| الثقافية
تحدثت في المقال السابق من القراءة في هذا الكتاب عن مدارس الكتاتيب القائمة قبل افتتاح المدارس الحكومية وحديثي هنا استكمال لما سبق وذلك كمرحلة تعليم جديدة ونقلة في الحركة العلمية منظمة لم تكن معهودة وعرضي هنا اطالة واختصارا وذكرا واغفالا انما هو بحسب ما تعرض له المؤلف الذي كان اغلب تركيزه على ما أوكل اليه من مهام وما باشر من اعمال.
المدارس الحكومية:
في عام 1356ه قررت الحكومة فتح تسع مدارس ابتدائية وتسمى في ذلك الوقت «أولية» في المدن الهامة في ذلك الوقت وهي: الرياض، بريدة، عنيزة، الاحساء، القطيف، الجبيل، المجمعة، شقراء، حائل.
وهذا بالنسبة لنجد وما يتبعها واما الحجاز فقد سبقت نجد في هذا المجال بعشرات السنين.
وقد افتتحت هذه المدارس في نفس السنة ما عدا مدرستي الرياض وشقراء تأخر افتتاحهما لمعارضة بعض الأهالي.
ولم يكن أمر المدارس التي افتتحت وبدأت الدراسة فيها مشجع اذ قابلها الأهالي ببعض التخوف او الفتور حيث ظن البعض انها ستؤثر على عقائدهم وأخلاقهم والخوف من الجديد أمر معتاد خصوصا في مثل ذلك الوقت وشاع عند البعض ان المدارس وسيلة لتجنيد أبنائهم وقوي هذا الظن عندما أمر بعض المدرسين الطلاب بصف طوابير وتطبيق بعض الأنظمة.
وكان من أسباب نفور الطلاب وأولياء أمورهم ان التدريس أوكل الى بعض المدرسين من خارج نجد ولم يكن عندهم معرفة بتقاليد وعادات المناطق النجدية ولم يوفق أغلبهم لحسن التعامل مع الأولياء وقد عرف الملك عبد العزيز رحمه الله هذا الأمر فطلب من القاضي أو وجهاء البلد الذين رفعوا له خطابا يطالبون فيه باقفال المدارس التي فتحت ان يعينوا مديرا لها من عندهم وهو بدوره يختار مدرسين يساعدونه.
وفعلا سارت الدراسة سيرا حثيثا بعد اسناد الادارة والتدريس في كل مدرسة تفتح لأهل المنطقة لأنهم ادرى بأهلها وأقدر على التعامل معهم من غيرهم.
وقد أثنى المؤلف على موقف الشيخ عبد الله بن بليهد رئيس القضاة رحمه الله المتوفى سنة 1359ه في موقفه من المدارس الحكومية وتشجيع التعليم.
وكان الاقبال على مدرسة عنيزة أحسن من غيره قلت: ربما يعود هذا الاقبال لحال مدرسة الشيخ صالح الصالح التي انضمت بطلابها للمدرسة النظامية الأولى حيث حال المدرسة قبل ذلك مقارب للمدارس الحكومية من ناحية التنظيم والمناهج وغيرها اضافة الى ان عنيزة بلد مفتوح لا يقارن بغيره من المدن النجدية بل هو أقرب الى الحجاز منه الى نجد خصوصا من ناحية التعليم وطرق التدريس.
وأما من ناحية سير الدراسة فتعتبر مدرسة الأحساء التي تولى ادارتها الأستاذ محمد النحاس أفضل المدارس خصوصا ان النحاس سارع في تعيين بعض من رأى سرعة قبولهم للتعليم في هذه المدارس فصار لذلك أكبر الأثر على الأهالي مما زاد في اقبال الطلاب على المدرسة وكان الأديب الاستاذ حمد الجاسر مساعدا له.
وقد كان النحاس معتمد غير رسمي على هذه المدارس وخلفه الأستاذ عبد الله الخيال وأما ادارة المدارس الأخرى التي فتحت فكانت على النحو التالي:
مدرسة بريدة: مديرها موسى عطار ثم عبد الله بن ابراهيم السليم.
