| مقـالات
رضينا أم أبينا، وافقنا أم اعترضنا نحن نتاج مجتمعنا، نتاج تلك التربية والتنشئة الاجتماعية التي رُبيِّنا ونشِّئنا عليها منذ نعومة أظافرنا.
نحن نتاج تلك الاحباطات والصدمات النفسية المتكررة التي نتعرض لها منذ أن وعينا على الحياة وأبصرنا النور ورضينا بقدرنا المحتوم.
نحن نتاج لحظات الأمن النفسي والاحتياج العاطفي الذي نشعر به ونحتاج اليه ونشبع منه من أقرب الناس إلينا قبل ان نشبع منه من أبعد الناس عنا.
نحن نتيجة تلك الارهاصات التي نواجهها في حياتنا العامة بشكل يومي ومع الكثير ممن نتعامل معهم من فئات مختلفة وتتشكّل حياتنا وفقها وعلى ضوء تقبلنا لها.
إذن، فليس غريبا علينا، أن تتكون شخصيتنا على ما هي عليه، أيا كان نوعها، كما أنه ليس بغريب علينا إن لم نرض بما لدينا من شخصية معينة أو أن نقتنع بها أو نحاول تغييرها والتخلص منها ولو باختيار أو تبنِّي شخصية أخرى مخالفة للأولى كي تشبع فينا حاجة معينة طالما أردناها وحلمنا بها في يوم من الأيام!
وما الغيرة الشديدة التي نشعر بها ونحترق بها في كثير من المواقف والأحيان سوى مثال بسيط جداً لهذه التركيبة الاجتماعية النفسية التي تشكلنا وتسيرنا. وما هذه الغيرة سوى شيء طبيعي نابع من داخلنا، منا نحن ممن لا نستطيع عمل شيء حيالها، لأنها شيء نفسي صعب إنكاره أو التخلص منه بسهولة فقط لأن الآخرين يريدون ذلك!
تلك الغيرة التي تجعلنا نشعر أننا نحن فقط أصحاب الحق لكل من نحب ونملك ونحن فقط من يحق لنا أن نرى الأمور كما نرغب ونشتهي.
والانسان منا كائن غريب ومكابر في آن واحد، غريب لأن تصرفاته متناقضة وتمر بمرحلة مزاجية ومكابر لأنه يرفض أن يصفه غيره بالغيور بشكل قاطع وكأن الغيرة صفة سيئة أو أمر غير مرغوب فيه، علما بأن هذه الغيرة أحيانا يكون لها نكهة حلوة ومذاق مختلف وخاصة إذا كانت هذه الصفة لدى من نحب!
فصفة حب التملك مثلا صفة تلازمنا من الصغر وتظل معنا ولكنها تختلف من شيء لآخر حسب درجتها وحسب شخصيتنا أيضا ونظرتنا للأمور من حولنا.
والأمر الآخر، أن الانسان أحيانا لا يشعر أنه غيور، بل لا يحب ولا يهتم بمن يصفه بالغيرة، لأنه باختصار لم يعش ظروف الغيرة من مواقف وتجارب حياتية، بل انه لا يتصور نفسه في مثل هذه المواقف أحيانا أو تراه ربما يستغرب أو يستكثر على كل من يغار، ومعه الحق في ذلك.
ولكن يحدث أحيانا وبالصدفة وبدون ميعاد ودون ترتيب مسبق وبإرادة الله بالطبع، يحدث أحيانا أن يمر الانسان بتجربة واحدة وموقف ما يخفق معه قلب هذا الانسان وتنتابه مشاعر غريبة مختلفة لم يعهدها من قبل، مشاعر تجعله شخصا آخر هو نفسه لا يصدق أنه نفسه!
وغالباً ما تكون تلك المشاعر عاطفية، بحيث تتأجج بقوة وتحاول الخروج من ذلك القمقم الذي ظلت ساكنة فيه سنوات طويلة، تقاوم وضعها في الظل، لأنها ترى العيش في النهار، ولم لا؟
وقد كانت في الماضي حبيسة نفسها لا أنيس ولا جليس، أما الآن فتلك المشاعر وجدت توأمها ولكنها اكتشفت انه في النور لذا، لا بد ان ترى هي النور أيضا وتشعر بإحساسه، لأنها أدركت بعد هذه السنين وتلك التجربة ان الحب كي نستمتع به ونحياه فلا بد ان يخرج من دائرة الظل الى دائرة الضوء لأن هذا هو المكان الطبيعي للحب الحقيقي. وهذا هو المكان الطبيعي الذي يمكن أن نعبر فيه عن حبنا بحرية وانطلاق دون خوف من رقيب يسيء فهمه أو يقيده أو قلق من مصير مظلم، أو مستقبل مجهول لا ندري ماذا يخبئه لنا!
