| العالم اليوم
بالرغم من طغيان الشأن الاقتصادي في حياة البشر والدول في العصر الحديث، بحيث أصبحت الدول وحكوماتها والمجتمعات تهتم بالشؤون الاقتصادية مثل اهتمامها بالقضايا السياسية، إلا أن الفعل السياسي يظل المحرك الأساسي لباقي الأنشطة الحياتية، فإدارة الدول وتطبيق الأنظمة والقوانين والعلاقات بين أفراد المجتمع، واستثمار الموارد الاقتصادية، وعلاقات الدولة بنظيراتها من الدول الأخرى جميعها تدرج ضمن الفعل السياسي، ولهذا فإذا أُريد لمجتمع ما أن يواصل تقدمه، أو أن يخرج من عثراته ومن الصعاب التي تواجهه، أو التصدي للتحديات التي تظهر في الأفق، فعليه أولاً أن يحسن من أدائه السياسي، من خلال معالجة أي قصور فيما أوردناه من الأنشطة الحياتية التي يُعد التعامل معها فعلاً سياسياً ودول الخليج العربية ومنذ أكثر من عقد تنبهت قياداتها إلى هذه الحقائق فشهدت دولها العديد من الاصلاحات السياسية والتي جاءت استجابة للمتغيرات الدولية وتفاعلاً مع ما واجهته المنطقة من تحديات، والذي يجب عدم اغفاله هو أن تلك الاصلاحات جاءت متوافقة مع طبيعة مجتمعات المنطقة ولم تكن «مستوردة» أو اصلاحات تلقينية كما يُراد للمنطقة الآن من خلال ما تحمله الحملات الإعلامية التي زادت بعد أحداث «11 ايلول / سبتمبر».
والمتتبع لما جرى من خطوات اصلاحية قبل أكثر من عقد من الزمن في المملكة والتي تمثلت في تحديث وانشاء مؤسسات سياسية تشريعية وتنفيذية ووضع أنظمة حديثة كنظام الحكم، وأنظمة مجلس الشورى ومجلس الوزراء ومجلس المناطق، ومن ثم فعالية هذه المؤسسات في صياغة وإنجاز جملة من القوانين والاصلاحات شملت العديد من الأنشطة، امتدت من الاقتصاد إلى قوانين العمل والترافع والاجراءات القضائية والجزائية وتفعيل عمل الهيئات الاجتماعية والمهنية، مما قدم دليلاً على ايجابية ايجاد وتحديث المؤسسات الجديدة، فمعظم تلك القوانين تمت دراستها وصياغتها في مجلس الشورى والحال الذي تم في المملكة العربية السعودية حصل أيضاً في دول خليجية أخرى وبالذات في دولتي البحرين وقطر اللتين حققتا تقدماً أخذ في التطور الذي سيعزز من قوة النظام وتلاحم القيادة والشعب، فالمشاركة الشعبية وتفعيل الحريات المسؤولة تصون الدولة والمجتمع معاً. والملاحظ هنا في المملكة ان القيادة هي التي تبادر بالاصلاح ودفع الفعاليات الفكرية والسياسية والثقافية إلى تقديم الأفكار من خلال فتح قنوات الاتصال وإقامة لقاءات الحوار، كالذي قام به سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والذي سعى إلى الاستماع إلى أفكار واقتراحات في اللقاءات التي عقدها ولم تُستثمر الاستثمار الذي كانت قيادة المملكة تنشده، إذ حصر من شارك في تلك اللقاءات أنفسهم في تقديم الثناء وتكرار العبارات السابقة التي لا يسعى إليها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولا قيادة المملكة التي تسعى إلى مزيد من الأفكار البناءة وإلى مشاركة جادة وناضجة لمواجهة التحديات القادمة.
jaser@al-jazirah.com
|
|
|
|
|