|
| مقـالات
أشير في الحلقة السابقة إلى أن أكثرية الشعب الأمريكي تخفى عليها حقائق ما يجري في المنطقة العربية بسبب سيطرة الصهاينة على وسائل الإعلام، وتشويههم لهذه الحقائق، كما أشير إلى أن من بين الذين ارتفعت أصواتهم بالحق ديفيد ديوك، الذي أبان في مقالة طويلة له أن سبب كراهية الملايين في أنحاء العالم لأمريكا وحدوث الهجمات عليها هو مساعدة الحكومات الأمريكية المتعاقبة للدولة الصهيونية التي ارتكبت منذ أكثر من خمسين سنة أعمالاً ارهابية فتاكة أكثر من أي دولة في العالم كله. وبعد أن أشار إلى قول كل من فولبرايت، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، والجنرال براون، رئيس أركان القوات المسلحة السابق، من سيطرة تلك الدولة الإرهابية على الحكومة الأمريكية، مضى يفصل شواهد الارهاب الصهيوني، فقال:
ممارس الاغتيال الجماعي على رأس الدولة:
إن رئيس وزراء إسرائيل، ايريل شارون واحد من أكبر الارهابيين الدمويين في العالم، فهو المسؤول عن مذبحة أكثر من ألف وخمسمائة من الفلسطينيين، رجالاً ونساء وأطفالاً، في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين في بيروت. فحتى الهيئة الإسرائيلية الرسمية قررت أنه شخصياً المسؤول عن تلك المذبحة.
وعندما كان وزيراً للدفاع الإسرائيلي عام 1983م، قاد الغزو للبنان، ونفذ قصف مدينة بيروت وتخريبها. ولقد قتل في لبنان من النساء والأطفال أكثر من خمسة أضعاف الذين قتلوا في هجوم الحادي عشر من سبتمبر. وكان ذلك القصف المرعب قد نفذه اليهود، مستخدمين طائرات وقنابل أمدتهم بها الولايات المتحدة.
وبعد ذلك الاحتلال العسكري الإسرائيلي المخرب أجبر شارون مقاتلي المقاومة الفلسطينية على الخروج منها، ونتيجة لذلك ترك الكثيرون من النساء والأطفال وكبار السن في مخيمات اللاجئين قرب بيروت، وقد ضمنت الولايات المتحدة علنياً حياتهم، ووعدت أن تجمعهم سريعاً بأحبتهم، وعندما دبر شارون المؤامرة على اغتيالهم لم يخطط العمل الدموي الإرهابي ضد أولئك اللاجئين فحسب، بل كان يعلم أن ذلك عمل خياني ضد الولايات المتحدة لأنه سيسبب الكره الشديد ضدها لعدم حمايتها من ضمنت حياتهم.
وشارون الآن مطلوب للمحاكمة أمام محكمة لاهاي، وهي المحكمة التي نجحت في جعل رئيس يوغوسلافيا السابق، سلوبودان ميلوسيفيش، يمثل أمامها ليحاكم عن الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية في كوسوفو. ولن يسافر شارون إلى بلجيكا لخوفه من أن تعتقله المحكمة الدولية للمجازر التي ارتكبها.