إن مكمن ألم وقسوة الغيرة التي نشعر بها هي شعورنا الداخلي الملح أننا سوف نخسر شيئاً ما غاليا علينا ومهماً لدينا، وأن هناك شخصاً آخر أفضل منا سوف يحظى به وهذه النقطة بالذات هي الأمر المتعب في الموضوع، لأننا بدأنا نشعر أننا أقل من غيرنا وأن هناك من هو أفضل منا حتى لو لم يكن الأمر كذلك. وشعور أيضا ان مكانتنا لم تعد كذلك عند من نحب، أو أن العلاقة التي تربطنا به لم تكن بتلك القوة الكافية التي تعطيها صفة الديمومة والاستمرارية أو ان هناك من يستكثر علينا ما نحن فيه من سعادة ويحاول أن يشاركنا فيها أو يقسمها معنا أو يأخذها منا بأساليب ملتوية لأن لديه نقاط قوة وجاذبية ليست لدينا أو أننا بدأنا في فقد بريقنا ووهجنا.
فالمسألة في الغيرة وعلى ما يبدو ليست مسألة تملك فحسب، بل مسألة ربح وخسارة أيضا وصراع على البقاء. البقاء في الاحتفاظ بالسعادة لنا وحدنا والبقاء في الاحتفاظ بالمشاعر من أجلنا وحدنا، والاصرار وبقوة على عدم الاقتراب من الخط الأحمر الذي يمثل تحديا كبيرا يعني المواجهة،إذن هو الخوف ولا شك ومحاولة التغلّب عليه بكل ما أوتينا من مصادر القوة الذاتية.
ولكننا أحيانا وبقدون قصد بالطبع ودون أن ندري أو ننتبه نبالغ في غيرتنا لدرجة أننا نحن من نتعب أكثر من الطرف الذي نغار من أجله!
نبالغ لدرجة أننا ندخل في دائرة الأوهام والتخيلات وإعطاء الأمور أكثر مما تستحق وبالتالي تصبح تلك الغيرة مصدر إزعاج من نحب ونغار عليه ولدرجة قد توجد شرخا في علاقتنا معه ربما أدى مع مرور الوقت لا سمح الله الى خسارتنا له وخسارته لنا، مع علمنا الأكيد ان هناك ما يبرر غيرة الكثير من الناس لأن شواهدها حية وواضحة ولا تقبل الشك.. ولكن..
ولكن لا يسعنا أحيانا سوى أن نسعد لأن غيرتنا لم تكن على أي إنسان بل، إنسان يستحقها ويقدرها ويتفهمها ويعرف أسبابها ويعمل وبكل صدق على ان يتعامل معها برفق وحنان وتفهم وتعقل ويحتوي صاحبها ويضمه اليه كي يشعره بالأمان: وهذا هو ما نريده هو الآمان النفسي والشعور بالاطمئنان. ألا توافقني على ذلك؟
همسة
أما آن لهذا الشك الفظيع..
أن يزول من رأسك؟
أما آن لك أن تقتنع.
بأنه لا أحد غيرك..
يملأ عيني؟
ولا أحد سواك..
يحتل مساحة في قلبي..
أنت فيها؟!
***
أما آن لك أن تطمئن..
بأنه لا أحد..
سوف يأخذني منك؟
أو يشغلني عنك؟!
أو ينسيني إياك؟!
مهما بدا لك غير ذلك!
***
أما آن لك أن تقتنع..
أن ما في رأسك..
هو أوهام لا داعي لها؟
شكوك لا صحة لها؟
تخيّلات أنت أوجدتها؟
وأنت من صدقتها؟
***
فها هي فترة غيابي عنك..
وها هي فترة غيابك عني
تطول وتطول..
كيف كان حالي؟
لقد كنت أنا أقرب إليك.
أكثر مما كنت أنت قريباً مني.
وكنت أنتظرك بفارغ الصبر..
وكان شوقي إليك..
يزداد يوماً بعد يوم..
أملاً في رجوعك لي.
