| الاقتصادية
منذ أن تم الإعلان عن تأسيس مجلس التعاون الخليجي قبل عقدين من الزمان والمواطن الخليجي يحدوه الأمل في تحقيق الكثير من الإنجازات والتي قد لا تتمكن كل دولة خليجية بمفردها من تحقيق ذلك. وعلى الرغم من بعض الجهود الملموسة من أجل تحقيق تطلعات المواطن الخليجي منذ قيام هذا المجلس، إلا أنني أعتقد بأنه كان من الممكن خلال العشرين عاماً الماضية أن يتحقق لشعوب المنطقة أكثر مما تم تحقيقه من قبل المجلس وخاصة في القطاعات الاقتصادية، ولقد كان من ضمن التساؤلات الهامة التي طرحها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني في كلمته العصامية التي ألقاها سموه في الجلسة الافتتاحية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في مدينة مسقط خلال الاسبوع الماضي هو ماذا فعلنا حتى هذا اليوم وطوال العقدين الماضيين حتى نحقق وحدتنا الاقتصادية الخليجية؟! إنني أرى بأن المسؤولية الملقاة على عاتق مجلس التعاون جسيمة خاصة ونحن نعيش في عالم يحكمه التكتلات الاقليمية الموحدة ذات السياسات الاقتصادية المشتركة.
ولكي يتمكن مجلس التعاون من تفعيل تجربته بشكل يسهم في تحقيق المنجزات الاقتصادية التي يتطلع المواطن الخليجي إلى تحقيقها. فإن من الأهمية أن تتوافر عدد من المعطيات الكفيلة بتحقيق ذلك، ومن أهم تلك المعطيات الفصل التام بين الجوانب السياسية والاقتصادية من قبل حكومات دول المجلس، وأن يكون هناك إدراك تام من قبل حكومات دول المنطقة بأن ما يمكن تحقيقه من منجزات اقتصادية خليجية مشتركة إنما يمثل دعائم أساسية لثبات واستقرار الأنظمة السياسية في دول المجلس، ولنا أن نستفيد في ذلك من تجربة السوق الأوروبية المشتركة وكيف استطاعت تلك الدول ان تحقق الكثير من المنجزات الاقتصادية بين دول الاتحاد الأوروبي دون أن يكون لذلك أدنى تأثير سلبي على أنظمة الحكم السياسية في تلك الدول. وقد كان من ضمن ما تفضل به سمو ولي العهد خلال كلمته الأسبوع الماضي أن قال حفظه الله: «إن تمسكنا المبالغ فيه بمفهوم السيادة التقليدي هو الذي يقف حجر عثرة أمام مساعي التوحيد. إن إعطاء مجلسنا هذا قدراً أكبر من الصلاحيات لا يعني التنازل عن استقلالنا بقدر ما يعني دعم هذا الاستقلال وترسيخه وصولا إلى وحدة عربية وإسلامية في المواقف والتوجهات والأهداف ولنا في الاتحاد الأوروبي نموذج نحسن صنعاً لو استأنسنا ببعض ما جاء...».
أيضاً من المعطيات الأساسية اللازمة لتفعيل تجربة مجلس التعاون في تحقيق التطلعات الاقتصادية للمواطن الخليجي أن يكون هناك قناعة من قبل القائمين على المجلس بأن ما تم انجازه اقتصاديا من قبل المجلس لدول المنطقة منذ تأسيسه وحتى هذا الوقت لا يرقى إلى تطلعات شعوب المنطقة من جهة، ولا يتفق مع الخطوات الملموسة المتسارعة التي خطتها بقية التكتلات الاقتصادية الأخرى في العالم في ظل الصراع الاقتصادي المحموم بين تلك التكتلات من جهة أخرى.