واضافة إلى أن شارون مطلوب لارتكابه جريمة مجزرة صبرا وشاتيلا فإنه يمكن أن يحاكم من أجل أي من الجرائم الكثيرة التي ارتكبت خلال عمله المتسم بالقساوة، وهي جرائم ضد الإنسانية تعود بدايتها إلى سنة 1953م. فصحيفة هارتز تذكر بقيادته لمذبحة في قرية قبية في تلك السنة، عندما قتل جنوده سبعين فلسطينياً معظمهم من النساء والأطفال، وأمريكا التي طالبت بصخب قوي محكمة لاهاي لتعتقل ميلوسيفيتش وتحاكمه، تدعي أنها لا تعرف شيئاً عن القتل الجماعي الذي ارتكبه شارون، وبدلاً من تسليمها انذاراً لشارون باعتقاله لذلك القتل الجماعي، ووضعه في الأغلال التي يستحقها، استقبله الرئيس بوش بالضم والمصافحة، فكيف سيكون ضحك العالم وهو يرى بوش وشارون يتقابلان بدعوى محاربة الارهاب؟
وإذا كان الرئيس بوش جاداً حقاً في معاقبة الدولة التي تساعد أو تؤوي الإرهابيين فيجب عليه أن يبدأ باسرائيل: الدولة التي انتخبت رئيساً لوزرائها واحداً من أسوأ الإرهابيين ومرتكبي القتل الجماعي في العالم، هل يقدم مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي تسيطر عليه إسرائيل، على معاقبة إسرائيل لإيوائها الإرهابيين؟
لا. فبدلاً من ذلك نمد الارهابيين بمليارات الدولارات، التي تؤخذ من دافعي الضرائب الأمريكيين، وبالسلاح الذي يقتلون به.
إن قتل إسرائيل للاجئين الفلسطينيين بعد أن ضمنت الولايات المتحدة علناً سلامتهم لم يكن جريمة ضد الإنسانية فحسب، بل خيانة ضد أمريكا أيضاً، وان شارون والآخرين الذين اشتركوا في تنفيذ ذلك كانوا يعلمون تماماً الوعد الأمريكي لضمان سلامة اللاجئين، وكانت مذبحة صبرا وشاتيلا الباعث الأساسي للهجوم بالقنابل الذي قتل 241 من جنود البحرية الأمريكيين في بيروت بعد مرور أقل من سنة على تلك المذبحة. وذلك يكشف بوضوح كيف تقود المساعدات الأمريكية للإرهاب الإسرائيلي إلى عواقب وخيمة للولايات المتحدة، وقد بينت صحيفة لوس أنجلس تايمز في عرضها للكتاب الذي ألفه عميل سابق للموساد أنها قد علمت بالهجوم على مقر جنود البحرية الأمريكيين، سنة 1983م، قبل حدوثه، لكنها خيانة منها لم تحذر أمريكا.
وبعد ذلك انتقل ديفيد ديوك إلى الحديث عن تاريخ الصهاينة الملطخ بالإرهاب المستمر، موضحاً كيف أن وجود دولتهم في فلسطين قام أساساً على الارهاب ضد بريطانيا والفلسطينيين معاً، فتكلم عن تفجيرهم فندق داود في القدس، وعن ارتكابهم مذبحة دير ياسين المرعبة، مورداً ما ذكره أحد أطباء الصليب الأحمر، الذي زارها ثاني يوم من حدوثها، عن بشاعتها، اذ تعمد قتل 52 طفلاً أمام أمهاتهم قبل قتلهن، وبقرت بطون 25 حاملاً للقضاء على من في أرحامهن، وما ذكره بعض من ارتكبوا تلك المذبحة أنفسهم ثم يطرح ديوك سؤالاً أمام القارئ، وهو:
هل حدث أن رأى فيلماً وثائقياً في شاشة تلفزيون أمريكي عن المذبحة المذكورة؟ وهل حدث أن أشارت أفلام هوليود عن رعبها أو عن جرائم إسرائيل الإرهابية الأخرى ضد الشعب الفلسطيني؟
ثم قارن بين هذا التعتيم على تلك الجرائم والاستطراد المستمر في الحديث عن جرائم النازية، وقال: إن هناك قسماً كاملاً في وزارة العدل الأمريكية مخصصاً لملاحقة النازيين الذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية، وانه في الوقت الذي تستميت فيه أمريكا بملاحقة المسنين من الألمان المشتبه في أن يكونوا مجرمي حرب، يقيم رؤساء أمريكا حفلات عشاء على شرف الرؤساء اليهود الذين يحفل تاريخهم بارتكاب جرائم حرب، والرئيس بوش مغرم بالحديث عن القضاء على الارهابيين الأشرار، ومع ذلك أليس مذبحة دير ياسين عمل من الشر الماكر؟ لقد قال بيجن نفسه في كتابه الثورة إن الإرهاب ضد الفلسطينيين كان عاملاً حاسماً في انشاء اسرائيل، فقد أنشأ الدولة اليهودية، ورسم الطريق لإرهاب استمر نصف قرن ضد الشعب الفلسطيني.