كي تكتحل عيناني برؤيتك..
ورغبة في اجتماعي بك مرة أخرى..
* * *
وهكذا كنت أدعو ربي..
أن يجمعني بك..
وأنا أكثر قرباً منك..
وأكثر حباً لك..
وأكثر إصراراً عليك..
وأكثر تمسكاً بك..
***
لأنني أدركت حقاً..
أن مكانك معي..
هنا بجانبي..
وليس بعيداً عني..
أو مع الآخرين..
مهما كانت صلة قرابتهم بك!
ومهما كانت درجة صداقتهم لك!
***
بل ها هي الأيام تثبت لك.
يوماً بعد يوم..
أن شكوكك من نسج خيالك
وأن مخاوفك ليست في محلها!
***
وصدقني..
فأنا أعرف ما تشعر به من غيرة..
وكيف تفسر كل شيء حولي..
كما تراه غيرتك..
حتى لو لم تقلها لي..
حتى لو لم تظهرها لي..
مهما كان السبب..
حتى لو أخفيتها عني..
وأعرف أنها خارج إرادتك..
لا دخل لك فيها..
***
ولكن هلاّ خففت منها..
ولو قليلاً؟!
هلاّ جعلتنا نستمتع..
بأيامنا الحلوة؟
ولحظاتنا السعيدة؟
دون منغصات؟!
دون عتاب متواصل؟!
ودون شكوك وأوهام؟!
فأنا لك وحدك..
ألا تذكر؟
***
ألا تذكر حينما قلت لك دوماً..
وما زلت أقول لك:
من حين لآخر..
بأن غيرتك جزء من جمالك؟
جزء من جاذبيتك؟
جزء من تعلقي بك؟
وعدم التفاتي لغيرك؟
* * *
فلم لا تجعل غيرتك عليَّ..
وسيلة لاقترابي منك؟
والتصاقي بك؟
لا وسيلة لابتعادي عنك؟
ونفوري منك؟
لم؟
***
أليست الغيرة دليل الحب؟
إنني أحسبها كذلك..
وإن لم تكن في كل شيء!
وإن لم تكن مع كل إنسان!
فلم نجعلها دليل الشك والريبة؟
وعنوان التوتر والقلق؟
لم؟
***
أعرف أنك ربما قلت الآن..
إنني أوافقك الرأي..
إنني مقتنع بكلامك لي..
وسوف أحاول..
أن أقلل من غيرتي..
سوف لن أضايقك بها..
سوف لن أعود اليها..
ولكنني أعلم أيضا..
أنك لا تلبث أن تعود!
وتغار أكثر من ذي قبل!
* * *
فأنا أعرفك تماما.
وأعرف جنونك..
وأعرف طبيعة غيرتك..
أعرف كل شيء فيك..
والمشكلة أنني..
أحب تلك الغيرة فيك..
أقبلها منك..
لأنني أعرف دوافعها..
ويكفي أنها منك..
وليست من شخص آخر!.
***
آه..
كأنني بك تقول الآن..
أوَ صادق أنت..
أوَ هناك شخص آخر؟
يحبك؟
ويغار عليك مثلي؟
مستحيل!.
من هو؟
كيف عرفته؟
ومنذ متى؟
وبأي صفة؟
وهل ما زال؟
قل لي الآن..
لا تتهرب من سؤالي.
هيّا بسرعة!
* * *
يا إلهي..
أرأيت بنفسك؟!
ألم أقل لك لن تستطيع..
سوى أن تغار؟
***
فهكذا أنت..
مهما حاولت وحاولت!
ومهما وعدت ووعدت!
ومهما تظاهرت بعدم ذلك!
أليس صحيحا ما أقوله؟
لا تقل: لا.. أرجوك..
بدليل أنك تبتسم الآن..
تخفض رأسك
تداري خجلك
***
ولكن.. أعود وأقول..
ألم أقل لك..
إنها جزء من جمالك؟
جزء من جاذبيتك؟
***
فماذا أفعل..
هكذا وجدتني أحبك..
بكل ما فيك..
بكل زعلك مني!
وعتابك لي!
ودلالك معي!
***
ألا ترى؟
فأنا الآخر..
لا أقلُّ جنوناً عنك.!
لا أقل حباً عنك..
ولكن.. ومع ذلك..
أرجوك خفّف عليَّ
راعني قليلاً.
ذبحتني!
|
|
|
|
|