتخذ شكلا بروتوكوليا صرفا.. ولم نسمع ان وفدا من مجلس الشورى قد قام بزيارات ميدانية لقرى في اعماق الجنوب او مناطق بعيدة في الشمال او في اماكن بعيدة عن العاصمة وفي غيرها من المناطق الاخرى.. وهذا هو انسلاخ غير طبيعي عن الهم الحقيقي للناس المفترض من اعضاء المجلس الإحساس به والشعور بدواخل المواطن وبمحيط تفكيره.. وهذا الاتجاه يكرس الفكرة التي ربما تتداولها أجهزة الاعلام الغربية في كون المجلس هو (برلمان ورقي) غير فاعل في الساحة السياسية للمملكة.
وبناء على هذه الامور والمسائل، فنحن هنا بصدد مسألتين، اولاهما تطوير آليات داخل المجلس تساعده وتعينه على أداء مهامه المختلفة.. وثانيهما ان نتفهم ان القضايا التي تضخ إليه من كل حدب وصوب ومن كل ناحية ومكان هي اكثر من احتماله الزمني والعددي. وهكذا فإنني ارى ان ينشأ مجلس آخر الى جانب هذا المجلس معني بالقضايا الداخلية المحلية بشكل خاص.. فهناك قضايا ومسائل وهموم محلية ربما ان هذا المجلس بتركيبته الحالية لن يكون موفيا بتحقيق مثل هذه الاهداف.. فلو ينشأ (مجلس المناطق) ويتكون اعضاؤه من ممثلين من كل منطقة من المناطق الإدارية في المملكة (وهي ثلاث عشرة منطقة).. وتتساوى كل منطقة في العدد اي يمثل كل منطقة خمسة او ستة اشخاص يأتون من تلك المناطق.. ويتمحور اهتمام مجلس المناطق في جدولة الموضوعات والقضايا والأمور المحلية وخصوصا تلك التي تهم شرائح عريضة من المواطنين، وعلى مستوى تفاعل المناطق مع بعضها البعض وتحديد اولويات العمل والتنسيق مع الأجهزة التنفيذية المركزية..
ولا نرى ان مجلس المناطق هذا يتعارض مع مجلس المنطقة المعمول به حاليا على مستوى امارات المناطق، فمجلس المنطقة يعنى بشكل خاص بمسائل محلية بحتة، بينما يكون من اختصاص مجلس المناطق القضايا الوطنية التي تتجاوز كل منطقة ولكنها تعكس رؤية المنطقة وأولوياتها الى السقف الوطني.. وربما في المقابل يصبح مجلس الشورى مجلسا مختصا بالقضايا الاستراتيجية والقضايا الوطنية الكبرى وذات الصبغة الدولية.
alkarni@ksu.edu.sa
|
|
|
|
|