مدرسة عنيزة: مديرها صالح بن ناصر الصالح ومساعده سليمان بن محمد الشبل.
مدرسة المجمعة: مديرها سليمان بن احمد ومساعده عثمان الصالح.
مدرسة حائل: مديرها عبد الخالق عامر ثم محمد امين قرقوري المدني ومساعده سليمان السكيت.
مدرسة شقراء: مديرها عبد المجيد حسن.
أما من درس في هذه المدارس في بداية عهدها فمنهم:
عبد المجيد حسن رحمه الله عضو هيئة كبار العلماء وعضو مجلس القضاء الأعلى سابقا وصالح الطربلسي رحمه الله القاضي في محكمة المدينة المنورة والمدرس في المسجد النبوي وعبد الله بن حمد الخربوش المتوفى سنة 1410ه الامام في المسجد النبوي الشريف والمدرس فيه وعبد الله الشلاش العبد الله مدير التعليم بمنطقة القصيم رحمه الله المتوفى سنة 1418ه وعبد الله بن عبد الرحمن العرفج وعبد الكريم الخياط.
وبين المؤلف ان ذكره لهؤلاء الأعلام من المربين انما هو للدلالة على ان التعليم الابتدائي بدأ بنخبة ممتازة من رجال التربية والتعليم.
مستوى طالب الابتدائي:
بين المؤلف رحمه الله ان مستوى طالب الابتدائي في ذلك الوقت يعادل مستوى طالب الثانوي اليوم ودلل على ذلك بأن الكثير من طلاب الابتدائية التحقوا بوظائف قيادية في الدولة.
الرواتب: كانت الرواتب عند تأسيس المدارس تحسب بالقروش وقد ذكر المؤلف ان راتبه بدأ بثلاثين ريالا حتى وصل عام 1363ه الى مائة وخمسين ريالا تقريبا.
اما اجرة المدرسة فهي تتراوح بين مائة ريال ومائتين في السنة ثم زادت خلال عشر سنوات لكن لم تصل اجرة مدرسة الى الف ريال حتى سنة 1375ه.
وقد ذكر المؤلف معاناته في الوصول الى المدارس في ذلك الوقت ومعاناة المفتشين الذين يأتون من خارج المنطقة حيث يضطرون احيانا الى ركوب الابل للوصول الى بعض المدارس.
الإجازة:
عرف الأوائل بالجد في طلب العلم كحياتهم الجادة في كل شيء اذ ليس فيه مكان لمتكاسل او متهاون ولذا كانت مدارس الكتاتيب لا تعرف الاجازة او ما يسمى عندنا بالعطلة ولذا وجد القائمون على التعليم اشد الحرج في اقرار هذه الاجازة واقناع الناس بأهميتها قال المؤلف في بيان ما واجهوه في هذه المسألة: «لقد بقيت المدرسة الى عام 1367ه لا تعطل وذلك لأن الناس لم يألفوا العطلة وانه في حال تعطيلهم المدرسة فان الطلاب او اكثرهم سيلتحقون في الكتاتيب التي لا تعطل ومتى تركوا المدرسة فان من الصعب عودتهم او اكثرهم بعد استئناف الدراسة وهذا ما دعا الاستاذ موسى عطار المدير الاول للمدرسة مدرسة بريدة ثم الشيخ عبد الله بن ابراهيم السليم المدير الثاني للمدرسة خلال تلك الفترة الى عدم تعطيل الدراسة دون ان يحصل المدرسون على أي مكافأة عن عملهم في العطلة لكن بعد ان تفهم الاهالي والطلاب معنى العطلة وفائدتها وانها حق من حقوق المدرسين ولصالح الطلاب في الراحة والاستجمام وبعد ان ضمينا الكتاتيب المنافسة الى المدارس نفذت اول عطلة دراسية في عام 1368ه ومع ذلك فقد حصل بعض اللوم الذي ما لبث ان زال من نفوس المعارضين للعطلة.
