| محليــات
معرفتي بسعادة الفريق أسعد عبدالكريم الفريح.. ليست قريبة.. فقد عرفت فيه خصالاً كثيرةً.. وكان نعم الأخ والصديق.
عرفت فيه.. وعرف فيه كل من عايشه..
أنه إنسان عملي جاد حازم صادق.. وشخصية متجددة متطورة.. يمقت الروتين والعمل الكسول..
يتعب من حوله بالعمل الدائب والنشاط والحيوية.
نجح في مواقع كثيرةً.. وحقق فيها نقلات ونجاحات.. وليست الجوازات وما حدث فيها ببعيدة عنا.
وفوق أن الفريق أسعد عبدالكريم الفريح شخصية صارمة حازمة.. قوي في النظام والحق.. فهو إلى جانب ذلك.. رقيق من الداخل.. يملك قلب طفل.. ولا غرو.. أن يكون شاعراً مبدعاً كذلك.
تشاهده في مكتبه في منتهى الحزم والقوة.. حيث يتطلب عمله ذلك.. لكن إذا جاءه ضعيف أو جاهل أو غشيم.. أو إنسان بسيط.. فإنه يسانده ويساعده ويتعامل معه كما لو أنه موظف علاقات عامة وليس قائد الجهاز بأكمله.
عرفت هذا الرجل عن قرب.. وعايشته صديقاً وجاراً وزميلاً ومسؤولاً.. وكان أسعد.. كما عرفناه دوماً.. لا يتبدل ولا يتغير.. وابتسامته لا تفارقه حتى وهو يطبق أقسى العقوبات على مخالف.
الفريق أسعد.. فجع في الأسبوع الماضي في وفاة أقرب الناس إليه.. وأجزم.. أنه أحب الناس إليه.. وهو ابنه الأكبر محمد.. وبحكم قربي من سعادة الفريق.. أعرف جيداً.. ماذا يعني محمد له.. وماذا يعني فقده.. وأعرف.. كيف ينزل عليه خبر كهذا.
الفريق أسعد.. ذلك الإنسان القوي المتماسك.. في أشد المواقف وهكذا الرجال هو إنسان في منتهى الرقة والطيبة واللطف.. وهو إنسان تعجز عن وصف مشاعره من الداخل.
وإذا كان الناس حوله.. ومحبوه.. عجزوا عن استيعاب هذا الخبر لمدة ليست قصيرة.. ومنهم من لحقه ضرر جسمي.. ومنهم من مرض.. فكيف بحال صاحبنا وصديقنا أبي محمد.. الذي فقد محمداً؟
لكن.. هذه دوماً.. حال الإنسان المؤمن.. الذي يملكه اليقين.. بأن هذه إرادة الله جلت قدرته.،. وأنه كما أعطى أخذ.. وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك.. وما أخطأك.. لا يمكن يصيبك.
تماسكه وجلده وقوته في هذا الموقف العصيب.. هو شأن المسلم الصادق الملتزم بشريعة ربه.. المقتدي بسلف الأمة.. الذي ينتظر الأجر والعوض من الله وحده.
ظهر الفريق أسعد.. وسط محبيه وأهله وزملائه كما عهدناه دوماً.
لم تفارقه ابتسامته.. ولا لطفه.. ولا بشاشته.. فهو مؤمن بقضاء الله وقدره.. وعمل كما عمل الصحابة والسلف الصالح.. عندما لبس أحسن ثيابه واستقبل المعزين واحداً واحداً.. محتسباً ما أصابه عند ربه.. وهكذا يكون العبد الشكور«إن أصابته سراء شكر.. وإن أصابته ضراء صبر».
وكما أعرف أبا محمد عن قرب.. فإنني أيضاً اعرف محمداً عن قرب.. لأنه جار.. وابن صديق عزيز.. فقد عرفت في محمد كما عرفه كل جيرانه.. الأدب الجم.. وحسن التربية.. والحياء.. والبر بوالديه.. ومحبته للآخرين.. ومحبة الآخرين له.
لقد كانت كل الحارة تحب محمد.. كما تحب أبويه.. وقد نقلت لي إحدى قريباتي.. كيف خيم الحزن الشديد على المدرسة التي كانت تعمل فيها أم محمد.. وكيف كان شعور كل معلمة.. وكل عاملة وكل طالبة.. وكأنما هي فقدت ابنها أو أقرب الناس إليها.
ولقد عايشنا أيضاً.. كيف كان بيت أبي محمد أيام العزاء.. وكم هم الذين شملوا أبا محمد بحبهم ودعائهم ووقوفهم الصادق معه.
كل هذا يعكس.. كيف كان محمد بنفسه.. وكيف كان أبو محمد.. وكيف كانت أم محمد.. وماذا يحتلون في قلوب الناس من حب لا يوصف.
منذ أن مات محمد بن أسعد.. رحمه الله وأنا أمسك بالقلم.. محاولاً كتابة أي شيء.. لكن الحزن يلفني ويجعل يدي ترتعش حتى أترك القلم.
لم أفق بعد.. من هول الموقف.. لكنه التسليم بقضاءالله وقدره.. والذي لا نملك معه.. سوى الدعاء لمحمد.. بأن يغفر الله له.. ويشمله بواسع رحمته.. وأن يلهم والديه ومحبيه.. الصبر والسلوان.. وأن يعوضهم خيراً.
نقول لأبي محمد.. أحسن الله عزاءك.. وجبر مصيبتك.. وعوضك الله خيراً.. ونقول.. أبشر يا أبا محمد.. أبشر..فأنت الصابر المحتسب.. ولك في قلوب الناس.. رصيد هائل لا يتخيله أحد.. وسيعوضك الله خيراً بإذن الله وحده.
لقد قبض الله منك أعز ما تملك.. وكان امتحاناً لك.. لكنك كنت في مستوى الموقف كما عهدناك دوماً.. عبداً.. شكوراً.. صابراً.. محتسباً.. وهذا.. شأن كل مؤمن.
|
|
|
|
|