وبعد ذلك تحدث ديفيد ديوك بالتفصيل عن الارهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين منذ ايجاد الدولة الصهيونية، مشيراً إلى حرب الإبادة للشعب الفلسطيني، رجالاً ونساء وأطفالاً، واغتيالات الشخصيات الفلسطينية في أماكن متعددة، وتعذيب من لا يقل عددهم عن 6000 سنوياً، بل ان الصهاينة لم يقفوا، في هذا المجال، عند حد التعذيب، فلقد اعترف فيكتور اوسترفيسكي، أحد أعضاء الموساد السابقين، أن آلافاً من الشباب الفلسطينيين، الذين عبروا الحدود عبوراً غير قانوني بحثاً عن العمل، لم يسمع أحد شيئاً عنهم بعد اعتقالهم، وأن بعضهم اخذوا إلى مركز ال ABC حيث عرضوا لما لا يوصف من رعب الحرب الكيماوية والبيولوجية.
وبعد أن تحدث ديفيد ديوك عن جرائم الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين تحدث عن جرائمه ضد الشعب اللبناني. فقال: خلال غزو الإسرائيلين للبنان، واحتلالهم لها من سنة 1978م إلى سنة 2000م، قتل من المدنيين من لا يقل عددهم عن خمسة عشر ألفاً. ومن أمثلة ذلك القتل القصف الإسرائيلي الإرهابي للمركز التابع للأمم المتحدة في غانا في عهد بيريز، وهناك مقال لم يكتبه فلسطيني، أو عربي، أو مسلم، بل كتبه انجليزي هو روبرت فيسك، الذي هو من أكثر الصحفيين البريطانيين المحترمين في الشرق الأوسط، وقد كتبه لصحيفة الانديبندت اللندنية. واذا أراد أمريكي ان يفهم الكره الذي تزيده اسرائيل ضد أمريكا فليجرؤ على قراءة ذلك التقرير الفظيع وليجرؤ على إلقاء نظرة على الصور المبينة لحقائق الإرهاب الإسرائيلي.
إن أكثر الأمريكيين قرأوا تقارير لا تحصى عن الهوليكوست اليهودي، وقرأوا قصصاً عن الضحايا الإسرائيليين على أيدي الانتحاريين «الاستشهاديين» الفلسطينيين، ورأوا العشرات من الأفلام الشنيعة أو الأفلام الوثائقية عن الضحايا من اليهود، لكنهم لم يقرأوا قط تقريراً واحداً مثل التقرير المقتبس هنا. ذلك أنه من المستحيل أن يقرأ مثله في أي صحيفة أو مجلة أمريكية. ثم أورد ديوك تقرير فيسك عن تلك المذبحة مفصلاً مدعماً بالصور التي نشرت معه، وقال: لو قرأ كل أمريكي مقالة روبرت فيسك لأعانه ذلك على فهم السبب الذي جعل أمريكا مكروهة، وجعل الأمريكيين يواجهون ارهاب العمليات الانتحارية (الاستشهادية) الآن. ان غالبية الأمريكيين لن يروا أبداً تقارير مثل التقرير الذي كتبه فيسك عن مجزرة غانا لأن الإسرائيليين يشددون قبضتهم على الصحافة الأمريكية، والحكومة الأمريكية نجحت في كتم كثير من القصص المستمرة عن الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
وانتقل ديفيد ديوك بعد ذلك لايضاح أن اليهود تمكنوا، أيضاً من التستر على أعمال اسرائيل الفتاكة وارهابها ضد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وما ذكره عن هذا الموضوع سوف تتناوله الحلقة القادمة إن شاء الله.
|
|
|
|
|