وأخيراً فإن تفعيل تجربة مجلس التعاون الخليجي بشكل يسهم في تحقيق التطلعات الاقتصادية لشعوب المنطقة يتطلب منا خلال هذه المرحلة الحرجة والتي نقف فيها على أعتاب القرن الجديد ان نقف جميعاً وقفة صادقة مع أنفسنا، وأن تقف حكومات دول المجلس وقفة مراجعة جادة لكل ما تم إنجازه اقتصادياً منذ قيام المجلس حتى الآن، وما إذا كان ذلك يتفق مع الصراع والتنافس الاقتصادي العالمي والذي تحكمه التكتلات المشتركة ذات القرارات الجماعية الموحدة.
وإذا كان العالم اليوم يشهد ظهور العديد من التجمعات والكتل الاقتصادية الاقليمية مثل التجمع الأوروبي الاقتصادي المشترك (EEC) ورابطة الدول الآسيوية المعروفة بمجموعة الأسيان إضافة إلى التكتل الأمريكي الشمالي بين كل من الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (NAFTA) وغيرها من الكتل الاقتصادية الاقليمية في أنحاء متفرقة من العالم، فإنه يتوجب على دول المجلس في هذا الخصوص أن تعيد النظر في رسم سياساتها الاقتصادية بشكل ينعكس على الارتقاء بقدرتها التنافسية مع تلك التكتلات الاقتصادية وذلك حتى يمكن التفاوض معها من منطلق القوة. كذلك فإنه يتوجب على مجلس التعاون العمل على تفعيل أواصر التعاون بين دول المجلس (مجتمعة) وبين تلك التكتلات وذلك بما يحقق تطوير المبادلات التجارية بين الطرفين والتغلب على العوائق التجارية.
وفيما يتعلق بمنطقة التجارة العالمية فإنه يجدر التأكيد على أن قيام تكتل اقتصادي خليجي موحد ليعتبر تنفيذاً لما تنادي به اتفاقية منظمة التجارة العالمية، وبالتالي فإن من الحلول المثلى الكفيلة بالحد من الآثار السلبية التي قد تترتب على انضمام دول المجلس لمنظمة التجارة والتأقلم مع المبادئ التي تقوم عليها تلك المنظمة إنما يتمثل ذلك في إقامة التكتل الاقتصادي الخليجي المشترك وذلك على غرار بقية التكتلات الاقتصادية الأخرى.
إنه ومن أجل تحقيق كافة التطلعات الاقتصادية لشعوب دول المجلس فإن ذلك يتطلب تضافر كافة الجهود من أجل وضع كافة البنود التي تضمنتها الاتفاقية الاقتصادية بين الدول الاعضاء في المجلس والتي تم التوقيع عليها خلال الاسبوع الماضي كبديل للاتفاقية الاقتصادية الموحدة والتي تم التوقيع عليها عام 1981م، للتنفيذ الفعلي، وبالتالي فإذا كانت دول المجلس قد أبرمت العديد من الاتفاقيات الاقتصادية المشتركة إضافة إلى توحيد عدد من الأنظمة والقوانين العمالية والضريبية والجمركية فإن التكتل الخليجي الاقتصادي الموحد الذي نسعى جميعاً إلى تحقيقه والذي يمكن من خلاله مجابهة التكتلات الاقتصادية الأخرى لن يتم ما لم يكن هناك التزام وتطبيق فعلي من قبل كافة الدول الخليجية بجميع البنود التي تضمنتها تلك الاتفاقية الاقتصادية الموحدة.
وأخيراً فإن نظرتنا إلى مستقبل مجلس التعاون الخليجي يجب أن ترتكز على محورين أساسيين، يتمثل أولهما في أن المجلس قد بلغ الآن من النضج الشيء الكثير وذلك مقارنة مع بداياته عام 1981م، وثانياً: أن المهام التي نتطلع إلى المجلس مستقبلا للقيام بها والتي تؤثر وتتأثر بالعديد من المستجدات العالمية كقضية العولمة والانفتاح الاقتصادي ومنظمة التجارة وغيرها من المستجدات على الساحة الاقتصادية العالمية تختلف في طبيعتها عن المهام في بداية عقد الثمانينيات الميلادية.
dralsaleh@yahoo.com
|
|
|
|
|