| محليــات
نوَّارة..
أدري بكلِّ الصدق الذي بذرتِ فسائله في داخلي...، حتى تحوَّل إلى أشجارٍ، وارفةٍ، مثمرةٍ، لا أعرف مذاقاً آخر لثمراتها...، أدري؛ أنني اللَّحظة، أحوج ما أكون حاجةً لكِ...
لقد حملتُ قنديلي...، واتجهتُ صوب كلِّ الاتجاهات، أبحثُ عنكِ...، وأنا على معرفةٍ أكيدةٍ بوجودكِ هنا...، في كلِّ الزمن...، وكلِّ المكان...، حيث، ومتى، أتحركُ تكونين، وكيف، وماذا، أفعل، أو أقول، تكونين...، معي... معي...، لكنَّني أحتاجُ إليكِ...
هذه الدُّروب يا نوَّارة، مديدة، طويلة، متعرِّجة...، نُصُبٌ كثيرةٌ فيها، وفخاخٌ عديدةٌ بها...، وألوانٌ متفاوتة تلوِّنها، تصبغ شكلها، ومبناها...، وهياكل، لا عدد لها تتشكَّل منها...، وهنا... وهناك...
أنتِ معي... وأنا بقنديلي، أحمله، أنقِّب عنكِ...
جزءاً، جزءاً، أبحثُ...
لحظةً، لحظةً، لا أفرِّط...
وكلُّ الأشياء أمامي، أراكض لأجلها...
لستُ أبحثُ عن طريدة، ولا أمارس عشوائية الهجوم...،
أنتِ مع فسائلكِ، التي زرعتِها في جوفي، نزعتِ من داخلي غريزة الالتهام...، وشذَّبْتِ في إنسانيتي، ضُروس المضغ...
أتبسَّم الآن، وأنا أتذكّركِ، حين كنتِ تسألينني أن ألتقم جملة ما في طبقي، الذي تتخيَّرينه لي...، ولا أفعل، كنتِ تذكرين لي، أنَّ ذلك نتيجةٌ لما نزعتِه من داخلي...، حتى أنَّني أذكرُ أنَّني ما كنتُ آكلُ شيئاً، أكثر من لقيمات، ولا أرشف شيئاً، سوى قطرات...،
وعندما تعرّفتُ معكِ على القلم، وصادقت مداده، ولازمتُ حروفه، وكلماته، وتزيَّنتُ بها لباساً وحُلية...، وجدتُ غذائي ومائي...
قنديلي لا يزالُ يرتهج، وأنا في الدروب المديدة أنقِّبُ قطعةً قطعةً، وركناً، ركناً، وبقعة، بقعة، عن شيء منكِ.
هاطلتني دموعي...، فوقفتُ كي أرسلها إلى حوافِّ أرصفة الدُّروب، كي ترتوي فسائلُ الذي غرستِ، يا نوَّاره، على طول الدُّروب، وامتداد المسافات...، وقفتُ أرقبُ شجرتكِ، الكبيرة الفارهة، الممتدَّة كالجناح تظلِّلني...، ووضعتُ يديَّ فوق رأسي، أتلَّمس مواقع الظلِّ، بعد أن فَتَحَتْ شموسُ النَّاسِ عيونَها، فجاء اللَّهيبُ كي يُدفئ برودة الشتاء، في مسامات الذي يقفُ للريح، وللهواء...، وللعراء...
رأسي لم يكن فيه موقعٌ واحدٌ، كي تستقر في مساحته، شلاَّلات الشُّموس...، ذلك لأنَّك قد حلَلتِ... فيه...، ونزلتِ في كلِّ مساماته...
يا نوَّارة حين تحدَّثْتُ إلى رأسي، وجدته تحوَّل إلى أكثر من شَفَةٍ، كي تحكي ملحمة الحياة، التي رسَمتِ لي خيوطها، ونسجتِ لي خطوطها، وزخرفْتِ لي منافذها...،
لا أخفيكِ يا نوَّارة، أنني كنتُ بحاجةٍ ماسَّةٍ، إلى شيء من قوَّتكِ كي أقوى مثلكِ، على مواجهة التفاصيل...، لكنْني رمَّمْتُ كافة النتوءات، كي أقف في وجه الهواء...، كي أستطيع حمل القنديل... العبور وحدي في الدروب الطويلة...
الآن يا نوَّارة أنا على مشارف الوصول، إلى نقطة تجمع الأبعاد...
سوف أفصلها عن بعضها، سوف أرتِّبُ كلَّ بُعْدٍ في منأى عن الآخر، سوف أعيد حياكة نتوءات ما يكون، سوف أشحذُ كلَّ بعدٍ، بما يؤهِّله، كي يقوى على الصمود، وحده، دون البُعد الآخر...
ولسوف أتركُ لقوادم كلِّ بُعْدٍ، أن تنطلق في اتجاهها...
هي ليست مهمة صعبة يا نوَّارة...
فلقد شربتُ حتى الرّواء...، حدَّ التشبع...، حدَّ الاندماج مع مفاهيم الصمود...، وعرفتُ منافذ الأبواب...، ولن أترك الأبعاد تضلُّ أبداً...
الآن أدركُ يقيناً أننَّي بحاجة إليكِ...، كي تحتفلي معي بعرس الانطلاق...
ألا تذكرين حين كنتِ دوماً تربِّتين علي يديَّ، وهي تنام بين يديك، وتؤكدين لي بحركة رأسكِ...،وبيقين عينيكِ...، أنّكِ سوف تسعدين يوماً بانتصاري على المسافات؟
يا سيدتي وأنت سيدة الانتصار...
احتفي معكِ اليوم...
ووهج القنديل قد زاد...، ثمَّة قوة انسلَّت منكِ إليه، زادته ضياء، نوراً، وهجاً ووقدة، لا تنطفئ...
أشعر أنَّ الزمن يا نوَّارة، قد وقف ملياً عند نقطة تجمُّع الأبعاد...، ومنح كلَّ بُعْدٍ منه مساحةً...، ومسافةً...، وربَّت على يديِّ مثلما كنتِ تفعلين، فزادني إصراراً...
ومنحني بارقة الاطمئنان التي كنتُ أتلمَّسها من جبينكِ...
أعلْمتِ الآن لماذا كنتُ بحاجة لكِ؟...
ولماذا شحذتُ فتيل قنديلكِ؟...
ولماذا انطلقتُ وحدي، نحو معارج الأبعاد؟
لله درُّك يا نوارة، وقد كنتِ أوَّل من زرع، فسائل الصدق في داخلي...
حتى أسعدتني هذه اللَّحظات، وأنا أتنقل بقنديلكِ، فأرى كلّ المسافات، قد تحوَّلت إلى جوفي...، وغدت صدري الذي ينبض بكِ...، ويزدهي بظلال شجراتكِ...، ويتذوّق ثمارها،
فا... أنتِ يا نوَّارة الصدق، والشمس...، وكلَّ الذي يكمن خلف الأبعاد وفيها.
|
|
|
|
|