تختلف أحاسيس الشعراء باختلاف المناسبات وصفاتها، وهم بذلك يكيفون أنفسهم، أو قل تتكيف أنفسهم وقرائحهم مع نوع المناسبة التي تمر بهم.
ويبقى نوع الإفراز الشعري الذي تترجم به المناسبة خاضعاً لمدى قدرة كل شاعر على وصفها، والدليل على ذلك أننا نقرأ لأكثر من شاعر قام بنقل صورة الحدث أو المناسبة فنجد تفاوتاً في جودة الصناعة الشعرية، وربما نجد فرقاً وبوناً شاسعاً بين الشعراء في رسم صورة المناسبة، ودرجة الحمامة فيها، فإن كان الشاعر ممن تربطه علاقة بالمناسبة، فإنه ربما كان أشد تأثيراً ممن يكون بعيداً عنها.
فالشاعر الإسلامي حينما يمر به عيد من أعياد المسلمين تجد له عطاء شعرياً يفوق في جودته وفي نفوذه إلى نفس المتلقي على نفوذ شعره من لا صام ولا صلى، ولا حج ولا ضحى، وإن كان شاعراً مطبوعاً لأنه يتكلف شيئا ليس مما يهمه، ولا مما يسعده ويفرحه، وإنما أراد مجاراة زملائه في الشعر ليس إلا.
وربما تحين الشعراء الإسلاميون المناسبة السعيدة ليجعلوا منها وسيلة لامتداح أمير أو وزير أو صاحب جاه، أو ما إلى ذلك ممن يكون امتداحهم غاية ينشدها الشاعر لينال بها قربة، أو خلعة.
ولا أريد أن أسوق من الشواهد على الشعر الذي تولده مناسبة العيد قول المتنبي في قصيدته المشهورة التي صدرها بقوله :«عيد بأية حال عدت يا عيد» فهي قصيدة ذم لكافور الأخشيدي، وشهرتها تجعلني أبحث عن شيء بعيد عن الذم، ومشتمل على المدح، وليس أقرب شيء مما قاله البحتري في بعض مدائحه للمتوكل على الله، والتي يقول في بعض أبيات إحداها: