| مقـالات
حينما قامت الحرب العالمية الأولى ووقفت الدولة العثمانية الى جانب المانيا ضد الحلفاء كان موقف العرب حساسا ودقيقا وكان الحلفاء يهمهم في المقام الأول منع اي قوة معادية من السيطرة على المنطقة العربية لعدة اسباب لا مجال لذكرها في هذا المقام، على حين كان بإمكان الدولة العثمانية ان تهدر مصالح الحلفاء في المنطقة العربية سواء في منطقة السويس ام في منطقة الخليج العربي ام في السودان كما خشي الحلفاء أن تؤدي دعوة السلطان العثماني الى الجهاد باعتباره خليفة المسلمين الى تأليب الأمة الإسلامية ضد الحلفاء وبصفة خاصة مسلمي الهند، ولذلك سعت بريطانيا الى كسب العرب الى جانبها بشتى الوسائل، وكان امام العرب أحد طريقين إما الوقوف الى جانب تركيا الإسلامية أو الثورة عليها، وتردد العرب في اتخاذ الطريق الثاني خشية أن يستبدلوا بحكم الدولة العثمانية الاسلامية حكم الاستعمار الأوروبي النصراني. وقبل دخول الدولة العثمانية الحرب سنة 1914م جرى اتصال يين الانجليز والشريف حسين بن علي شريف مكة عن طريق ابنه عبدالله حيث بدأت وعود الانجليز الكاذبة للشريف علي مفادها أنه إذا ساعدت الأمة العربية الإنجليز في الحرب ضد تركيا التي دخلت الحرب ضد الحلفاء فإن بريطانيا تتعهد بمنع وقوع اي أذى على بلاد العرب وانه يمكن ان يتولى منصب الخلافة في مكة والمدينة عربي من اصل عريق، وهنا اعلن الشريف حسين سنة 1916م الثورة على الدولة العثمانية تلك الثورة التي كان لها الفضل الأول في انتصار الحلفاء في الجبهة الشرقية وإحباط فكرة الجهاد ضد الحلفاء كما حالت دون التوغل الألماني في الجزيرة العربية، وتوجت الثورة العربية اعمالها بدخول الأمير فيصل دمشق سنة 1918م وتصور العرب بذلك أنهم قد حققوا هدفهم وأن الاستقلال قد صار ملك رغبتهم ومن عجب أنه في الوقت الذي كانت المراسلات جارية بين الشريف حسين والانجليز بشأن استقلال الدول العربية وتحديد حدودها كان الإنجليز يتفاوضون سرا مع فرنسا وروسيا بشأن توزيع املاك الدولة العثمانية بينهم بعد انهيارها الذي اصبح في حكم المؤكد، وانتهت هذه المفاوضات بعقد اتفاق (سايكس بيكو) سنة 1916م الذي جاء مخيباً لآمال العرب ناسفاً لما توصل إليه الإنجليز مع الشريف حسين من اتفاق كما اصدر الانجليز بعد ذلك بنحو عام وعد بلفور بشأن فلسطين فكان ضربة جديدة موجعة للعرب ولتحالفهم مع الحلفاء واتفاق الإنجليز مع الشريف حسين ولذلك هدم اتفاق (سايكس بيكو) وعود الإنجليز للعرب الذي كان يمثلهم الشريف حسين الواردة في مراسلات (حسين مكماهون).
وهكذا وما أن انتهت الحرب الا وكانت الجيوش الانجليزية والفرنسية تحتل اجزاء كبيرة من الوطن العربي وتقسمه مناطق نفوذ كما هو معروف وفي هذه الأيام وفي خضم التفجيرات التي حدثت في الولايات المتحدة الامريكية وتداعياتها أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ورجع صداه (رئيس وزراء بريطانيا) توني بلير وعدا بقبول الدولة الفلسطينية وذلك خدمة للتحالف الامريكي ضد طالبان فماذا يمنع الدولة العظمى سابقا بريطانيا والعظمى حاليا امريكا من الاعتراف حقا بالدولة الفلسطينية التي قدمت كل ما طلب اليها ومنها لاثبات جدارتها بإدارة الدولة الفلسطينية وفي التعامل الدولي.. ومع ذلك فالغرب بزعامة امريكا وظلها بريطانيا لا يمكن ان تقدما على عمل الا بموافقة من اسرائيل بما في ذلك الخطابات التي يلقيها المسؤولون الامريكيون في الامم المتحدة مثل خطابي الرئيس بوش ووزير خارجيته الآخيرين اللذين القياهما في الامم المتحدة تم عرضهما على اسرائيل مسبقا إضافة الى معارضة امريكا لاي مؤتمر دولي يعقد لحماية المدنيين الفلسطينيين من الهجمات التي يتعرضون لها يوميا من دولة البغي والعدوان.
بل إن بوش نفسه قال: (إن السلام في الشرق الاوسط ليس شرطاً لازماً لكسب الحرب مضيفا: إن الانتصار على الإرهاب والسلام في الشرق الاوسط ليسا مرتبطين.. كما قال توني بلير: سنجلب القاعدة إلى العدالة سواء بالسلام أو بدونه في الشرق الاوسط كما ان وزير الخارجية الامريكي اعلن اكثر من مرة عن انه ليس لدى الادارة الامريكية أي خطط لانهاء النزاع في الشرق الاوسط. ومع ذلك فعندما سمع العالم التصريحات الخجولة والهمس الخافت عن دولة فلسطينية وضغط رقيق على إسرائيل لعقد اجتماعات مجاملة حتى ولو كانت ذر رماد على الفلسطينيين استبشر العالم ولاسيما العالم الاسلامي خيرا وطبل المطبلون بأن امريكا وعت الدرس وأحست بواجب المسؤولية وبدأت تتحول ليس الى جانب الحق العربي الفلسطيني ونصرة قضيته (فهذا بعيد المنال) ولكن على الاقل إعطاء القضية روح العدل وبعض الحيادية، الا ان امريكا هي امريكا مجرد ذر رماد في العيون وكسب الرأي العالمي الاسلامي في مثل هذا الظرف العصيب لاستمرار التحالف الدولي ضد افغانستان حتى باكستان الحليف الاقوى لامريكا في هذه الحرب لم تسلم من هذه الوعود الكاذبة فما ان انسحبت طالبان من كابول الا ودخلتها قوات التحالف رغم التعهد الذي اعطته امريكا لباكستان بعدم دخولها كابول بل عملت على تهميش دوره، وهناك من يقول ان هناك تحالفاً يطبخ في الخفاء بين امريكا والهند ضد باكستان فما أشبه الليلة بالبارحة وكأن العرب والمسلمين مطية لهذه الدولة وتلك، فبريطانيا استمالت العرب على الدولة العثمانية ووعدتهم الوعود الكاذبة بأن تمنحهم وتعطيهم وها هي امريكا تكرر نفس السيناريو فتعلن عن أنها سوف تعترف بإقامة دولة فلسطينية ومع ذلك يمنع رئيسها ياسر عرفات حتى الآن من زيارة امريكا ومقابلة رئيسها الذي يصر شخصيا على عدم استقبال عرفات رغم الحاح المملكة مما دعا الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية من وصف ذلك الرفض من قبل الرئيس الامريكي بأنه يخرج العاقل من رشده بينما رئيس العدو الصهيوني الإرهابي الاول في العالم تفتح له أبواب البيت الابيض متى شاء وكيفما شاء حتى توني بلير رئيس وزراء بريطانيا يركب الموجة موجة الوعود كما وعود اجداده واسلافه ويطلق ايضا وعدا خجولا محاطا بشروط هي في نهايتها اسيجة إسرائيلية لإنشاء وطن فلسطيني من ضمن هذه الشروط (وقف العنف) عنف من؟ وليته واجزم انه لم ولن يفعل اعترف بخطأ دولته التي كانت تسمى العظمى وخطأ وزير خارجيتها آنذاك بلفور الذي وعد (بإقامة دولة يهودية في فلسطين) أقول ليته اعترف وعمل على اصلاح ذلك الخطأ والذي ترتب عليه ضياع أرض فلسطين العربية الاسلامية وقدسها الشريف حتى وقتنا الحاضر.
إننا لا نطالب بالتعامل مع إسرائيل على طريقة التعامل مع طالبان وتنظيم القاعدة (أي اعلان الحرب على اسرائيل) بل إننا نكتفي بأقل من ذلك بكثير اي الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على أرضه وترابه وعودة القدس الشريف، فهل يتحقق ذلك ونرى دولة فلسطين ام الموضوع لا يتعدى الوعود الكاذبة والخادعة ويصير مصير تلك الوعود (وهو ما أراهن عليه) مصير الوعود السابقة ويلدغ العرب ليس مرتين بل ثلاث وأربع والله المستعان.
للتواصل: ص. ب 56165 الرياض 11554
|
|
|
|
|