ومما اوضح الموقف النظامي من هذا الأمر ما سطره المحقق في تعليقه على هذه الفقرة حيث قال: «ان الوثائق التاريخية تدل على ان الاجازة المدرسية في المدارس الحكومية كانت موجودة في وقت مبكر من تاريخ التعليم.. ولم تكن الاجازة في ذلك الوقت ترتبط بفصول السنة انما تراعي الموسم السنوي للحج والذي يعتبر بلا شك موسما مهما للمسلمين عامة وللسعوديين في الحجاز خاصة.. لكن مع التطورالملموس في التعليم صدر نظام لتوجيه الاجازات المدرسية لتلائم فصول السنة المناخية لكن.. بالرغم من التطورات النظامية في تحديد مواعيد الاجازات المدرسية في ذلك الوقت فان وضع تلك القرارات موضع التنفيذ على ما يبدو قد واجه صعوبة في بعض المناطق التعليمية التي كانت في مرحلة تشهد للتو مرحلة الانطلاق في المسيرة التعليمية المباركة ولذا فقد ضحى هؤلاء جزاهم الله خيرا بجهدهم ووقتهم في سبيل الحفاظ على تلك الغرسة الجديدة في تلك المدارس الناشئة.
وما استنكره الناس في الاجازة استنكروه في الراحة بين الحصص «الفسحة» فقد قلل المؤلف : «كان الامير عبد الله الفيصل بن فرحان امير القصيم ربما يمر على المدرسة بعد الظهر في ذهابه وعودته من احد الأعيان فاذا وجد الطلبة في الفسحة يستنكر ذلك ويلومنا ويقول انتم تهملون الطلبة وتتركونهم يلعبون وهكذا يقول بعض الناس ولكن لم يلبثوا ان عرفوا الفسحة وفائدتها للطلبة».
وقد بين المؤلف انهم واجهوا معارضة لاستخدامهم الصافرة او الجرس للتنبيه على بداية الحصة ونهايتها فاستبدلوها بغيرها كدق الباب بالعصا او دوران المراقب على الفصول.
مدرسة بريدة:
والقصد بها اول مدرسة أسست في بريدة وذلك سنة 1356ه والتي سميت فيما بعد ب«المدرسة الفيصلية» واول من تولى ادارتها هو الاستاذ موسى عطار من اهل مكة المكرمة قال المؤلف عنه: «انه رجل نشيط ومرب قدير لكنه لم ينجح في مهمته لعدم قدرته على التعامل مع اهل البلد وقد جلب معه مدرس يقال له حامد» ذكر المؤلف انه تنقصه الخبرة بتقاليد بريدة وعاداتها.
ومع مطالبة الأعيان باقفال المدرسة وتعليلهم ذلك بأن عندهم مدارس كتاتيب قائمة لمس الملك عبد العزيز ان الأمر يعود لعدم تعيين مدير للمدرسة منهم خصوصا ان المجتمع في ذلك الوقت ينفر ممن يأتي من خارج المنطقة فوجه بأن يكون اختيار مدير للمدرسة من قبلهم فاختار الشيخ عمر بن سليم رحمه الله قاضي القصيم في زمنه الشيخ عبد الله بن ابراهيم السليم وكان له مدرسة كتاتيب فانضم بطلابه اليها وتولى ادارتها وارسلت المعارف بعد ذلك الشيخ محمد علي ربيع مساعدا له.
وفي سنة 1360ه عين المؤلف مساعدا لمدير هذه المدرسة.
ويذكر المؤلف زيارة القاضي الشيخ عمر السليم للمدرسة واستماعه الى قراءة بعض طلابها والأثر الايجابي لهذه الزيارة في المجتمع.
وذكر المؤلف تشجيع أمير القصيم ووكيله لهذه المدرسة فقال: «كان لسمو الأمير عبد الله بن فيصل بن فرحان «تولي امارة القصيم في الفترة 1354ه 1366ه» ووكيله وشقيقه سمو الأمير فهد بن فيصل همة عالية ورغبة اكيدة في تشجيع المدرسة وطلابها واساتذتهم ومساندتهم وتشجيعهم.
وقد الحقا ابناءهما فيها ويتعهدانهم وهم سمو الامير عبد العزيز بن عبد الله بن فيصل رحمه الله وسمو الامير عبد الله بن فهد بن فيصل وكيل امين مدينة الرياض سابقا والأمراء فيصل وعبد العزيز الفهد الفيصل وسمو الامير فرحان بن عبد الله رحمه الله وسمو الامير تركي بن فهد والأمير محمد بن فهد وناصر بن فهد.
وعندما ختم الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن فيصل القرآن عملت له المدرسة حفلا «زفة» وأقام والده لذلك وليمة كبيرة لجميع الاساتذة والطلبة.
وبحكم ان هذه المدرسة بقيت هي المدرسة الوحيدة في مدينة بريدة لأكثر من عشر سنوات فقد كان لطلابها مشاركات في المناسبات الكبيرة التي تقام في البلد وقد ذكر المؤلف استقبال طلاب المدرسة للملك عبد العزيز رحمه الله عند زيارته لمنطقة القصيم سنة 1366ه فقال: «في سنة 1366ه زار جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله بريدة ونزل بأول مطار انشىء بالقصيم وهو مطار ترابي نزلت فيه ست طائرات دفعة واحدة وكان يوما مشهودا من أيام بريدة.. وعندما ترجل جلالة الملك وأخذ التحية العسكرية من قبل الحرس الملكي تقدم الى الصالون المعد لاستقباله فوجد الطلبة على مدخل الصالون في صفين بديعين وعندما اقترب انشد الطلبة بعض الأناشيد ومنها:
ملك العرب أهلا
بك يا فخر الوطن
ام القصيم تباهت
وبك القلب اطمأن
وخادم الحرمين أهلا.. الخ.
وفي مساء ذلك اليوم أعد أمير القصيم وليمة كبيرة حضرها العلماء والأعيان ورؤساء القبائل واصطف طلاب المدرسة السعودية عند مدخل القصر وعندما وصل موكب جلالته انشدوا بعض الأناشيد وكذلك عند خروجه من القصر وهذه ظاهرة جديدة بالنسبة لبريدة».
ومدرسة الفيصلية هي أم مدارس القصيم حيث درس المتخرجون منها في عامة المدارس التي فتحت بعد ذلك بل قامت تلك المدارس على اكتاف طلاب هذه المدرسة الأوائل وقد ذكر المؤلف أكثر من ثلاثين مدرسة في القصيم درس فيها طلاب المدرسة الفيصلية هذا سوى المدارس التي فتحت في بريدة وسوى المدارس التي خارج منطقة القصيم كالرياض والزلفي.
وقد ذكر المؤلف اسماء ابرز المتخرجين من هذه المدرسة والذين قامت عامة مدارس المنطقة بعد ذلك على ايديهم اذكر منهم هنا بعض الذين تولوا مناصب خارج المنطقة وهم:
عبد العزيز بن عبد الرحمن المسند مدير عام المعاهد العلمية بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية الرئيس العام لتعليم البنات بالنيابة سابقا، عبد العزيز بن عبد الله العبدان الملحق الثقافي بالقاهرة سابقا، عبد الرحمن بن محمد الدخيل مدير عام المعاهد العلمية سابقا، فهد بن عبد الله الموسى مدير شؤون الموظفين بمجلس الوزراء، علي الربيش محافظ مؤسسة بترومين، حمد بن ابراهيم الرشودي مدير عام الجمارك سابقا، عبد العزيز بن علي التويجري وكيل الحرس الوطني سابقا، اللواء منصور بن عبد الله العيدان مدير شرطة الرياض سابقا، الدكتور عبد الرحمن بن حمد السعيد المستشار ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في مكتب سمو ولي العهد، اللواء سابق بن فوزان السابق مدير سلاح الحدود بالمنطقة الغربية سابقا.
*جامعة أم القرى amrrsa@hotmail.com
|
|
|
|
|