| العالم اليوم
لست مع الذين يهتمون كثيراً بالرد على الحملات الإعلامية المغرضة التي استهدفت الدول الإسلامية وبالذات العربية والخليجية منها بالأخص، والأكثر المملكة العربية السعودية. فبدلاً من أن نكرس جهدنا ووقتنا في الرد على تلك الحملات المعروف أهدافها وأسبابها، الأجدى أن نكرس جهدنا حكومات وشعوباً في إصلاح أوضاعنا وتطوير إمكانياتنا ومعالجة الخلل إن وجد وتحسين الأداء للأفضل والانطلاق نحو آفاق المستقبل بناءً ونماءً دون انغلاق وبلا إفراط ولا تفريط في ثوابتنا العقدية.
الشيء الذي يجب الإقرار به أن العصر الحالي تمتزج فيه الشئون الاقتصادية بالقضايا السياسية، فالدول التي تتميز بوضع اقتصادي جيد لا بد أن تحقق مكانة سياسية متميزة، والعكس صحيح، فالأداء السياسي الجيد يقود إلى وضع اقتصادي إن لم يكن متميزاً يكون مريحاً لا ينال من الحاجات الأساسية للشعوب ويوقعها في هموم تتزايد باستمرار نتيجة تراكم الأخطاء أو تواصل التجاوزات في الفعل السياسي.
ونحن هنا في منطقة الخليج العربي إن بدأنا بالشئون الاقتصادية، فلا بد من الإقرار أيضاً بأن اقتصاد دول الخليج الست يعتمد اعتماداً شبه كلي على النفط وعلى إيراداته، ومع أن المملكة قد حاولت تقليص الاعتماد على هذه الإيرادات وحدها فوضعت خططاً اعتمدت التنويع، ونجحت في تحقيق نسب ساهمت في تغذية الموارد المالية للدولة من خلال إقامة عدد من الصناعات التحويلية وإعطاء دور للقطاع الخاص، إلا أن الذي يشكو منه الاقتصاد السعودي كما الاقتصاد الخليجي، هو أن إيرادات النفط لا تزال تموّل عمليات الصرف على الحاجات الاستهلاكية بدءاً من الفرد الذي أصبحت إمكانية إشباع حاجاته الاستهلاكية غير محدودة مما أوجد عبئاً على الميزان التجاري للأمة، فمسلك الاستهلاك يكاد يكون ثقافة متأصلة لدى المواطن الخليجي والسعودي بالذات، والأدهى أن الفرد يطالب الدولة بتوفير متطلبات الإشباع في مجالات الاستهلاك وبالذات في قطاع الخدمات بصفة أقرب إلى المجان، وهذا ما يحمّل موازين الدول الخليجية أعباء وتكاليف باهظة، فالثمن الذي يدفعه المواطن السعودي والخليجي لما يتلقاه من خدمات يتزايد باستمرار للنمط الاستهلاكي، لا تساوي حتى نصف تكاليف الإنتاج، وإذا ما أضيفت تلك التكاليف الى الأبواب الأخرى في الميزانيات التي لا تزال توضع بعقلية السنين الماضية والتي تتركز على مشاريع الخدمات والبنى التحتية، وهي مشاريع لا تدر عائداً مالياً تتزايد نسب العجز المالي التي لا بد أن تواصل الزيادة لاتساع الفجوة باستمرار بين معدلات النمو السكاني ومعدلات النمو الاقتصادي، فالثقافة الاستهلاكية التي تضرب بأطنابها على المجتمعات الخليجية تؤدي الى انهيار أخلاقيات العمل، فالمواطن السعودي والخليجي المرفّه لا يمكن صهره في برامج التنمية الاقتصادية والصناعية والعمل إلا بمواصفات أفرزتها الثقافة الاستهلاكية، ثقافة الرفاهية التي لا يريد الكثير منّا التخلي عنها، والتصديق بأن زمن الطفرة قد ولّى...!!
ولعل هذا أحد أسباب ازدياد البطالة بين الشباب التي زاد من نسبتها وتناميها سنوياً عجز دول الخليج والمملكة منها عن وضع برامج فعّالة لمعالجة هذه المشكلة التي تكبر ككرة الثلج كل عام.. فكل ما وضع من برامج لا تزال غير كافيه لاستئصال المشكلة وهذا ما جعل محاولات خفض نسب الاعتماد على العمالة الأجنبية في ازدياد مما شكَّل عبئاً متواصلاً على الاقتصاد الخليجي.والشيء الذي يجب الإشارة إليه هو أن الحكومات وحتى المجتمعات الخليجية تعي هذه المشاكل، وأن هناك جهوداً حقيقية للتصدي لها وبالذات هنا في المملكة، فخطوات الإصلاح الاقتصادي والمحاولات الجادة لتنويع القاعدة الاقتصادية.. محاولات تشهد حماساً ومتابعة نأمل ألا تصبح عملاً معتاداً يطغى عليه الحماس وأن تتحول إلى شعارات وأن تحقق الهدف.. ولا يمكن أن يتفاعل معها المجتمع ما لم تنعكس نتائجها عليه إيجابياً.
jaser@al-jazirah.com
|
|
|
|
|